في حوار مع “رسبريس” الشاعرمحمد الرويسي: هم يريدون أن يجعلوا منا ضحايا ونحن قادرون أيضا أن نجعل منهم أغبياء

admin
2019-10-08T14:22:55+02:00
حوارات وبروفيلات
admin8 أكتوبر 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات
في حوار مع “رسبريس” الشاعرمحمد الرويسي: هم يريدون أن يجعلوا منا ضحايا ونحن قادرون أيضا أن نجعل منهم أغبياء

أنجاز : حياة جبروني

كان لجريدة “رسبريس” شرف إنجاز هذا الحوار مع الشاعر المغربي محمد الرويسي. فلم يكن اختيارنا لهذا الشاعر المناضل اعتباطيا أو عمل صحفي روتيني من أجل الكتابة والنشر فقط، وإنما لما لهذا الإسم “الرويسي” من معاني ودلالات سياسية واجتماعية وفكرية داخل الأوساط المغربية.

فهو ينتمي إلى أسرة آمنت بالتغيير الفكري والتقدم الاجتماعي، فدفعت من أجل ذلك ضريبة قاسية من دمها وحريتها وحياتها. فذاقت علقم المعانات والأوجاع والجرائم  والتصفيات الواحدة تلو الأخرى… لتعيش الصدمة طوال حياتها ، لأنها أرادت مستقبل أفضل ينعم به جميع المغاربة .

تمخض عن هذا الوجع وهذه العتمة، شاعر تحدى الرصاص وجعل من مأساته وانكساره وغضبه ملحمة تراجيدية تمتزج فيها نبرة الشاعر الثائر بصوت إنساني حزين خافت. فنظم أقوى وأجمل وأرق شعر زفرها قلبه المتألم المجروح لتخترق الذاكرة والمخيلة.

س: بداية نرحب بك شاعرا ومناضلا ومفكرا، حبذا لو تقدم نفسك للقراء رغبة في معرفة غيض من فيض حياتك الشخصية مع الإحاطة ببعض أهم محطاتك الحياتية الأساسية؟

ج) محمد الرويسي شاعر ومناضل من مواليد سنة 1946 بالدار البيضاء، أب لستة أبناء ذكران وأربع بنات أيضا جد لعشر أحفاد.

رماني حظي في هذه البقعة من العالم لأكون مغربيا عربيا مسلما، تجرعت مما يتجرعه جل المغاربة الذين يعانون من سوء الحال وقهر الزمن.

س: تركت الدراسة في سن مبكرة، بسبب عاهتك البسيطة وسخرية زميل لك، لكن في نفس الوقت كانت العائلة تعيش الصدمة على خلفية الاختطاف القسري الذي تعرض له المرحوم عبد الحق الرويسي، ألا ترى معي أن هذا الحدث الأليم هو من غير مسارك التعليمي؟؟

ج) لو لم يكن حدث السبة المشؤومة، قطعا ما كنت سأغادر هذه المدرسة، لكن القشة التي قسمت ظهر البعير كانت بدون شك فاجعة الاختطاف.

س: بالمناسبة وعلى ذكر أخيك المرحوم عبد الحق المناضل والناشط النقابي، هل تم اختطافه كونه ناضل مع البنكيين ضد الفساد المالي؟ أم كان معارضا للنظام خصوصا وأن قضية الاختفاء هذه تعد ثالث أخطر ملف اختطاف عرفته دهاليز المخزن بعد المهدي بنبركة والحسين المانوزي؟؟

ج) شاب مثقف ومتوتب يمتلك مكتبة لا تحوي كتابا أصفرا واحدا ويتفاعل مع الأحداث بشكل كبير وكانت له مواقف من قضايا سياسية وثقافية وفكرية. شاب ساهم في إضرابات البنوك سنة 1964 لا يمكن أن تُقحم قضية اختطافه في متاهات مُفتعلة.

س: علاقة بالموضوع، بعض التصريحات الصحفية ادعت أن الإبن البكر للعائلة عبد الحق الرويسي كان وراء اختطافه قضية نسائية بالدرجة الأولى. ما رأيك في هذا التصريح؟؟

ج) كيف لرجل المخابرات يطلع علينا فجأة ليشرح لنا أحداثا تجاوزته ولم يعد له الحق في التكلم عنها كيف للبخاري يأتي ليربط موضوع اختطاف شقيقنا بقضية فتاة؟ وهل يُعد العشق في نظره مسألة تؤدي إلى الاختطاف؟ إن الذي أدى إلى حرماننا من وجه أخينا هو نضاله المستميت داخل حضيرة “الاتحاد المغربي للشغل” بالدعوة إلى الإضرابات التي عرفها القطاع البنكي خلال تلك السنة.

س: جاء في كتابك “العائد” أن الإختطاف في السنوات الجمر، “حرفة تمتهنه الدولة لتصفية حساباتها مع المعارضين”  هل اختطافك سنة 1973 وما لحقك من تعذيب وتعنيف كونك كنت من المعارضين للنظام، أم كُتب لهذه العائلة أن تدفع ثمن تصفية حسابات سياسية انتقامية؟؟

ج) اختطافي سنة 1973 كان نتيجة لممارسات نضالية استدعاها سخطي على ممارسات دولة المخزن وتأثري الشديد باختطاف شقيقي.

س: هل تحظى المرأة والعشق والغرام بجانب وافر من شعرك؟ خصوصا وأنك في وقت ما كنت محررا لرسائل غرامية وتسعى لمد جسور الود بين المعشوقين ؟؟

ج) لا تخلو سيرتي الذاتية من فضاءات تنشّقت من زهورها عبير الغرام وبالرغم من ذلك تبقى تلك الفضاءات ضيقة المساحة أمام ما زخرت به حياتي من علاقات لا تسمح السيرة بسرد مساراتها.

س: هل مازالت سنوات الجمر تقض مضجع قريحتك الشعرية وتفرض نوعا خاصا من الشعر؟؟ هل استطاع شعرك أن يتحرر من الماضي الأليم أم مازال رهين العذاب والتعذيب؟…

ج) عكس ما يلجأ إليه النقاد من تنميط لمراحل وحقب من تاريخ مغربنا، فأنا أرى أن تلك المراحل والحقب تتداخل وتتفاعل ولا يمكن فصل بعضها من بعض. فليس هناك شعراء للسبعينيات والثمانينيات ولكن تبقى روح السبعينيات ظاهرة في شعر كل الحقب الأخرى. فإلى حد  الآن مازالت قصائدي تحمل في رحمها معاناة تلك الحقبة.

س: بمن تأثرت من المثقفين والشعراء؟

ليس هناك شاعر يأخذ مكانة المتنبي في تفضيل لقبيلة الشعراء. وليس مفكر عربي يأخذ بجماع محبتي كالكاتب المصري سلامة موسى. أما المفكرون الآخرون فلهم أيضا مكانتهم ولا أنقص من احدهم.

س: جاء في سيرتك الذاتية “العائد” “خرجت من موت الحواس، إلى انتفاضة العقل؟؟ فطرقت أبواب العلم والمعرفة في السبعينيات، وانكببت على المطالعة ومصاحبة الكثير من رجالات الفكر، واكتسبت ثقافة واسعة في كل المجالات، لكنك غيبت الشعر؟ هل لهذا التغييب أثر على نجاحك وتفوقك الإبداعي؟؟

ج) غيبت الشعر في مطالعاتي ولكنه كمادة فنية كان باديا في سلوكي وعندما أزف الوقت لألج باب المطالعات الشعرية تحرك الشيطان الكامن في دواخلي فعُوض كل ما ضاع من قبل نقدا وشعرا وجمالا.

س: أعرفك شاعرا مناضلا معروفا ومن عائلة معروفة، ولكنك لم تظفر بالشهرة التي تستحق، في الوقت الذي اشتهر فيه من يدعون أنهم شعراء، وليس في رصيدهم إلا بعض تجارب شعرية متواضعة؟ ما هو تعقيبك؟

ج) من كان فوق محمل الشمس منزلة

فليس يرفعه شيء ولا يضع      (المتنبي)

فأنا لست الوحيد الذي اكتوى بنار الإقصاء والتهميش، فهناك الكثيرون الذين غيبتهم إرادة القبح والمجاملة عند أناس يشجعون الرداءة ويناصرون التفاهات.

س: هل قصر الإعلام أو الصحافة الوطنية والجهوية على حد سواء في إظهارك وإبرازك للنقاد والقراء؟

ج) هم لم يقصروا فقط، بل تغيبوا، خصوصا الصحافة الحزبية التي تكاد لا تنشر إلا للمنتمين إليها والمنتسبين إلى صفوفها. إن هذا التغييب لا ينال من معنوياتي قيد أنملة بل يزيدني قوة إلى القوة التي منحتني الحياة  إياها.

س: هل كان لإسم “الرويسي” وما عرف عنه من زخم نضالي متوارث ضد الاستعمار وقهر المخزن ، السبب في ارتبط الجمهور بالموروث السياسي والنضالي لهذه العائلة أكثر من الموروث الثقافي والإبداعي؟

ج) لم يكن الموروث الثقافي حاضرا في البداية بل كان النضال عقيدة وطنية يمليها واجب النضال من أجل الكرامة بالتحرر، إلا أن هذا المسار أخذ له بعدا ثقافيا عند الأبناء فطوروا رؤيتهم لواقع الأحداث مما جعلهم يشكلون خطرا أكبرا بالنسبة للذين ورثوا على الاستعمار أساليبه في السيطرة والفساد.

س:  هل الملف الضخم للمختطف عبد الحق الرويسي كرجل سياسي مناهض للفساد  أثر على شهرتك وخطف الأضواء من حولك كشاعر؟

ج) لا يمكن لحضوري في الساحة الأدبية أن يحقق ذاته بمعزل عن قضية اختطاف شقيقي، فالكثير مما أحصل عليه من اهتمام يأتي بسبب تلك القضية. فلا وجود لمحمد الرويسي بمعزل عن عبد الحق الرويسي.

س: وأخيرا ثمة، مجموعة من الشعراء النخبويين المغاربة تقادموا وشاخوا، بفعل الحداثة والشباب فتم تجاهلهم في المحافل والتكريمات والمهرجانات، فهل الشاعر محمد الرويسي من ضحايا شعراء الضاد؟؟.

ج) أن أكون ضحية، فهذا يعني أن أكون انتهيت، وما دمت واقفا على قدماي فهذا يعني أنني مازلت موجودا رغم الداء والأعداء.

هم يريدون أن يجعلوا منا ضحايا ونحن قادرون أيضا أن نجعل منهم أغبياء.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)

التعليقات 8 تعليقات

  • ليلىليلى

    شاعر رائع ،إنسان راقي و روح لا تهاب الصعاب.
    نضالك لم يكن يوما بهدف محاولة للإنقلاب أو التمرد على القصر و الدولة أو الخيانة مثل ما يزعم البعض، بل هو دفاعا عن الوطن و رفضا للإحتقار و التهميش و سلب أبسط حقوق المواطن .
    اعتقالك كان ظلما و أصدق دليل هو محاولة تعويضك ماديا عن معاناتك خلال فترة الإعتقال.
    يكفي أنك كنت تملك الشجاعة لرفض الظلم في مجتمع يعتبر حرية التعبير جرما و تمردا وانقلابا و يعاقب عليه.
    و أقول لكل إنسان يعتبر أننا في نعمة نحسد عليها لأننا ننام و ليس فوقنا طائرات و صواريخ،أغلبيتنا تموت جوعا و فقرا وضربا في المظاهرات واعتقالا و ظلما و سلبا لحقوقها وحرقا لنفسها و (تشرميلا) ،حقا فهذه نعمة يحسد عليه المغاربة.
    دمت شاعرا و مناضلا حرا.

  • JamalJamal

    السيد محمد الرويسي شاعر ومثقف ومناضل ناضل ضد الفساد من اجل الحرية والكرامة وهاهو يناضل ضد الرداءة من اجل سمو الحرف والكلمة

  • NabilNabil

    اسي محمد اذا كانت الشعوب العربية قامت بثورات من أجل الديمقراطية ومن اجل العيش الكريم فقتل من قتل وسجن من سجن من أجل قضية مصيرية فعندنا يموت العشرات يوميا ليس تحت الصواريخ ولكن تحت الماء من اجل الخبز معارك يومية ضد الجوع ضد العزلة يوميا نسمع موتى في عمق البحر وانتحارات مخدرات امراص نفسية وعقلية من ينام مطمئن البال غيرك

  • MOHAMMED MAROCMOHAMMED MAROC

    سنين وسنين والشعوب العربية صابرة وصامدة أمام الفقر والعوز، تُحسن الظن بحكوماتها وبمن تولّوا أمورها، ولما حل شيطان الثورات العربية والربيعية ماذا كان النتيجة وقبلها العراق ماذا حل بهذه الشعوب غير الخراب والدمار فاعتبروا يا أولي الألباب
    فنحن في نعمة نحسد عليها ننام وليس فوقنا طائرات وصواريخ

  • شاعر عز العربشاعر عز العرب

    شاعر صنعته الاعتقالات والاختطاف والقهر والوجع شاعر تجرع مرارة الفساد والمفسدين شاعر حلم بغد أفضل لكنه ظل حبيس الماضي الأليم شاعر مجروح ينزف دما وحرقة لكن كبريائه فوق السماء
    حبا وتقديرا وافرا للشاعر محمد الرويسي

  • NawfalNawfal

    حوار رائع وشيق واثارة مواضيع في غاية الحساسية والاهمية تحدثت عن فترة زخرت بالادمغة والعقليات المتنورة ادمغة مترسخة في ذهن كل مغربي رجالات نفتخر بهم ماتوا جسدا لكنهم احياء يرزقون في كل مواطن

  • احساناحسان

    حوار في غاية الأهمية ثقيل ووازن يجرى مع شاعر عاش وعانى الأمرين في فترة الستينات والسبعينات شاعر ذاق من القهر والنقص والفساد ما جعله يطلق رصاصات ودبابات شعرية يداوي بها جروحه الغائرة منذ اختطاف الشهيد عبد الحق الرويسي
    فلك منا أيها الشاعر المناضل أجمل التحايا ودمت شاعرا ومناضلا إلى آخر نفس

  • NOENNOEN

    الفترة التي تحدث عنها الشاعر محمد الرويسي هي فترة محاولات الانقلابات ضد القصر والمخزن
    محاولة قلب النظام ليس في أي تساهل أو تسامح إنها الخيانة والفوضى والعبث كان لابد أن يقابل أن يدفعوا الثمن غاليا