رسبريس – الأناضول
قال الأكاديمي المغربي، رئيس مركز معارف للدراسات والأبحاث، سلمان بونعمان، إن “العالم العربي يشهد موجة انتفاضية ثانية تشكل امتدادًا للموجة الأولى على مستوى الأفق التحريري والمطالب الإصلاحية”، لكن تتميز بأنها “عابرة للطائفية والاصطفافات السياسية”، وترفض التدخلات الخارجية، وتتسم بالوعي في التفاوض مع المؤسسات العسكرية.
ومطلع 2011، اندلعت احتجاجات شعبية في دول عربية، اصطلح على تسميتها بثورات “الربيع العربي”، وانطلقت شرارتها في تونس، ثم امتدت إلى دول أخرى، بينها مصر وليبيا واليمن، وأسقطت أنظمتها الحاكمة.
وأضاف بونعمان، أن “الموجة الجديدة استفادت من دروس وعِبر الأولى، رغم وجود خصائص تميز كل حالة انتفاضية”.
وفي الربع الأول من 2019، شهدت الجزائر والسودان احتجاجات شعبية أجبرت قيادة الجيش السوداني، في 11 أبريل، على عزل عمر البشير من الرئاسة (1989: 2019)، وأجبرت عبد العزيز بوتفليقة، في الثاني من ذلك الشهر، على الاستقالة من رئاسة الجزائر (1999: 2019).
ورأى بونعمان، مؤلف كتابي “فلسفة الثورات العربية: مقاربة تفسيرية لنموذج انتفاضي جديد”، و”أسئلة دولة الربيع العربي”، أنه “رغم تعرض الموجة الثورية التأسيسية (الأولى) لانتكاسات وخيبات، إلا أنها أحدثت تراكمًا احتجاجيًا”.
ودعا إلى “النظر إلى الانتفاضات الجديدة من زاوية ثنائية الاتصال والانفصال، خاصة في ظل تعقيداتها وتلقائيتها وعفويتها”. وبجانب السودان والجزائر، يشهد العراق ولبنان، منذ أكتوبر الماضي، احتجاجات شعبية ترفع مطالب متشابهة، في مقدمتها رحيل الطبقة الحاكمة المتهمة بالفساد والافتقار للكفاءة.
– مشترك عام وخاص
وفق “بونعمان”، فإن “الخاصية المشتركة في الحالتين السودانية والجزائرية هي المطالبة بتحييد المؤسسة العسكرية عن المجال السياسي العام وميلاد سلطة مدنية”.
فيما المشترك الأساسي في الحالتين اللبنانية والعراقية، بحسب “بونعمان”، هو “ربط الطائفية بالفساد، ورفض التقسيمات الثقافية، والنضال السياسي الذي يقوم على المحاصصة الطائفية”. ورأى أن “المشترك العام في الموجة الثانية هو وجود وعي شبابي متقد ومتجدد ومخالف للحركات الاحتجاجية الكلاسيكية”.
وتابع: “نحن اليوم أمام حركات احتجاجية عابرة للهويات والإثنيات والطائفيات وتتجاوز الأبعاد الأيديولوجية الضيقة، لتلتحم من جديد مع أسئلة المواطنة والسيادة والحرية”.
وزاد بقوله: “الجيل الجديد من الشباب يرفض الاصطفافات السياسية والتواطئات الهشة للنخب السياسية، ويحتج على وضعية اقتصادية اجتماعية تتسم بالتوتر وعدم التوزيع العادل للثروة ومعدلات نمو لا تصل إلى كل الفئات الاجتماعية”.
وميز بين بعدين في الموجة الانتفاضية الثانية، “الأول هو بعد اجتماعي اقتصادي يعكس أزمة النموذج الاقتصادي التنموي في البلدان المعنية، والثاني هو بعد احتجاجي انتفاضي سياسي مرتبط برفض استمرار نموذج الحكم الذي يجمع بين السلطة والثروة، ويغلق المجال العام، ويفشل في بناء تنمية شاملة وعادلة”.
– الجيش والتدخل الخارجي
مشددًا على كون ما يحدث حاليًا هو استمرار للموجة الأولى، قال “بونعمان”: “هناك دائمًا ذاكرة للحركات الانتفاضية، واستفادة واعية وغير واعية من التجارب الثورية السابقة، خصوصًا الحالة المصرية في العلاقة مع المؤسسة العسكرية”.
وأطاحت ثورة شعبية، في 2011، بالرئيس المصري آنذاك، حسني مبارك (1981: 2011)، ثم أُطيح في 2013 بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا، بعد عام واحد في الرئاسة، وذلك حين كان الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، وزيرًا للدفاع.
واعتبر “بونعمان” أن “أزمة الثقة في المؤسسات جعلت الحركات الانتفاضية الجديدة تتميز في مطالبها بأمرين لم يكونا مطروحين في الموجة الأولى، هما الاحتجاج على التدخل الخارجي، كما لوحظ بقوة في الجزائر برفع مطالب ضد التدخل الفرنسي، وأيضًا في السودان، برفض التدخل الإقليمي والعربي، ورفض التدخل الإيراني في الحالتين العراقية واللبنانية”.
الأمر الثاني، بحسب “بونعمان”، هو “الوعي المتقد في إدارة الحوار والتفاوض مع المؤسسة العسكرية ذات الطموحات السياسية والرافضة لتأمين انتقال حقيقي إلى الحكم المدني”.
وشدد على أن “هناك توجس وفقدان ثقة بين القوى المطالبة بالإصلاحات والديمقراطية والقوى التي تغولت في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش، خصوصًا بعد الانقلاب العسكري في مصر عام 2013”.
– تدبير المرحلة الانتقالية
قال “بونعمان”، وهو أيضًا مؤلف كتاب “التجربة اليابانية دراسة في أسس النموذج النهضوي”، إن “التدبير الحكيم والسليم للمرحلة الانتقالية مهم في نجاح الأفق الإصلاحي والتغييري للموجة الانتفاضية الجديدة”.
وأضاف أن “أفق الحركات هو الإصلاح والتغيير، وليس القلب الشامل والجذري للنظام”.