أشرف البروفيسور المغربي محمد طريبق، أستاذ الفسيولوجيا الخلوية والجزيئية بجامعة بولاية بنسلفانيا الأمريكية، على دراسة علمية أظهرت نتائجها أن بعض الأدوية التي المستخدمة على نطاق واسع لعلاج ارتفاع الضغط الدموي، وتسمى حاصرات قنوات الكالسيوم من نوع “ل”، يمكن أن تلحق ضررا بالقلب.
وفي ما يلي أجوبة السيد طريبق على ثلاثة أسئلة ل” و م ع ” حول نتائج هذه الدراسة.
1 ـ هلا حدثتنا عن طبيعة الدراسة التي أشرفتم عليها رفقة فريقكم البحثي بجامعة ولاية بنسلفانيا، وما النتائج التي توصلتم إليها؟
ـ إن أمراض القلب والأوعية الدموية تمثل أحد الأسباب الرئيسة للوفاة عبر العالم، وتزداد انتشارا، لاسيما في البلدان النامية. يتعلق الأمر أساسا بمرض ارتفاع ضغط الدم، الذي يمكن أن يؤدي في أغلب الحالات، إذا لم يتم علاجه، إلى أمراض القلب والأوعية الدموية مثل فشل القلب وتمزق الأوعية والسكتة الدماغية.
الأوساط المتخصصة تطلق على ارتفاع ضغط الدم تسمية “القاتل الصامت”، في إشارة إلى الجانب الخطير وغير المعروف من المرض لدى عامة الناس. وتعرف “جمعية القلب الأمريكية” ارتفاع ضغط الدم بأنه ضغوط انقباضية/انبساطية تحدث باستمرار وتفوق 130/80 ملم زئبق.
يدرس مختبرنا البحثي بجامعة ولاية بنسلفانيا قنوات الكالسيوم، وهي جزيئات على شكل مسام توجد على سطح جميع الخلايا البشرية. ويسمح هذا المسام للكالسيوم بالنفاذ إلى الخلايا لتحفيز العديد من العمليات من بينها تقلص العضلات. ويتم التحكم بشكل دقيق للغاية في تدفق هذا الكالسيوم وكمية أيونات الكالسيوم التي تدخل الخلية. وحين يكون تدفق الكالسيوم ضعيفا جدا أو قويا جدا، تكون الخلية غير قادرة على العمل بشكل طبيعي وهذا يرتبط بعدد كبير من الأمراض التي تصيب الانسان.
وبالنسبة لارتفاع الضغط الدموي، ثمة الكثير من الكالسيوم في خلايا العضلات الملساء التي تشكل بطانة الأوعية الدموية. وهذا يؤدي إلى زيادة انقباض خلايا العضلات الملساء وارتفاع ضغط الدم. بعض الأصناف من الأدوية التي تم استخدامها على نطاق واسع لعلاج ارتفاع ضغط الدم لأزيد من 70 عاما، وتسمى حاصرات قنوات الكالسيوم من نوع “ل”، تمنع دخول الكالسيوم إلى خلايا العضلات الملساء وتسمح للأوعية الدموية بالارتخاء، وبالتالي إيقاف ارتفاع ضغط الدم.
وقد اكتشف فريقنا أنه خلال المرحلة المزمنة لارتفاع ضغط الدم، هناك عائلة جديدة من قنوات الكالسيوم من نوع “STIM/ORAI” تظهر على سطح خلايا العضلات الملساء، وتنشطها حاصرات قنوات الكالسيوم من نوع “ل”، ما يتسبب في زيادة تدفقات الكالسيوم في خلايا العضلات الملساء، ويؤدي إلى تفاقم ضغط الدم عبر آلية جزيئية جديدة، غير معروفة حتى الآن”.
ولذلك، فإن حاصرات قنوات الكالسيوم، التي يفترض أنها تخفض ضغط الدم عن طريق غلق قنوات الكالسيوم من نوع “ل”، تنشط قنوات الكالسيوم الجديدة من نوع “STIM/ORAI” وتزيد من ارتفاع ضغط الدم.
2 ـ ما الأهمية التي تولونها لنتائج دراستكم، بالنظر إلى أن ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية آخذ في الارتفاع في الوقت الراهن عبر العالم؟ وهل تعتقدون أن نتائج هذه الدراسة ستغير الطريقة التي يتعاطى بها الأطباء مع علاج مرضى ارتفاع الضغط الدموي؟
ـ إن أمراض القلب والأوعية الدموية آخذة في الارتفاع في الوقت الراهن عبر العالم، لا سيما بسبب التغيرات في الأنظمة الغذائية وانتشار أنماط الحياة القارة التي تقوم على قلة الأنشطة البدنية. والأكيد أن ارتفاع ضغط الدم هو مرض معقد ويرجع لعوامل متعددة، لكن صحيح أن الأدوية التي تخفض الضغط الدموي تنقذ أرواح العديد من الأشخاص عند تناولها بانتظام، ولفترة طويلة ودون انقطاع. وللأسف، غالبا ما يعود الضغط الدموي للارتفاع عندما يتوقف المرضى عن تناول الدواء.
وهنا أود أن أوضح أن لدينا تشكيلة كبيرة من الأدوية التي تخفض الضغط وأن حاصرات قنوات الكالسيوم من نوع “ل” ليست سوى واحدة من العديد من الأصناف من الأدوية المستخدمة حاليا. وينبغي أن يكون اختيار الأدوية التي تخفض الضغط الدموي مناسبا لحالة المريض وتراعي وضعه الطبي ووظائف القلب لديه، وكذا مسببات الحساسية وجنسه وعمره. ولذلك، توصي الدراسة التي أنجزناها بتجنب المرضى المسنين أو الذين يعانون من إعادة تشكيل الأوعية الدموية استخدام حاصرات قنوات الكالسيوم من نوع “ل”، لأن “ضرر هذه الأدوية أكبر من نفعها بالنسبة هذه الفئة من المرضى”. ونعتقد أن الأطباء سيتعاملون مع علاج ارتفاع الضغط الدموي مع أخذ نتائج دراستنا بعين الاعتبار.
أمر آخر ينبغي توضيحه أيضا وهو أنه على الرغم من الكمية الكبيرة من الأدوية التي تعالج ارتفاع الضغط الدموي، فإن هناك عددا كبيرا من المرضى الذين لا يستجيبون بشكل جيد لها، والذين يحتاجون أحيانا لتناول جرعة زائدة أو صنفين أو أكثر من الأدوية لخفض ارتفاع ضغط الدم، مع ما يصاحب ذلك، طبعا، من آثار جانبية غير مرغوب فيها.
ولذلك يتم حاليا بذل جهود بحثية دؤوبة لإيجاد أدوية جديدة أكثر فعالية. كما أن اكتشاف حاصرات جديدة فعالة لقنوات الكالسيوم من فئة “STIM/ORAI” يمكن أن يشكل فئة جديدة واعدة من أدوية ارتفاع ضغط الدم. وهذا هو الاتجاه الذي تسير فيه جهودنا البحثية بالنسبة للسنوات المقبلة.
3 ـ في سياق جائحة كورونا، ما هي الاحتياطات التي توصون بها الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع الضغط الدموي وما هي خيارات الأدوية التي يتعين عليهم اللجوء إليها؟
ـ من الواضح أن ارتفاع ضغط الدم والسكري من الأسباب التي تزيد من قابلية الإصابة بفيروس كورونا وهذه الأمراض تصيب بشكل أكبر الاشخاص المتقدمين في السن الذين هم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس.
يتعين على الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع الضغط الدموي تناول الأدوية الموصوفة لهم بشكل منتظم، كما يجدر بهم أن يستشيروا الأطباء بشأن أي تغيير في النظام الطبي الخاص بهم.
حين يتم التوصل إلى نتائج علمية جديدة، من الطبيعي أن يتم العمل على الاستفادة منها وتكييف نظامنا الطبي معها. غير أنه ينبغي أن تتخذ القرارات حسب كل حالة على حدة. فأي تغيير في الدواء ينبغي أن يتم بعد استشارة طبيب متخصص، لأنه هو الوحيد الذي يمكنه اتخاذ قرار سليم يراعي الحالة الصحية العامة للمريض.