الشباب المغربي.. أرقام صادمة ومستقبل مقلق

admin
قضايا الشباب
admin30 ديسمبر 2018آخر تحديث : منذ 6 سنوات
الشباب المغربي.. أرقام صادمة ومستقبل مقلق

عبد الغني الخنوسي
كاتب وفاعل حقوقي
يشهد المغرب خلال السنوات الأخيرة موجة احتجاج شعبي سلمي ذو مطالب اجتماعية واضحة، تتمثل أساسا في الاحتجاج على مظاهر “الحكرة” والمطالبة بتحقيق مقومات الحياة الكريمة، حيث تعرف العديد من المدن والقرى والهوامش العديد من الوقفات والاعتصامات والمسيرات وصلت إلى حدود 11 ألف وقفة أو مسيرة احتجاجية(1) حسب تصريحات رسمية للدولة تحاول من خلالها تسويق وهم هامش الحريات الممنوح للمواطنين والحقيقة أن الرقم المصرح به يساءل مخرجات مشاريع النموذج التنموي المغربي الذي أغدق عليه ملايين الدراهم، ويلخص حجم الاحتقان الاجتماعي نتيجة الفقر وغياب العدالة الاجتماعية.

والملاحظ أن الشباب يقود ميدانيا وإعلاميا أغلب هذه الاحتجاجات الاجتماعية في أشكال احتجاجية حاشدة سلاحها السلمية التي حرص عليها الجميع، جسدتها صور سلسلات الشباب والشبات وهم يحمون منشآت الوطن، مشاهد سلمية حضارية عكست معاني النبل والشرف والوطنية الحقيقية، وأظهرت المعدن الأصيل للشباب المغربي الذي لم يفقد حبه لوطنه رغم قساوة عقود من الاستبداد والفساد.
كما يلاحظ أن الشباب لا يحتج فقط دفاعا عن الحق في التشغيل، بل يطالب بتنمية حقيقية شاملة للوطن، ففي حراك الريف المطالب بالتنمية المحلية، قاد الشباب صفوف المحتجين بعد طحن الشهيد محسن فكري رحمه الله يوم 28 أكتوبر2016 في شاحنة أزبال حين دفاعه عن مصادرة سمك كان يريد بيعه ليوفر لقمة عيش كريمة في منطقة مهمشة منهوبة، والأمر نفسه في ثورة “العطش” بزاكورة ومعتصم منجم إيمضر وجبل العوام، وحراك “الرغيف الأسود” بجرادة وحركة “الصحة للجميع” ببويزكارن” وتيزنيت وطانطان.

يشير الباحث في علم الاجتماع السياسي الأستاذ منير الجوري في دراسة له بعنوان “الخطاب السياسي والفضاء العمومي في زمنية الاحتجاج” إلى أن معضلة الشباب المغربي ليست متعلقة فقط بمعضلة التشغيل: ” يبدو أننا للوهلة الأولى أمام أزمة إدماج اجتماعي وسياسي للشباب، فالمغرب ضمن المجتمعات التي “ما تزال دون مستوى ما وصلته المجتمعات الغربية في سيرورة احتواء عناصرها الشابة، ومعرفة مشاكلها، وتأهيلها وتوجيهها في إطار سياسة تربوية وتكوينية فعالة وهادفة.

إن هذه المجتمعات الثالثية تحت وطأة ما تعانيه الآن من تبعية للخارج وخضوع فكري وسياسي لمراكز القرار الغربية المهيمنة على المستوى، العالمي، لم تستطع أن تبلور سياسة شبابية كفيلة باستقطاب ايجابي للفئات الشابة، وتفهم أوضاعها وأزمتها، وبالتالي تسهيل اندماجها في الحياة الاجتماعية العامة بواسطة التعليم والتكوين والتشغيل، وتوفير الخدمات الأولية الميسرة والموسعة لدائرة هذا الاندماج (2) والحقيقة أن مشاكل الشباب في السياق المغربي ذات أبعاد عميقة ومركبة ولا يمكن اختزالها في معضلة التشغيل رغم أهمية ذلك”. (3)

ومن المؤسف أنه رغم مشروعية المطالب وسلمية هذه الاحتجاجات، قابل المخزن كل ذلك بالتجاهل والتماطل، واعتماد المقاربة القمعية في مواجهة الاحتجاجات المتزايدة والإمعان في الاعتقالات وطبخ الملفات ومراكمة المحاكمات الماراطونية، وما واكب ذلك من أساليب التخوين والتشكيك والتبخيس وجهود وساطة الاحتواء، لتستمر الدولة في تعميق فقدان الثقة الشعبية.

فكان أغلب ضحايا هذه المقاربة الأمنية القمعية شباب بين شهداء ومئات من المعتقلين والموقوفين والمعنفين، عقابا لهم لأنهم صرخوا ضد “الحكرة” والتهميش والتفقير وطالبوا بتأمين عيش كريم لمناطقهم، في غياب سياسة تنموية إدماجية، كان آخر هذه الفواجع الحقوقية الحكم على 54 من معتقلي حراك الريف بـ308 سنة نافذة عقابا لهم لانهم طالبوا بمستشفى وجامعة وطريق معبدة وكرامة آدمية، والحكم على الصحفي حميد المهداوي بـ3 سنوات سجنا نافذا لفضحه الإعلامي لقمع الدولة لحراك الريف.

أمام هذا الوضع الذي لم نذكر كل تجلياته، ولعها معروفة لدى القاصي والداني، يقف المرء مستغربا أمام عدم اكتراث الدولة وضعف تجاوبها مع كل هذه الأخطار التي تهدد الوطن، كما يقف مستنكرا تشبثها بتكرار نفس الوسائل التي أثبتت فشلها، مشاريع وهمية متناثرة هنا وهناك، لا شيء يجمع بينها ولا شيء ينتج عنها إلا مزيد من الفشل والضياع.

إن ضمان حق الشعب المغربي في التعليم والصحة والسكن والشغل وفي مقومات العيش الكريم، رهان لا بديل عنه للاستفادة من خيرات الشعب المنهوبة، وإن الوضع لم يعد يحتمل سياسة الهروب إلى الأمام، فلا بد من علاج شمولي مدخله بناء وطن المواطنة الحقيقية، وطن يحصل فيه الشعب على حقوقه السياسية والاجتماعية والمدنية كاملة دون تجزيء، لذلك لا حل لكل أزمات المغرب إلا من خلال إرساء دعائم نظام ديمقراطي حقيقي متعاقد مع مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، دون تمييز أو إقصاء أو تهميش، وذلك يقتضي توفر الإرادة السياسية للحاكمين -الغائبة والمغيبة للأسف- وإلا سنظل ننعي كل يوم شهداء الفقر والبؤس في مختلف ربوع الوطن ونبكي معتقلي الحكرة في مختلف سجون البلاد.

فلا يقضي على الفقر والحرمان غير العدالة السياسية والاجتماعية، مع وعي شعبي بمكامن الداء ومنطلقات العلاج، وعدم الاستسلام لخطابات التيئيس والمقارنة الخطأ والاستدلال الفاسد التي تختزل المستقبل في ثنائية خياري السيئ والأسوأ، إما الاستبداد أو العنف!، هناك دائما خيار ثالث؛ خيار المقاومة والممانعة السلمية من أجل مغرب آخر ممكن، مغرب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
_____________________________________________
مصادر:
(1) تصريح الناطق الرسمي بإسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي.
(2) مصطفى محسن، الشباب وإشكالية الاندماج الاجتماعي: مقاربة سوسيولوجية، ضمن كتاب: الشباب ومشكلات الاندماج، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ص 30.
(3) منير الجوري، الخطاب السياسي والفضاء العمومي في زمنية الاحتجاج”، منشورات مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، ص 73.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.