أمام الوعي المتزايد بأهمية العودة إلى كل ما هو طبيعي في التغذية كما في
العلاج، ولجوء كثير من الناس إلى العلاج الطبيعي أو ما يصطلح عليه ب”الطب
التقليدي” (الشعبي) أو “الطب البديل” أو “الطب الطبيعي”
، تجنبا لمساوئ استعمال المواد المصنعة والأدوية الكيماوية، تبرز الحاجة اليوم إلى
معرفة فوائد ومحاذير هذا النوع من التطبيب، وترشيد استعمالاته واستثمار فضائله بما
يحفظ صحة الأفراد والمجتمع.
في حوار مع الدكتور والصيدلاني خالد الزوين، خريج كلية
الطب والصيدلة ليموج بفرنسا تخصص العلاج بالأعشاب الطبية (phytothérapie) ، وباحث في علم الوراثة والأدوية والأمراض السرطانية
( pharmacogénétque en encologie)، تسلط وكالة
المغرب العربي للأنباء، الضوء على مميزات العلاج في كل من الطب الطبيعي والطب
الحديث، والفروق بينهما من حيث المرتكزات والنجاعة والأمان .
1 – برأيكم ما الفرق بين الطب التقليدي والطب الحديث من
حيث الخصائص والمرتكزات ؟
أولا أفضل مصطلح الطب الطبيعي ، باستعمال الآليات
والأعشاب الطبيعية، لأنه عندما نقول الطب التقليدي قد يدخل معه كل ما يتعلق
بالشعودة وأمور لا علاقة لها بالتطبيب. لهذا فأنا أفضل كلمة العلاج بالأعشاب
الطبية (phytothérapie) أو الزيوت الطبية
( l’aromatotérapie) .
بالنسبة للفروق بين الطبين فإنها تتجلى على مستوى
التكوين والتشخيص.
- التكوين
في الطب الحديث أكاديمي ، وممارسته مؤطرة بترسانة قانونية تحدد مسؤولية الطبيب
والمختبرات التي تصنع الأدوية.
وبخصوص الطب الطبيعي ، في أوروبا مثلا يوجد تكوين أكاديمي يخرج أطرا صحية متخصصة بمستويات مختلفة من محضر في الصيدلية تخصص علاج بالأعشاب إلى صيدلاني إلى تخصصات ووحدات تخصصية طبية أخرى.
أما في الدول النامية فيوجد فراغ قانوني كبير فيما يخص ممارسة الطب بالأعشاب ، إذ أن رجل الصحة الوحيد الذي يخول له القانون ممارسة العلاج بالأعشاب الطبية والزيوت الطبية هو الصيدلاني، لأنه تلقى خلال سنوات دراسته مجموعة من الوحدات التكوينية لها علاقة بالأعشاب الطبية وكيفية استعمالها وكيفية تشخيص الأمراض لعلاجها. - التشخيص في الطب الحديث يستعمل أدوات وآليات تتميز بدقة كبيرة، بينما التشخيص عند ممارسي العلاج الطبيعي بسيط يعتمد على الملاحظة والحوار مع المريض فقط ، باستثناء الصيادلة فهم يؤكدون على وجود آليات التشخيص الحديثة كإجراء تحاليل طبية وبعض الصور بالأشعة التي تمكن من تحديد المرض قبل وصف العلاج.
2 – كيف تقييمون فعالية الطب الطبيعي مقارنة مع الطب
الحديث في علاج الأمراض والأوبئة ؟
العلاج الطبيعي أسلوب للوقاية بالأساس، ولعلاج الأمراض
الخفيفة وغير المزمنة وغير الحادة كآلام الرأس العابرة، وحالات الزكام، وبعض
المشاكل البسيطة في الجهاز الهضمي، وبعض آلام المفاصل التي يعجز الطب الحديث عن
علاجها خاصة لدى المسنين الذين تقل حركتهم، وتسبب لهم الأدوية الكيميائية مشاكل في
الجهاز الهضمي ، كما أنه يساعد في علاج الأوبئة عندما تكون في مراحلها الأولى.
فيما يخص مواجهة فيروس كوفيد 19 ، الأعشاب لها أهمية
كبيرة في مرحلة الوقاية لتقوية المناعة وقتل الفيروس في بدايته، لكن عندما يصبح
المرض في مستويات متقدمة وتصبح الرئة عاجزة عن أداء وظيفتها فلا يمكن الاعتماد على
الأعشاب الطبية أو مستخلصات طبية لمعالجة داء كورونا بل يجب اللجوء إلى الطب الحديث
.
يمكنني القول بكل أريحية أن الطب الحديث أفضل وأنجع
بكثير من الطب الطبيعي في مواجهة الأوبئة أولا بسبب أساليب التشخيص المبكرة، وكذا
آليات التدخل والأدوات المستعملة ،خاصة في المستعجلات و كذلك نوعية الأدوية
المستعملة لمواجهة هذه الأوبئة لاسيما اللقاحات المستعملة لتفادي الإصابة بالفيروس
أو البكتيريا المسببة لهذه الأوبئة
كما أنه فعال في معالجة الأمراض الخطيرة والمستعصية
كالسرطان، لكن في بعض الحالات الميئوس منها عندما تصبح الأدوية الكيماوية غير
مجدية، يمكن اللجوء إلى استعمال بعض الأعشاب الطبية للتخفيف من الآلام وتعزيز
معنويات المريض.
صحيح أن هناك أعشابا أثبتت بعض الدراسات العلمية
فعاليتها ضد الخلية السرطانية مثلا ، لكن يلزم كميات ضخمة منها للوصول للفعالية
المطلوبة.
3 – متى يكون العلاج بالاعشاب الطبيعية آمنا؟
العلاج الآمن بالاعشاب والزيوت الطبية يستلزم اللجوء إلى
أصحاب التخصص الذين يمارسون هذا النوع من التطبيب طبقا للضوابط العلمية وفي إطار
احترام القوانين، لأنهم الأقدر على ضبط مكونات المواد المستعملة في العلاج والطرق
السليمة لجنيها وتخزينها وتحضيرها وكذا مقادير ومدة وأساليب استعمالها ( أقراص،
زيوت ، محلول..) ، فباحترام هذه الشروط يكون العلاج آمنا وخاليا من أي آثار
جانبية. بخلاف الطب الحديث فإنه باستعماله للأدوية الكيماوية يسقط في معضلة الآثار
الجانبية لهذه الأدوية التي قد تبدأ بأثر بسيط على الجسد وقد تصل إلى الموت لا قدر
الله.
4 – يعتقد البعض أن الانتقادات الموجهة للعلاج الطبيعي
نابعة من رغبة لوبي صناعة الأدوية والطب الحديث في حماية مصالحه ، هل هذا وارد
برأيكم؟
هذا الأمر غير وارد لسببين رئيسيين ، أولهما أن هامش
الربح في صناعة الأعشاب الطبية وطرق العلاج الطبيعي لا تسيل لعاب أصحاب معامل
الصناعة الدوائية، فهؤلاء لهم هوامش ربح جد مهمة تجعلهم لا يفكرون حتى في استعمال
هذه المواد، فبالأحرى أن يكونوا طرفا في مواجهة أسلوب العلاج الطبيعي، وثانيهما أن
دائرة الفعالية ونوع الأمراض المعالجة بالأعشاب الطبية هي جد محدودة مما يجعل
المستثمرين في صناعة الأدوية الكيماوية لا يهتمون بهذا النوع من العلاج ، بدليل أن
هناك أمراضا تسمى ” الأمراض اليتيمة” “maladie
orpholine لا يهتم بها رغم وجود بعض الأعشاب التي
تعالجها كمرض البرص vitiligo لأن
علاجه صعب ، ونسبة انتشاره قليلة ، وأيضا هناك بعض المواد التي تستخرج من الأعشاب
بطريقة صناعية لها علاقة بالصناعة الكيماوية مثلا Artémisinine وهو دواء لعلاج السرطان يستخرج من عشبة تشبه الشيبة
artemisia officinalis لكن هذا يستلزم أطنانا من هذه
العشبة للوصول الى الجرعة المطلوبة للعلاج، وبالتالي الاستثمار فيه غير مشجع، لهذا
لا مجال للمواجهة بين الجانبين .
5 – لماذا لا يتم إدماج الطبين الطبيعي والحديث في
التكوين الأكاديمي والاستفادة من الإثنين معا في العلاج ؟
إدماج الطبين الطبيعي والحديث موجود في الدول المتقدمة
منذ زمن؛ كالصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية والدول الاوروبية ، حيث
يتخرج من كليات الطب والصيدلة ومدارس أخرى متخصصة بهذه البلدان أطر صحية بمستويات
مختلفة في مجالي الطب الحديث والطب الطبيعي.
في المغرب كانت هناك محاولات واهتمامات خاصة بهذا
الموضوع تتعلق أولا بمحاربة كل ما هو شعودة ، وثانيا بضبط ما هو مسموح به من
العلاجات الطبيعية بضوابط ومقاييس علمية معترف بها دوليا، ثم تقنين الممارسة
وإدماج التكوين في التعليم الأكاديمي .