ظاهرة ابداعية عربية استثنائية.. أحلام مستغانمي لؤلؤة الأدب العربي المتوهجة..

admin
2020-04-14T19:53:40+02:00
ثقافة وفن
admin14 أبريل 2020آخر تحديث : منذ 5 سنوات
ظاهرة ابداعية عربية استثنائية.. أحلام مستغانمي لؤلؤة الأدب العربي المتوهجة..

الدكتورة فريدة بن سليم

صادف يوم الأمس ميلاد الأديبة و الشاعرة الجزائرية أحلام مستغانمي ، التي ولدت في 13 أفريل  في مدينة تونس، حيث كان والدها يعيش في منفاه الإجباري و الذي باتت بعد ذلك منفى ابنته أحلام الاختياري بعد أن اختارت السفر لاستكمال دراستها  في المرة  الأولى و للزواج  و العيش في لبنان في المرة الثانية ،فأحلام حتى بعد أن عادت للجزائر لتكمل دراستها الثانوية و الجامعية ، اختارت أن تحمل تلك الحقائب الصغيرة لكن بأحلام كبيرة ،و تحط رحالها في فرنسا حيث استكملت دراسة الماجستير في جامعة السوربون، وهذا ما اتاح لها النضج أدبيا  ،وهي التي قالت ذات مرة :”عندما نخسر وطنا  نكتب الروايات” ،  لتكون روايتها الشهيرة ” ذاكرة الجسد “،- والتي كانت ضمن ثلاثيتها الشهيرة ” عابر سرير و فوضى الحواس:-، والتي فتحت لها أبواب المجد ،  ولتعكس  فيها  برودة ووحشة تلك الغربة التي عاشتها في فرنسا ،كما نقلت  تجليات معاناة و صراع الإنسان العربي في ظل تلك الحروب التي وان لم يخرج منها معطوبا خرج مها مثقلا  بتلك العقد و الاضطرابات النفسية ،و هذا ما حاولت تجسيده في روايتها من خلال شخصية ” خالد”.  فأحلام ،منذ بداياتها الأدبية عُرفت بنزعتها المتمردة  وهوسها الجنوني بتلك القضايا الوطنية و القومية ،وحملت على عاتقها رسالة نقل هموم الأمة العربية و لسان حالها يقول :”أكبر المعارك نخوضها ببسالة الضمير.. لا بسلاحك ولا بعضلاتك، وفي تلك المعركة كان سلاح أحلام هو قلمها.    وفي زحمة البحث عن المال و الشهرة و تهافت أشباه المفكرين استطاعت أحلام أن  ترسم بنفسها  وجهة مختلفة و اجتهدت لتعكس صورة الواقع المرير للإنسان العربي في رواياتها ، ذلك أن الفن إن لم  يمكن ثورة فهو التزام ، وفي نموذجها المشرق تواجدت أحلام بايجابية حتى في رصد تلك القضايا الوطنية التي تخص بلدها الأم الجزائر ، تلك الجزائر” المغبونة و الزينة على حسب قولها، لتشاركها انتصاراتها و انكساراتها، وفي لحظة يأس كانت كتاباتها كمنارة تنير في أخر ذلك النفق المظلم ، كتبت أحلام عن الحب و الحرب ، تلك الثنائية التي لا يخلو منها أي عمل أدبي. وقد استطاعت أحلام مستغانمي أن تغير منحى الكتابة العربية بتمردها على تلك القوالب الجامدة ، يكفيها أن تكون أول جزائرية تكتب باللغة العربية وهي التي طالما كنت مفتخرة بعروبتها. ووحدها إحدى روايات أحلام مستغانمي كانت قادرة أن تمنحك تلك الرحلة المجانية ، فلا حاجة لك لجواز سفر ولا تذكرة مرور لتجوب تلك العوالم و المدن التي ترسمها أحلام ، يكفيك أن تتنقل على بساط الحرف بين بحور الأسلوب و محيطات التعبير ، لن تحتاج لمطار لتعبر ولا جمركي يمنحك ختم المرور ، ولتسافر بلا حقائب فما حاجة الحقائب ، يكفيك أن تأخذ معك ذلك التذكار من تلك الرواية التي تقرؤها ذات مساء . و كانت  أحلام صوت المرأة العربية في وقت كانت صوت المرأة عورة ، وملهمة للأجيال الحاضرة  ، حتى أنها وجهت انتقادات لاذعة للسلبيات السياسية و الاجتماعية تارة بالتلميح وتارة بالتصريح . لتعبر في كتاباتها وحتى مواقفها عن حياة الحرية المنسلخة عن الكتابات الرتيبة و التقليدية ، ذلك انه كلما عشق الفنان الإبداع وازداد شبقه بالحياة و الحرية ازداد قربه من التفرد و الإبداع، و كأن الخلق الفني هنا تعويض عن حياة تفنى ،فصيرورة الحياة فقاعة ينبغي أن تحتوي الإبداع قبل أن تنفجر.  ذلك أن الكتابات الملتزمة   و التي تنتصر للمستقبل ،و للحرية و الحق و القيم الإنسانية بأسلوب فني راق هي الأقرب لوجدان القارئ، و الأكثر صمودا أمام الزمن، بينما تتوارى تلك الأفكار الانهزامية و الرجعية ، ليستمر تيار الكتابة الجريئة يصب في مجرى نهر المجتمع الثوري .  أحلام التي غردت بطريقتها الطريفة و المراوغة حتى لا تجيب عن ذلك السؤال الذي يثير ذعر أي أنثى كم عمرك ؟ ، وبطرافة كتبت:” أنجبتني أمي مرة ، و أنجبني الحب مرارا، عمري يعد بالتنهدات و القبل ، وحده رجل حياتي يعرف عمر شفتي و في أي زمن جيولوجي تكونت أنوثتي فلا تبحثوا عن عمري في تقويمكم الزمني” ، ذلك أن أحلام هي سيدة كل التقويمات الزمنية .  أحلام  التي باتت مكشوفة و مفضوحة أمام قرائها الذين باتوا لا يحاولون التفتيش عن عمرها الزمني بل بات فضولهم يعتريهم عن أحلام الإنسانة ، ولكنها استطاعت و ببساطة ان تفضحها كتاباتها و تنبؤوا بما تحب أحلام  وما تكره ،قناعاتها و مواقفها في السياسة ،الحب وحتى الدين و المجتمع ،من خبايا تحت الكلمات التي تنسجها أحلام بإتقان  ،ولربما  أحلام مؤمنة أن الكاتب يشارك القارئ في كتاباته ، يشاركه مزاجه و مشاعره ، اضطراباته و تقلباته وحتى مخاوفه.، لذلك كانت روايات أحلام من أكثرها قربا للقراء ، و كأن الكلمات قد كتبت له ، لتتولد تلك الصلة الأشبه بالحبل السري بين الكاتبة و القارئ.ولعل ذلك الوتر الحساس الذي استطاعت أن تعزف عليه أحلام و بإتقان.و لتكون سيدة القلم و بامتياز، لتستحوذ على قلوب وحواس محبيها وتتربع على عرش الكتابة النسوية بامتياز ،  فأحلام تلك الشغوفة بالكتابة و الحياة ، حاربت ببسالة و عنفوان جزائري كل عدو بنجاح ، و استطاعت أن تضيء كنجمة في سماء الأدب العربي

….أجمل ماقيل عن أحلام :

 ونزار - رسبريس - Respress
صورة نادرة تجمع الأديبة احلام مستغانمي و الشاعر العربي الكبير نزار قباني

 نزار قباني : قرأت رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي، وأنا جالس أمام بركة السباحة في فندق سامرلاند في بيروت.
بعد أن فرغتُ من قراءة الرواية، خرجتْ لي أحلام من تحت الماء الأزرق كسمكة دولفين جميلة، وشربت معي فنجان قهوة وجسدها يقطُر ماءً..
روايتها دوّختني. وأنا نادراً ما أدوخ أمام رواية من الروايات وسبب الدَوْخَة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق، فهو مجنون، ومتوتر، واقتحامي، ومتوحش، وإنساني ، وشهواني.. وخارج على القانون مثلي. ولو أن أحداً طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الإستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر.. لما ترددت لحظة واحدة..
هل كانت أحلام مستغانمي في روايتها (تَكتُبُني) دون أن تدري.. لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء، بجماليةٍ لا حدّ لها.. وشراسةٍ لا حدّ لها.. جنونٍ لا حدّ له…
الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور.. بحر الحب، وبحر الجنس، وبحر الإيديولوجية، وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها ومرتزقيها، وأبطالها وقاتليها، وملائكتها وشياطينها، وأنبيائها وسارقيها..
هذه الرواية لا تختصر ذاكرة الجسد فحسب، ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري، والحزن الجزائري، والجاهلية الجزائرية التي آن لها أن تنتهي..

وعندما قلت لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية أحلام، قال لي: لا ترفع صوتك عالياً.. لأن أحلام إذا سمعت كلامك الجميل عنها، فسوف تُجنّ…
أجبته: دعها تُجنّ.. لأن الأعمال الإبداعية الكبرى لا يكتبها إلا مجانين!!

     ولتعجز الكلمات عن وصف أحلام ، وتبقى لغة الضاد برغم ثرائها عاجزة عن وصفها لان أحلام وحدها القادرة على نسج  تلك الكلمات .

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.