لم يعد يفصلنا عن عيد الأضحى سوى أسابيع قليلة، بل أيام قليلة. أغلب المغاربة، يضعون أيديهم على قلوبهم، أما جيوبهم فهي فارغة أو تكاد. قد يتساءل البعض بجزع كيف سيواجهون هذه المناسبة الغالية على قلوبهم، وكذلك جد غالية على جيوبهم، بالمعنى الدارجي .
خلال مسلسل المفاوضات الفارغة التي أجرتها النقابات، لشهور عديدة، بخصوص الزيادة في الأجور، حيث اقتصر الجواب على أن الظرفية الراهنة، لا تسمح بهذه الزيادة. وهي أسباب يعلمها الجميع، تأثير موسم فلاحي خاب بسبب الجفاف، والحرب الأوكرانية، التي أتت على اقتصاد دول عظمى تعيش على كف عفريت، فبالأحرى اقتصاد المغرب وما ادراك ما اقتصاد المغرب المتواضع جدا على جميع المناحي. السيد بن كيران، والذي لا يزال يحلم بالعودة إلى كرسي رئاسة الحكومة، أكد ولا يزال يؤكد بأن الزيادة في الأجور غير معقولة، متوعدا أنه لو كان رئيس الحكومة، لما زاد ولو درهما واحدا للموظفين. شيء جميل جدا، والمغاربة ليس لهم سوى أن يشربوا جرعة ماء، على نخب رفض الحكومة والسيد بن كيران الزيادة في الأجور، لأسباب مناخية وحرب مدمرة لا يدري أحد متى ستضع أوزارها. إذن المغاربة وحسب حكومتهم مطالبون بالصبر، “وتزيار السمطة” ، حتى إشعار آخر.
السؤال الذي يفرض نفسه بحدة، هو أنه إذا كانت الأسباب المذكورة آنفا، هي التي تستوجب عدم الزيادة في أجور الموظفين، أما “لي ما عندو مانضة” ، ويشتغل بعرق أكتافه كما يقال، فهذا المسكين مصيبته أجل وأعظم . نعم كيف سيتمكن الموظف البسيط والأجير والمعطل والمعدم من شراء كبش العيد. كيف يمكن في ظل الجفاف، وغلاء العلف، الذي انعكس سلبا على ثمن الخرفان ، حيث أصبح المواطن يواجه أثمنة خيالية،للأضحية في سوق لا يرحم. مقارنة مع السنوات الماضية .
كيف تكيل الحكومة بمكيالين، فهي من جهة لا تبذل أي مجهود من أجل تحسين القدرة الشرائية للمغاربة، ومن جهة أخرى تتركهم يواجهون لهيب الأسعار في كل المواد وحدهم دون رحمة او شفقة… واليوم مع اقراب عيد الأضحى يخوضون بمفردهم معركة حامية الوطيس مع “الحولي”. .
إن جميع الشروط الموضوعية والذاتية، توحي بالغاء العيد هذه السنة. العيد وبمنطق المرجعية الدينية، ليس سوى سنة، وليس فرضا. الشرط الاجتماعي وكما نعلم يجعله أقوى من الفرض. والعجب تجد الانسان يتهاون في صلاته المفروضة بل ويتخلى عنها، لكنه لن يتخلى ابدا عن أضحية العيد، حتى ولو باع كل ما يملك. ، ليحيي ويحتفل بهذه المناسبة مع أفراد أسرته.
عدم إحياء هذه المناسبة، سبق أن عرفها المغاربة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني في ظروف اقل حدة ووطأة، مما نعيشه ونعانيه حاليا، اذن الا يمكن أن نغلب منطق العقل ويتم الغاء العيد رأفة ورحمة بنا.. ، وكذلك من اجل المصلحة العامة التي توجب ذلك.
العبرة في إحياء الأعياد هو الانتباه إلى المعوزين والمحتاجين، ومساعدتهم. فالفئات الهشة في البلاد تحتاج إلى إعانة مادية عينية مباشرة. لو أن كل واحد منا بدل أن يشتري أضحية ب3000درهم، يقدم منها ولو خمسمائة درهما لفقير معدم او لأرملة اومطلقة اويتيم، سيكون ذلك عند الله أعظم وأجل من شراء كبش سمين، والتهامه دون التفكير في الغاية والمغزى الذي من أجله سن الله هذه السنة.
افتداء سيدنا إسماعيل، هو دعوة لافتداء الفقراء وانتشالهم من فقرهم خصوصا المحتاجين الذين لا يسألون الناس إلحافا. في نظري، النقابات والأحزاب التي تزعم أنها تمثل الجماهير، كان عليها أن تتدخل بكل قوة، وكان عليها أن تقترح على الحكومة إلغاء العيد هذه السنة، لأنه أصبح حقا فوق طاقة المغاربة، وقدرتهم الشرائية، التي هي في الحضيض أصلا.الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث صحيح “أنتم أدرى بشؤون دنياكم “، إنه حديث عميق يستحضر تطور الأزمنة وخصوصية الظروف التي يجب أن نحسن التعامل معها.
✍️حسن البرصاوي