حسن العطار
يعتبر علم التاريخ من العلوم الاجتماعية الإنسانية المهمة التي تختص بدراسة ماضي البشر، ويهتم المتخصصون في علم التاريخ بدراسة الأحداث التاريخية الماضية وتوثيقها، وإعداد وثائق جديدة لأحداث تاريخية لم يتم التطرق اليها من قبل تستند إلى أبحاثهم مما يشكِل أهمية كبيرة لحاضر ومستقبل الأمم.ويعتمد المؤرخون في تدوين وثائقهم على مصادر مختلفة كالكتب والمدونات والأثار الحجرية والمخلفات الأثريّة، والأعمال الفنية والقصص الشعبية، وهذا ما جعل التاريخ يقتصر بشكل عام على جميع الحوادث الإنسانية منذ بداية الكتابة وتطورها قبل حوالي خمسة آلاف سنة. وفي الدول المتحضرة يعتبر التاريخ ميدانا مهما للدراسة فمن خلاله تتعزز المفاهيم القومية والمثل العليا ويزداد الشعور الوطني عند المواطنين.
وحيث ان دراسة التاريخ لها أهمية كبيرة في حياة الشعوب والأمم، فقد خصص عالم الاجتماع الشهير “ابن خلدون” معظم مؤلفاته لإبراز أهمية التاريخ وتوضيح معناه، وقد أكد “ابن خلدون” ان التاريخ هو فن تتناقله الأجيال والأمم، فدراسة التاريخ تصف العلوم الطبيعية والفلسفية وكذلك علوم الدين وتهتم بجذورها بشكل واضح كما لو أنهم من الواقع. وقد اندفعت الأمم المتحضرة الى دراسة التاريخ لأهميته في معرفة وإدراك الحقيقة واتخاذ مواقف من تجارب السابقين والقدرة على التخطيط والتنظيم وربطهما بالحاضر الذي نعيشه. ولولا أهمية التاريخ ما وجد البحث العلمي المنتظم الذي يولي الدراسات التاريخية اهتماما بالغا قائما على أسس علمية دقيقة ومتينة.
في تاريخنا المعاصر غير البعيد عن الذاكرة سقط عدد من أنظمة الحكم الملكية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، ففي مصر أنهت ثورة الضباط الأحرار النظام الملكي الذي كان يحكم مصر في ظل احتلال بريطاني، وتم نفي الملك “فاروق” إلى خارج البلاد. وفي العراق قضت ثورة تموز 1958م على النظام الملكي وتم إعدام الملك “فيصل الثاني” وعائلته ونظام حكمه في مجزرة دموية رهيبة، لم تستطع بريطانيا الدولة المستعمرة الحيلولة دونها. وفي الأول من سبتمبر عام 1969م، انهي انقلاب عسكري حكم الملك “إدريس الأول” في ليبيا وتم الغاء الملكية وانشاء الجمهورية.
وفي بداية العقد الثاني من القرن الحالي، أزيح عن السلطة “زين العابدين بن علي” الذي قال في خطابه للشعب التونسي بعد ان ازاح “الحبيب بو رقيبة” من الحكم، انه “لن يكون بعد اليوم في تونس رئيسا مدى الحياة”، وبالرغم من هذا التعهد قضى 23 سنة في الحكم، “وحسني مبارك” قضى 30 سنة، “ومعمر القذافي” قضى 42 سنة، “وعلي عبد الله صالح” قضى 34 سنة. القذافي وصالح لقيا نفس المصير، فالأول قتله الثوار الليبيون بطريقة وحشية، والثاني اغتاله الحوثيون – اعداءه التاريخيون – بعد ان تحالف معهم نكاية بحكام دول الخليج العربي الذين اجبروه على الاستقالة لحماية اليمن من الفوضى، وانتقاما من الشعب اليمني الذي ثار ضد حكمه التعسفي. هؤلاء جميعا ومن على شاكلتهم اعتقدوا انهم حصنوا مواقعهم في السلطة ضد اية محاولات لإزاحتهم، ولكنهم لم يحسبوا حسابا للتاريخ ومكره.
آخر ضحايا مكر التاريخ “عبد العزيز بوتفليقة” الذي حكم الجزائر لمدة 20 عاما (1999 – 2019)، وكان ينظر اليه على انه صانع السلام ومهندس المصالحة الوطنية لدوره في إنهاء الحرب الأهلية التي استغرقت 10 سنوات وخلفت حوالي 200 الف قتيل. اول عمل قام به “بو تفليقة” لإحكام سيطرته بعد ان استقرت الأوضاع في الجزائر هو تعديل الدستور في عام 2008م بإلغاء تحديد الفترة الرئاسية بدورتين ليتمكن من الترشح لولاية ثالثة في عام 2009م. كما عمل لاحقا على الحد من تدخل الجيش والأجهزة الأمنية في الشؤون السياسية بهدف تهيئة الأجواء لتوريث السلطة الى أخيه “سعيد” كما يذكر البعض.
هذا الرجل الذي قال يوما “انا الجزائر بأكملها”، أجبر على التنحي عن السلطة وهو في الثانية والثمانين من عمره، تاركا وراءه بلدا يعاني من ازمة سياسية واقتصادية رغم الثروة النفطية والغاز الطبيعي اللذين تتمتع بهما الجزائر. تكمن أهمية دراسة التاريخ في أخذ العبرة والاستفادة من تجارب الآخرين، وتجنب الوقوع في الأخطاء التي حدثت في الماضي، ومحاولة البحث عن حلول لهذه الأخطاء.
آخر الكلام: العاقل من اتعظ بغيره.