المصعد .. قصة قصيرة للمبدع ياسين لمقدم ..

admin
2019-12-15T19:41:15+01:00
مواهب وابداعات
admin15 ديسمبر 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات
المصعد .. قصة قصيرة للمبدع ياسين لمقدم ..

ياسين لمقدم

**************

        يدفع الحسين عربة حديدية مخصصة لحمل أسطوانة الغاز سيوصلها إلى زبون يقطن في الدور الرابع من العمارة المقابلة للمتجر حيث يشتغل منذ حوالي عقد من الزمن.

       جاء من أقاصي أرياف سوس مباشرة بعد أن أرغمه والده على مغادرة الدراسة وهو لمَّا يزل بعد في سنته الثالثة ابتدائي، ليتعلم التجارة في العاصمة عند ابن عمه. وكما صور له عقله الصغير، ستتفتح له أسواق المال بعد أن يصنع مفاتيحها بكده وعرقه وتحصيلاته النقدية… ولكنه اصطدم بمرارة العيش الدائم في الدكان المزدحم بالبضائع، والمعرض لأخطار الحرائق والحر والجرذان.

      يشاطره المبيت في سقيفة المحل صبي يافع لا يكف عن التذمر والتأفف والشكوى. فإذا جن الليل غط في كوابيس تجعله يكرر الصراخ والاستغاثة فيفزع الحسين من مرقده وينهر الصبي الذي لن يرجع للنوم مخافة أن تعاوده الأحلام المرعبة بعيدا عن حضن أمه الذي كان له حرزا من كل الشرور. فإذا انجلى الليل وفتح المتجر أبوابه، قضى الصبي يومه متعبا متكاسلا متأففا من أرقه الدائم

      ربما يلج الحسين بوابة هذه العمارة لأكثر من عشر مرات أسبوعيا، ورغم ذلك، يكرر التهجي بصعوبة لورقة غبية اصفرت في غلافها البلاستيكي الذي يقيها من السقوط كأوراق الخريف. يشعر بها تترصده كعجوز شمطاء تعوي من نافذتها على المارين فوق حرمة عتبتها.

     هذه الورقة المتعجرفة تتوسط الجدار الفاصل بين المصعد الكهربائي والسلالم الإسمنتية. وعليها كُتبت بخط أسود عبارات منع متعددة، كاستعمال المصعد لحمل المقتنيات أو لصعود الغرباء كالمستشهِرين وبائعات مواد التجميل والمتسولين. وعند اقتراب عيد الأضحى يهرع المسؤول عنها إلى تذييلها بورقة أخرى كتب عليها عبارة ساذجة ومضحكة “ممنوع صعود خراف العيد“…

      وأما إذا باشر صاحب شقة في إصلاحات بيته، تلونت جدران العمارة وسلاليمها بعبارات المنع لحمل مواد وأجهزة البناء عبر المصعد… ثم تتناسل معلقات أخرى عن ضرورة التنظيف اليومي للمرات من مخلفات البناء. وإلزامية التوقف عن الأشغال في فترة الظهيرة وأيام الآحاد… ولا شيء من هذا يحدث. فالعمال سيستعملون المصعد عنوة والأتربة ستتراكم في الممرات إلى أن تتخلص منها السيدة التي تعمل على تنظيف العمارة في صباح كل أربعاء مقابل ثلاث مائة درهم شهريا.

      هي أيضا يشملها المنع من استعمال المصعد ولكنها تستعمله في تنقلها بين الطوابق حاملة في يدها اسفنجة تنظيف ستتظاهر باستعمالها على مرايا المصعد في حالة ظهور مفاجئ للمسؤول عن تخطيط عبارات المنع

الكل يستعملون المصعد، إلا الحسين وحده يتقيد بعبارة المنع التي يتهجاها في كل حين

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.