تتّسم الاستعدادات للانتخابات المغربية المقررة العام المقبل بخلافات حادة بين الأحزاب السياسية ظهرت بوضوح خلال الأشهر الماضية حول القوانين المنظمة للانتخابات البرلمانية والبلدية والتي تمت إحالتها إلى البرلمان للمصادقة عليها.
وسيتم أثناء هذه الاستحقاقات تجديد كافة المؤسسات المنتخبة، الوطنية والمحلية والمهنية، من مجالس جماعية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية وغرف مهنية، علاوة على انتخابات ممثلي المأجورين، ثم مجلسي البرلمان.
وتقدمت الأحزاب السياسية بمقترحات بشأن الاستحقاقات المقبلة والقوانين المؤطرة لها، لإرساء العوامل الكفيلة بإنجاحها، كحلقة أساسية في ترسيخ المسار الديمقراطي عبر إفراز مؤسسات ذات مصداقية قادرة على ترجمة خارطة انتخابية تعكس إرادة الشعب.
وتشمل التصورات جوانب تتعلق بالقاسم الانتخابي والتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع واللوائح والعتبة الانتخابية والمالية ولائحة النساء والشباب، والرفع من عدد المقاعد المخصصة للائحة الوطنية، والدعم العمومي، ومشاركة مغاربة الخارج.
تحديات كثيرة
في سبيل الإعداد الجيد والمبكر للاستحقاقات الانتخابية المقبلة بمختلف أنواعها تم عقد لقاءات ومشاورات على مستوى وزارة الداخلية مع قادة الأحزاب السياسية، لتبادل الرؤى حول القضايا الأساسية المرتبطة بالتحضير لهذه الاستحقاقات.
وتهدف تلك المشاورات إلى تكريس توافق يمكّن من مواصلة وتعزيز الإصلاحات السياسية التي باشرتها الحكومة، وإضفاء ديناميكية جديدة على العمل السياسي والمؤسسات السياسية، بما يستجيب لتطلعات المواطنين.
ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي محمد بودن في تعليق نقلته وكالة الأنباء المغربية (ماب)، أن الانتخابات المقبلة تمثل في شموليتها تجسيدا للاختيار الديمقراطي كثابت في قواعد الدستور، كما أنها لحظة تستمد قوتها ومدلولها من ممارسة المواطن لحقه الشخصي عبر اختيار من يمثله في البرلمان الذي تنبثق عنه الحكومة.
ولكن منذ أن باشرت وزارة الداخلية تلك المشاورات في يونيو الماضي، برزت خلافات بين الأحزاب حيال مشاريع قوانين الانتخابات، ومنها مباشرة الحقوق السياسية وطريقة التصويت والدوائر الانتخابية وتقسيمها.
وتتصاعد النقاشات بشأن رهانات الانتخابات المقبلة، خاصة بعد أن تصدر حزب العدالة والتنمية الإسلامي نتائج انتخابات عامي 2011 و2016، حيث يقود الحكومة لولايتين متتاليتين، للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
وفي نهاية سبتمبر الماضي، عقد رئيس الحكومة سعدالدين العثماني، اجتماعا مع زعماء الأحزاب الثمانية الممثلة في البرلمان، لكنه لم يتمكن من تقريب وجهات النظر حول القضايا الخلافية، فعقدت وزارة الداخلية لاحقا لقاءات لحسم النقاش، لكن من دون جدوى أيضا.
وطفا على السطح مطلبان لأحزاب المعارضة والأحزاب الصغيرة، الأول هو إعادة النظر في القاسم الانتخابي الذي يتم على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية، وهو ما يرفضه حزب العدالة والتنمية ويرى اعتماد الطريقة الراهنة في حساب القاسم الانتخابي، أي استخراجه بقسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد.
في المقابل، تطالب باقي الأحزاب باستثناء الأصالة والمعاصرة أكبر أحزاب المعارضة بقسمة مجموع الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية على المقاعد في الدائرة الانتخابية.
أما المطلب الثاني فهو تعديل العتبة الانتخابية، وهي الحد الأدنى من الأصوات، الذي يؤهل حزبا ما للحصول على مقعد في أي دائرة انتخابية.
ويقترح العدالة والتنمية رفع العتبة إلى 6 في المئة وهو ما تعارضه الأحزاب الأقل حظا خشية أن يحول دون تمثيلها في البرلمان، فيما تدعو أحزاب أخرى إلى إلغاء العتبة الانتخابية تماما. وأُجريت انتخابات نوفمبر 2011 بتلك النسبة من العتبة، ثم تم تخفيضها إلى 3 في المئة في انتخابات أكتوبر 2016.
كما يوجد خلاف حول مطلب إلغاء اللائحة الوطنية للشباب، وهي تضم 30 من مقاعد مجلس النواب البالغة 395، حيث يتشبث حزبا العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، الضلع الآخر في الائتلاف الحكومي، بتلك اللائحة، بينما تطالب بقية الأحزاب بلائحة للكفاءات من 90 مقعدا تضم الشباب والنساء، ويتم اعتمادها جهويا.
وينتقد المحلل السياسي بلال التليدي ما آلت إليه الأمور وتحدث عن سعي بعض الأطراف لصناعة تعددية تفرضها القوانين ولا يفرضها الواقع، ما يفسر المطلب الغريب الذي يهدف إلى أن يكون القاسم الانتخابي مبنيا على عدد الناخبين المسجلين.
ويؤكد التليدي للأناضول أن هناك بعدين للقضية، الأول يتعلق بشق يريد استمرار النفس العام الذي أطر الاستحقاقات الانتخابية أي نفس استكمال البعد الديمقراطي، وهذا ما يفسر المطالبة بأن يكون القاسم الانتخابي على أساس عدد المصوتين.
وهناك مقاربة أخرى، وهي أن الحقل السياسي يشوبه نوع من الفراغ، وفي نفس الوقت حزب العدالة والتنمية مستمر كفاعل أساسي في ذلك الحقل، بعدما قاد الحكومة لولايتين متتابعتين.
ويعتقد التليدي أن حركية البحث عن إعادة تشكيل المنظومة القانونية لمعالجة الفراغ السياسي، توقفت بشكل كامل، أو على الأقل أُجلت بسبب التحديات التي تعيشها البلاد حاليا.
ويرجح المحلل المغربي أن تعيش البلاد هذه الإشكالية إلى آخر لحظة، فلا يمكن التوقع بإمكانية حسم هذا الجدل بين المقاربتين في لحظة واحدة، وبالتالي سيستمر التوتر إلى أن تقدّر الدولة مصلحتها في نهاية المطاف.
سباق مع الوقت
تتمثل الرهانات الحقيقية التي ينبغي أن تحكم أجندة القوى السياسية أساسا في تجديد النخب وتكييف البرامج مع الأولويات والتحولات وتعزيز المعاني الإيجابية للعمل السياسي وتحفيز الشباب على المشاركة بصيغ منصفة وتجنب المعارك التي لا نتائج لها وإنتاج مواقف يمكن تذكرها وتصحيح العلاقة بين المواطن والعمل الحزبي.
واعتبر بودن أن العروض السياسية للفرقاء السياسيين في هذه المرحلة يجب أن تكون منسجمة مع الواقع ومبنية على معادلة أساسها المواطن وما يحول بينه وبين تحقيق طموحاته على مستوى التعليم والصحة والشغل والسكن والحماية الاجتماعية، وبناء بدائل لا تنطلق من العموميات بل من القدرة على التوقع وبناء الأسس المنطقية بين الأقوال والأفعال.
ويتمظهر الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة من خلال تعديل النمط الانتخابي أو إبقائه، والذي له رهانات مهمة جدا من خلال إعادة النظر في اللوائح الانتخابية، وتقطيع الدوائر الانتخابية، وتحديد نسبة العتبة الانتخابية.
ومن المنتظر أن يتم الانكباب على تدقيق وتتميم أو تعديل بعض الجوانب القانونية الإدارية والقضائية والسياسية والتقنية المؤطرة والمواكبة للعملية الانتخابية، بما يجعل هذه التعديلات تهم أساسا بعض مواد القانون التنظيمي لمجلس النواب والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية وقوانين المنظومة الانتخابية.
ويبدو أن إنجاح المحطات الانتخابية المقبلة مجتمعة يشكل تحديا لكافة الأطراف في العملية الانتخابية، باعتبارها المنفذ الأساسي لإفراز المؤسسات القادرة على تحقيق الأهداف الاستراتيجية، كما شدد على ذلك وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت في وقت سابق هذا العام.
ويرى عبدالحفيظ اليونسي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الأول بسطات شمال البلاد، أن التعديل الدستوري لسنة 2011 حدثت فيه تغيرات مهمة شملت اختصاصات المؤسسات الدستورية الفاعلة، سواء تعلق الأمر بالقضاء أو بالسلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية.
ومن هذا المنطلق لا يرى اليونسي بدا من المضي قدما في ما أفرزه الدستور حيث كان لا بد من إخراج مجموعة من القوانين التنظيمية التي استغرق إعدادها وقتا كبيرا بسبب وجود موازين قوى داخل المجتمع وكل سلطة تسعى للحفاظ على مصالحها.
ومع ذلك، فإن الجانب التشريعي لا يزال أمامه عمل مهم يتعلق بإنتاج نصوص قانونية تتعلق بتنفيذ تلك الترسانة القانونية التي صادق عليها البرلمان.