متابعة حمزة اكريران
نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء بتنسيق مع وحدة البحث والتكوين بيبليوغرافيا الأدب المغربي الحديث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة، الملتقى الثاني للرواية المغربية بالجهة الشرقية في محور” الرواية وصور الذات”،. وذلك يومه الخميس 2 ماي بقاعة الندوات كلية الآداب بنمسيك ابتداء من الساعة التاسعة صباحا. ويأتي هذا اللقاء بعد الدورة الأولى التي انعقدت السنة الماضية بكلية الآداب بوجدة، لمقاربة عشرة نصوص روائية تنتمي إلى الجهة الشرقية بالمغرب، وإلى حساسيات فنية متنوعة تعكس ثراء المتخيل وأصواته المشرئبة إلى من خلال رؤاها للذات بوصفها مجالا للكتابة.
ترأس الجلسة الافتتاحية شعيب حليفي مدير مختبر
السرديات والخطابات الثقافية- بنمسيك، مرحبا بالحضور وشاكرا لكل المساهمين في
إنجاح هذا الملتقى، ومنوها بتنوع المشاركين فيه، داعيا إلى نشر أعمال هذا الملتقى،
وكذا الاستمرار في مثل هذه الملتقيات التي من شأنها تعزيز ثقافة الجهة. ونوه من
جهته محمد قاسمي، باسم وحدة البحث والتكوين ببليوغرافيا الأدب المغربي- وجدة،
بالشراكة التي تجمع الوحدة بمختبر السرديات وعبر عن اعتزازه وافتخاره بها، والتي
أثمرت هذا الملتقى الذي يعرفه في اللحظة دورته الثانية.
بدأت الجلسة الأولى، التي ترأس أشغالها
بوشعيب الساوري، والتي قدمت خلالها خمس مداخلات، بمداخلة الباحثة سلمى براهمة
بعنوان رواية “القمرالأخير” لعبد الباسط زخنيني بين تعدد المرجعيات
وأحادية الرسالة مبرزة أن رواية “القمر الأخير” تنزع إلى الصراع الأزلي؛
الصراع الذي تعرفه أغلب الفنون، خاصة الفنون الحكائية. أي صراع الخير والشر المتعالي
على الزمان والمكان. ولكي يكتسب هذا الصراع دراميته وعمقه ستجسده الرواية على
مستوى الفرد ذاته، وسيضمر التخييل السؤال الفلسفي ما الإنسان؟ مع مختلف الأسئلة المتحاقلة معه والمتجاورة معه
حول سر الجانب الشرير من الإنسان ليقترح أنه لا مندوحة من تجاوزه بالتسامح. ولتقنع
الرواية قارئها بهذه الرسالة، وبأهمية قيمة التسامح، ستعتمد استراتيجية التناص،
وتنفتح على الثقافة الإنسانية، قديمها وحديثها، في تعددها وتنوعها، وتنهل من مختلف
أشكالها: الأساطير والفلسفة وعلم النفس والتصوف والأدب والنقد والحكاية، المسرح،
والسينما….علاوة على التنويع في صيغ
العرض وطرائق الحكي
أما المداخلة الثانية فقدمها جمال بندحمان تحت عنوان ” فضاءات
العوالم الممكنة في رواية الشيطان والورد” وتمحورت حول افتراضين نحملهما في
تصور العالم يتأسس الأول على العالم المشكل من تمثلاتنا، ويستند الثاني إلى عكس ما
نعتبره عالما حقيقيا، فالعالم وفق هذا المعطى هو مشيد ذهنيا. وفي هذا الصدد، أبرز
الأستاذ بندحمان مختلف الآراء النظرية المؤسسة لنظرية العوالم الممكنة مع كل من
“كليبر” و”إيكو”.
عطفا على ماسبق، بين الأستاذ
بندحمان للرواية أربع مُدخلات تفتحها أمام
قرائها وهي: مُدخل المتن الحكائي {موضوعات: الهجرة، الاغتصاب، التهريب،
الانحراف..}؛ مُدخل الفواعل المؤطَرة بمشيرات نصية وصفية{ القط، الصالحي، عباس
المافيا…} مُدخل المبنى الحكائي{ صيغ السرد، تكرار المقاطع…} ومُدخل الفضاءات
في صلتها بالعوالم الممكنة وهي ما ركزت عليه المداخلة. وللتمثيل، فقد تم رصد
فضاءين في الرواية يمثلان نمطين مختلفين من العوالم الممكنة؛ مثل الأول الفضاء
الهولندي أوتريخت وجسد الثاني الفضاء المغربي الدريوش الذي يمكن وسمه بفضاء التناقضات{ التهريب،
الكرامة، الجريمة بدافع الحب، التواطؤ، الغرابة..}. وعليه اختتمت المداخلة مجموعة
من الخلاصات لعل أهمها: تركيز الرواية على تخليق الجمال من الأشياء القبيحة؛
توظيفها العوالم الممكنة انطلاقا من فضاءات محددة؛ استفزازها للقارئ الباحث عن
الراحة النفسية أو الوجدانية؛ بؤس الفضاء مواز لبؤس الفواعل فيه؛ تميز الرواية عن
مثيلاتها في تصوير الفضاء.
وقدم المداخلة الثالثة، الباحث
محمد أحمد أنقار حول” النزوع نحو التراث في رواية “برج جناذة” لعبد
الواحد عرجوني”، فإنها آثرت الانطلاق من فرضية مؤداها أنّ كلّ عمل روائي
يتّسم بقدر من الجدة والإبداع الرَّصين، هو الذي يحمل في ثناياه كنه الوجود
الإنساني. فمن الناحية الفنية، تتميز رواية “برج جناذة” لعبد الواحد
عرجوني بنسق تكويني مغاير تماما عما ألفناه في الروايات الكلاسية؛ نسق تركيبي
ينبني على تصدع في وحدة السرد، وعلى خرق إيقاع الزمن الرتيب بالانتقال بين
الأزمنة، وعلى تعدد في الأصوات، وعلى تناسل الحكي الشبيه بالحكايات التراثية، وعلى
المزج بما هو تخييلي وبما هو واقعي تاريخي، والانتقال في عملية الحكي، وتداخل ما
هو مألوف بما هو غير مألوف. والمقصود بالتصدع، حسب الباحث، ليس بمعناه الضيق الذي
يحيل إلى الضعف أو إلى الوهن، أو ركوب موجة التجريب دون بصيرة أو روية، بل المراد
به تقنية نوعية تعمد المبدع استثمارها في روايته، فأضحى ربما تصورا جماليا يراهن
عليه عبد الواحد عرجوني في أعماله الإبداعية.
وركزت المداخلة الرابعة التي قدمها سالم الفائدة تحت بعنوان “صورة السجن
في رواية على ذمة التحقيق” لصاحبتها آمنة براوي على
مقاربة النص من الزاوية الأسلوبية عبر
اعتماد مفهوم الصورة الروائية، مبرزا أن
الرواية يمكن اعتبارها رواية مكان في المقام الأول بحكم ارتباطها بجغرافيا محددة
مثلما هو واضح من مضامينها وأحداثها المتصلة بجغرافيا السجن، فالكاتبة التي عبرت
في هذا النص عن خبرتها ومعرفتها بفضاء السجن، وما يعيشه السجناء، حاولت تلقيح وعي
القارئ عبر نقل هذه الخبرة من خلال نص روائي، يتناول موضوعا ناذرا ما يعرّج عليه
الأدباء، أي ما يجري في المكان من قمع بفعل السجن. وقد حاولت الرواية رسم صورتين
للسجن ، السجن باعتباره حيّزا قذرا مملوءًا باللصوص والمجرمين والقاذورات
والمخدرات والقمع.ثم السجن باعتباره فضاء لممارسة الحرية الإبداعية ، أو السجن
مكانا لنسج علاقات إنسانية عميقة، وختم الباحث قراءته بالإشارة إلى أن تشييد النص
الروائي مرتبط في العمق بمنظور الكاتب وهو
ما يضعنا أمام مفارقات صارخة تفضح الواقع والفساد.
وفي ورقته، المعنونة “رواية أوراق الرماد”: أسئلة فكرية وأجوبة اجتماعي”. وحاول حميد لغشاوي وضع الرواية في سياقها الثقافي والاجتماعي والفكري الذي تحيل عليه، بما يمكن من تقويم النص الروائي بمدى قدرته على الشهادة المباشرة على واقع يحفل بالتوتر والاحتجاج، مع ميل رئيسي لمساءلة الذات ومراجعتها بين الحين والآخر. وقد انطلقت هذه المداخلة من سؤال مركزي قوامه: كيف استطاعت الرواية تمثل الحتمية اللاشعورية للفرد، والإنصات إلى نبض التحولات التي تتصل بالمتخيل الاجتماعي والسياسي والنفسي، لمرحلة تعد حساسة (نهاية السبعينات وبداية الثمانينيات) في المغرب، والتكهن بمحتملاتها؟
أما الجلسة الثانية، التي نسق أشغالها مصطفى السلوي، وشملت بدورها خمس مداخلات افتتحها عبد الرحمان غانمي بورقة نقدية موسومة ب”محكيات الهجرة المعكوسة” التي استهلها باحتمالية الرواية لعناوين متعددة، علاوة على تظافر الخيبات التي تطفح بها الرواية وسط سردية تتراوح بين الفردي والجماعي تستثمر الحكي استعادي. بعد ذلك مثلت المداخلة لمجموعة من الخيبات التي كابدها كل من شخصية السارد والأم والأب إلى جانب الشخصيات الحيوانية {الحيوانات والحشرات؛ باعتبارها علامات سيميائية وفق ما جاء به طرح فيليب هامون؛ بما هي علامات ورموز تمثل فداحة الواقع بالهروب المتكرر من الموت إلى الموت. من هنا، تساءل الأستاذ غانمي بلاغة المفارقة السخروية في الرواية بين هجرة طارق بن زياد الناجحة وفق سياقها فيما سعت إليه، وهجرة السارد الفاشل في تجاوز الموت. والجدير بالذكر أن الهجرة في النص تتساوق مع الهجرة في مختلف المناطق المغربية لا الجهة الشرقية فحسب؛ وهو مايدل على تمزق الشخصية وارتمائها في أحضان الموت بمواجهة أهوال الموت الحقيقي{الغرق} والرمزي {مختلف الآسي والتمزقات}. وقد اختتمت المداخلة بالتركيز على المفارقة بين شهرزاد المرجعية الناجحة في تأجيل الموت، وشهرزاد الفاشلة في الرواية، وعلى بيع الإنسان لكرامته مقابل الماديات، وكذا التعدد التجنيسي في النص وفق البناء القصصي المضمن وحضور جنس الشعر
تلت مداخلة عبد الرحمان غانمي المداخلة الثانية التي قدمتها الباحثة بشرى قانت والتي وسمتها ب” الميتا رواية والصنعة الروائية في رواية الحكاية الأخيرة” مناقشة كيف عبر الكاتب الروائي “عبد الحفيظ مديوني” في روايته عن رؤيا خاصة منوطة بالكتابة، وذلك من خلال تصوره للصنعة الروائية، إذ يشتغل تقنيا على”الحكاية” وعلى دورها البنائي في جسد الرواية ومتنها السردي، هذا الدمجُ يبرره طابع الجنس الروائي الذي يتسم بهجنته وقدرته على استيعاب عدد من الأنواع الأدبية والخطابات والنصوص. وهو رهان يتم خوضه بمنطق السارد/الكاتب وبناء على “غواية الحكي” التي يمارسها ” راوية”، ليتقاسما معا التفكير في الكتابة الروائية أو ما يسمى ” الميتا رواية”. إن الخطاب الميتاسردي الذي يوجه رواية ” الحكاية الأخيرة” يتقاطع فيه المرجعي والتخييلي باستحضار العمل الروائي وصَوْغِه مما يؤكد تنامي الوعي النظري لدى الكاتب وحرصَه على الإحاطة الشاملة بمتطلبات الكتابة الروائية التي يتم تأسيسها بانتخاب العناصر السردية المؤثثة لعمله الروائي والمتجاوبة مع قارئه في آن.
أما
المداخلة الثالثة فقدمها الباحث ناصر ليديم بعنوان “التخييل السياسي في رواية
“ريح الكناسين” راميا إلى إبراز ملامح التخييل السياسي من خلال رواية
ريح الكناسيين، في إطار تفاعل النص الروائي مع الحدث السياسي المتمثل في الربيع
العربي، والتاريخي عبر فترة الحاكم بأمر الله، سادس الخلفاء الفاطميين، وكيف
استعان الكاتب في بناء نصه الروائي بمنظور سردي ذاتي داخلي يلتقط تفاصيل التجربة
الذاتية ومغامرات القوى الفاعلة. إذ سعى الروائي إلى القبض على ثنايا الشخصيات
بأبعادها السوسيوثقافية، النفسية والإيدولوجية بمختلف تلاوينها الممكنة والمحتملة،
حيث تحول النفس السردي إلى ميكانيزم نسقي يستضمر مسار ديكتاتور انطلاقا من طفولته
وصولا إلى سقوط نظامه ونهاية حكمه. لقد حاول الروائي عبر نصه السردي الانطلاق من
الثورات التي شهدتها كل من تونس ومصر
وليبيا، نحو عوالم خفية مسكوت عنها بين هواجس الأنظمة السياسية والتي عادة ما يقفز
عنها المؤرخ، باعتبار الحدث التاريخي المفترض. ليحول بذلك نصه السردي إلى وثيقة
تؤرخ المتخيل السياسي المضمر في النسق السياسي المشكل لهوية الربيع العربي.
وفي السياق نفسه، عرضت الباحثة فاطمة الزهراء الهراز في المداخلة الرابعة ورقة نقدية اختارت لها عنوان “الألم
وانشطار الذات في رواية “الخروج من الصمت” لتقدم مقاربة تحليلية سوسيونقدية تسائل المجال الطبي والمجتمع والثقافة
والسلطة والمعتقد الشعبي والثقافي. وهي مقاربة تمتح أصولها المنهجية من النقد
الاجتماعي والنقد الثقافي والواقعية، لرواية تعري الواقع، وتفضح الفساد، وتكشف
آلام ومعاناة مرضى السرطان، وتستلهم منهم مادتها الحكائية بكل جرأة أدبية
وتخييلية؛ إذ تعري القبح والألم، والفساد في المجال الطبي العمومي والخاص، والجسد
الإنساني العليل المتأرجح بين ويلات المرض والاستهتار، وتنفذ هذه المقاربة
التحليلية من النقد الاجتماعي إلى نقد النظم المؤسساتية التي تهيكل قطاع الصحة.
كما تكشف فساد تجار المخدرات، في لعبة تواطؤ دنيئة تخنق كل حياة وروح شابة لتلقي
بها في متاهات الأمراض الفتاكة، والبؤس الاجتماعي؛ فالرواية هي صرخة لغبن الإنسان
العليل بالأمراض الفتاكة، مما يؤدي بالطبقة المسحوقة إلى البحث عن العلاج بطرق
شعبية تحفل بثقافة التخلف والجهل، وصراع العلم والجهل وفق لوحات حكائية في إطار
رحلة مرض ممتدة من الصدمة إلى الانعتاق.
وكانت آخر مداخلة في هذه
الجلسة للباحث محمد محي الدين عنونها ب”اغتراب الأنثى في رواية إناث الدار”
لينصب اهتمامه على موضوع اغتراب
الأنثى سواء أكانت أما أو طفلة، من خلال تسليط الضوء على موضوع ندر الاشتغال به في
الرواية المغربية، ألا وهو حرب الرمال المغربية الجزائية التي سيق لها الجنود
تاركين خلفهم أسرهم، وقد ركزت الرواية على
أربع أسر تعيش في بيت واحد، مبئرة على أسرة سي حماد وابنه حميش الذي نسج علاقات
متنوعة مع زوجات الجنود وبناتهن. كما كشفت المداخلة عن صور الاغتراب المتنوعة (المدينة/
الحب/ الدراسة/ السياسة/…) مركزة على اغتراب الأنثى: بنتا وأما وزوجة، على
امتداد فترة تاريخية تنطلق من ستينيات القرن الماضي؛ إلى حدود العشرية الأولى من
القرن الواحد والعشرين.
وفي آخر اللقاء، افتتح مصطفى السلوي، بعد شكره لمختبر السرديات
وتنويهه بما قدمه جميع المساهمين في هذا
المحفل الثقافي، باب المناقشة التي زكت اللقاء بتدخلات رصينة أعادت الاعتبار إلى
ما تزخر به الجهة الشرقية من نصوص رواية
وثقافية مهمة جديرة بالمتابعة النقدية.