أثارت مواقف وتصريحات رجال دين في المغرب جدلا قويا واستقطابا حول مهنة “الشيخة” التي تناولها المسلسل المغربي “المكتوب”، منتقدين الإشادة بالشيخة واعتبارها قدوة مجتمعية في وسيلة إعلام عمومية، في المقابل انتقد الكثيرون هذا الموقف معتبرين إياه تشددا لا يليق بهذه المهنة وأصحابها.
ويطلق اسم “الشيخة” في المغرب على الفنانة الشعبية التي تمتهن الغناء والرقص في الحفلات والأعراس والمناسبات.
وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لرجل الدين ياسين العمري منتقدا دور “الشيخة” ومعتبرا أنها ليست نموذجا للافتخار، وأن معظم الأسر المغربية يعتبرونها “وصمة عار”، مضيفا أن المسلسل يحاول تضخيم دور “الشيخة” واعتبارها مهنة شريفة ومصدر فخر لممتهنيها، وصرّح بأنه “لا ينبغي التطبيع مع هذا المنكر”.
ووصف العمري مسلسل “المكتوب” الذي يعرض على القناة الثانية خلال شهر رمضان وحقق نتائج غير مسبوقة من حيث عدد المشاهدات بـ”الساقط”، معتبرا أن فئات عريضة من المتابعين انساقت بشكل عاطفي وراء هذه النوعية من الأعمال رغم الدعوات المستنكرة التي قالت إن هذا الموضوع الذي يتحدث عنه هذا العمل الدرامي الرمضاني “لا يمثل واقعنا المغربي”.
يذكر أن مسلسل “المكتوب” من إخراج علاء أكعبون وسيناريو فاتن يوسفي، ويعرض على القناة الثانية المغربية.
ويروي المسلسل قصة حياة “شيخة” ونظرة المجتمع إليها في قالب درامي – كوميدي، مستعرضا تفاصيل العلاقات الاجتماعية المتداخلة بين بطلة الفيلم الشيخة وابنتها وعائلة ميسورة.
والمسلسل من بطولة الممثلة دنيا بوطازوت في دور “الشيخة” وأمين الناجي في دور رب الأسرة الميسورة الذي يتزوج ابنة الشيخة التي تؤدي دورها الممثلة الصاعدة هند بنجبارة، إضافة إلى مريم الزعيمي وسكينة درابيل.
ويتصدر المسلسل الترند المغربي للأعلى مشاهدة على منصة يوتيوب منذ عرض أولى حلقاته في اليوم الأول من رمضان. وأعلنت القناة الثانية في بيان أن المسلسل استطاع الوصول إلى أعلى نسبة مشاهدة في تاريخ المسلسلات التي أنتجتها القناة إلى حدود اليوم، بمعدل يقدر بـ30 في المئة.
مسلسل “المكتوب” يتصدر الترند المغربي للأعلى مشاهدة على منصة يوتيوب منذ عرض أولى حلقاته في شهر رمضان
واستطاع “المكتوب” أن يجذب ما يقارب 7.5 مليون مشاهد خلال اليوم الأول من بثه، ونجح في الحفاظ على العدد إلى أن بلغ 9 ملايين و635 ألف مشاهد خلال اليوم الثامن من شهر رمضان.
من جهته يرى رجل الدين رشيد نافع أن هذا المسلسل يتغنى بالغناء الساقط والكلام الفاحش، ويظهر الشيخة على أنها قدوة المغاربة، مضيفا أن هذا المنتوج لم يتعظ من السنوات العجاف التي عشناها خلال أزمة فايروس كورونا، حينما علمنا يقينا أن هؤلاء الفنانين لم ينفعوا الأمة في شيء، بل يرجع الفضل في مقاومة المرض إلى الأطباء والعلماء والأساتذة.
من جانب آخر زادت نسبة مشاهدات حلقات المسلسل على يوتيوب بعد هجوم رجال الدين على هذا العمل. وتفاعل المتابعون مع تصريحات هؤلاء الدعاة، سواء منهم المعترضون أو الموافقون، وانتشر هاشتاغ “الشيخ ياسين العمري يمثلني” بين فئة المدافعين عن العمري.
ونوه البعض بما قاله الدعاة، وعلق أحد المتفاعلين قائلا إن “الشيخة هي مهنة في أدنى سلم المهن، فضلا عن أنها ممجوجة اجتماعيا، لذلك يسهل التهجم عليها، جرب أن تهاجم مهنا أعلى رتبة، جرب مثلا أن تهاجم الأطباء وما يقومون به من استغلال لمآسي الناس، جرب مهاجمة المحامين أو القضاة”.
ويعتقد محمد عبدالوهاب رفيقي، رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والأبحاث، أن الشيخة “هي جزء من ثقافتنا وفئة من فئات المجتمع، وبالتالي من حق الدراما أن تعطيها حقها وهو أمر يحسب لها، الشيخة هي ككل الفئات الاجتماعية، ليست ملاكا ولا شيطانا، وليس بالضرورة أن تكون شيئا قبيحا، أو أن تكون مقاومة ومناضلة، هي ككل الشعب”.
وأردف في منشور على صفحته بفيسبوك “ولكن ماذا تنتظر من شخص يحرم حتى سماع موسيقى كلاسيكية، وما تريده أن يقول في مهنة وشخصية الشيخة؟ فهي ككل الشعب بمختلف سلوكياتها، وهذه الشيخة هي التي كافحت من أجل تعليم ابنتها وتربيتها كما كانت وفية لزميلاتها ولم تنسهم وفي نفس الوقت الأم التي تشجع بنتها على الزواج برجل لمجرد أنه غني”.
وانتقد الباحث في الدراسات الإسلامية ياسين العمري قائلا “إذا أردت الانتقاد فقم بانتقاد الممثلة دنيا بوطازوت والناجي لأنها لم يخرجا من صورة نمطية، وقل إن التشخيص لم يقنعك، وليس فقط تحتقر الشيخة لأنها ‘امرأة’ مع أن المسلسلات تحدثت عن الشمكارا وعن القتلة وعن المجرمين ولم تصرح بأن ذلك الفيلم، أو المسلسل، يعمل على التطبيع مع السكارى والقتلة”.
واستغل الروائي المغربي محمد بنميلود فرصة الجدل من أجل استحضار الفنانة المغربية الحاجة الحمداوية التي كانت أحد أبرز “الشيخات”. وكتب غلى صفحته على فيسبوك “أفلا يكفي أن تكون هذه الشيخة العارفة بالله قد صدحت ذات يوم بأغنية: أنا عزبة من الركابي والقاع داه العتابي.. حتى تكون قد هزمت كل خفافيش الظلام والغش والنفاق والشقاق”.
ويرى العديد من المغاربة أن “الشيخة” لعبت أدواراً مهمة في تاريخ البلاد، تعدت نطاق الفن والفرجة. وهذا ما أشار إليه الفنان المغربي حجيب في إحدى مقابلاته الصحافية بقوله إن “الشيخة كانت تجول بين القبائل في فترة الاستعمار وتنقل من خلال ‘العيوط’ (الأشعار الشعبية) إنجازات القبائل لبعضهم البعض من أجل تحفيزهم وشحن هممهم ضد المستعمر”. وهذا ما يفسر الاعتقالات والتعذيب الذي لقيه عدد من “الشيخات”، على رأسهم الحاجة الحمداوية، إبان فترة الاستعمار الفرنسي.
وفي مقابل ذلك اعتبرت السيناريست فاتن اليوسفي أن هذا العمل لم يكن الهدف منه التطبيل لـ”الشيخة” أو تمجيدها بقدر ما حاول تسليط الأضواء على الوضع الصعب والمعاناة النفسية القاسية التي تكبدتها شخصية “هند”، التي تجسدها الفنانة هند بن جبارة، في مراحل حساسة من حياتها، في إشارة إلى ما تتعرض له من همز ولمز وتنمر في الشارع والحومة والمدرسة والجامعة، لا لسبب غير أن قدرها أن تولد في حضن “شيخة”، ومع ذلك أصرت على أن تجتهد وتنجح في مسارها الدراسي، حتى يتسنى لها أن تتخلص من هذه “التهمة” أو “العار” الذي يلازمها كالظل في كل مكان.
كما شددت فاتن اليوسفي على أن كل إنسان يكون في الكثير من الأحيان مجبرا على التعايش مع أشياء كثيرة في حياته لا يختارها برضاه، كأن يكون والده أو والدته شيخة أو طبالا أو سكايري أو شفارا…، وهذا ما حاول العمل تبيينه حتى لا يحاسب أحد بذنب غيره؛ فـ”هند” حسب مجريات المسلسل تمردت على هذا الواقع ورفضته بقوة، في محاولة منها للتخلص منه، بدليل كدها ومثابرتها في الدراسة من أجل الحصول على عمل شريف يغني والدتها عن الخروج ليلا للغناء في الأعراس والعلب الليلية.
وقال أحد المتفاعلين مع هذا النقاش إن “الأخطر في هذا المسلسل هو ترويجه للعلاقات المحرمة وغير الشرعية والخيانة والسجائر الإلكترونية، إنه يروّج لـ’قلة الحياء’ في الحديث بين الابنة ووالدها، وللكثير من السموم الدخيلة على مجتمعنا المغربي”.
وصرحت الممثلة لبنى الشكلاط التي تجسد دور “شيخة”، إلى جانب دنيا بوطازوت، بأن العمل يهدف إلى تسليط الضوء على مهنة الشيخة وتغيير الفكرة النمطية حولها، ورصد الجانب الإنساني من خلال يومياتها، إضافة إلى نظرة المجتمع لها ونظرة المقربين منها، والظروف التي تعيشها.
المصدر: العرب اللندنية