على مدار
عقود، ما تزال الجدالات في إفريقيا قائمة حول العلاقات الاقتصادية بين فرنسا
ومستعمراتها السابقة في القارة.
ولا يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على استعداد لإنهاء العلاقة غير المتكافئة
وغير العادلة في هذا الشأن؛ فما تزال بلاده مستمرة في سيطرتها على تجارة وعملة
المستعمرات السابقة.
كانت التجارة هي أحد أسباب الاستعمار الفرنسي؛ ففي المغرب العربي كانت موانئ تونس
والجزائر التي أنشأت خلال العهد العثماني، محطة أساسية للعبور ونقل البضائع.
وأضاف إليها الاستعمار الفرنسي بعض الموانئ، أهمها في الدار البيضاء بالمغرب؛
وشجعت الغرف التجارية في فرنسا بناءها من أجل زيادة حجم التجارة.
تضمنت السيطرة على التجارة الدولية أيضا، فرض السلطة على الممرات البحرية بين
إفريقيا وآسيا، وهو السبب وراء استعمار بريطانيا لجيبوتي، من أجل السيطرة على قناة
السويس عام 1869.
بداية القرن العشرين أنشئت خطوط سكك الحديد من داكار عاصمة السنغال إلى السودان،
ثم إلى غينيا وساحل العاج وداهومي، التي أصبحت الآن بنين وتوغو.
ووثق المؤلف “أندريه جيد” في كتابه “رحلة الكونغو” الانتهاكات التي أحدثها
الفرنسيون في الكونغو أثناء بناء أحد خطوط سكة الحديد عام 1927.
عودة إلى
الاستعمار
بعد الكساد الكبير الذي استمر بين عامي 1929 و1939، قررت فرنسا أن تتراجع عن
استعمارها، وفضلت الاهتمام بالتجارة.
وفي عام 1950 كانت الامبراطورية الاستعمارية تمثل 60 في المئة من حجم التجارة
الخارجية الفرنسية؛ وبلغت حصة إفريقيا من صادرات فرنسا 8.7 في المئة عام 1970،
وتراجعت إلى 5 في المئة خلال 2015؛ ما أجبر فرنسا على إعادة التفكير في علاقاتها
مع القارة للإبقاء على هيمنتها.
وخلال خطاب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في السنغال عام 2017، قال إن
“مشكلة الرجل الإفريقي هي عدم دخوله للتاريخ بالشكل الكافي”، ووصف الأفارقة بأنهم
“أسرى لثقافتهم، ويتسمون باللاعقلانية، وعدم القدرة على التفكير في المستقبل”.
وتسببت تصريحاته في موجة احتجاج في أنحاء القارة، وغضب المفكرين.
وطالب الخبير الاقتصادي السنغالي، فلوين سار، بإقصاء فرنسا من اتفاقيات التعاون
النقدي، وهو ما يعكس انعدام الثقة في فرنسا بين المفكرين الأفارقة.
وتظهر فرنسا الآن اهتماما بالنفط والغاز، وتعتمد شركة “توتال” الفرنسية على
إفريقيا في إنتاج 28 في المئة من إنتاجها للغاز والنفط، كما صرح الأستاذ الفرنسي
في الجغرافيا، فريدريك مونييه، بأن 36.4 في المئة من إمدادات النفط الفرنسية تأتي
من إفريقيا.
وتتمتع الشركات الفرنسية بالعديد من المزايا، ومنها اللغة، والعملة في منطقة
الفرنك الإفريقي (عملة موحدة متداولة في 14 دولة أفريقية)، ودعم الحكومة الفرنسية،
إضافة إلى الضمانات التي تقدمها شركة “كوفاس”للمصدرين الفرنسيين، ونرى ذلك في
تضاعف سهم الشركة الفرنسية 4 مرات، بين عامي 2005، و2011، ليصل إلى 23.4 مليار
دولار.
سؤال تحذيري
يمكننا الآن تحليل الموقف لفهم الهيمنة الفرنسية على مستعمراتها السابقة، منذ
الاستقلال وبعد التراجع التجاري بين الطرفين.
في 2019، أعلن ماكرون عن رغبة فرنسا في إعادة تشكيل عملة الفرنك الإفريقي، وهما
فرنك غرب إفريقيا، التي تستخدم في 8 دول، وفرنك وسط إفريقيا، العملة التي تستخدم
في 6 بلدان.
وبسبب ارتباط الفرنك الإفريقي باليورو، تتمكن فرنسا من توجيه مدخرات هذه البلدان،
وإلزامهم بإيداع 50 في المئة من احتياطي النقد الأجنبي الخاص بهم في وزارة المالية
الفرنسية.
وفي هذه الأثناء، أعلن ماكرون بالتعاون مع الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، عن
رغبتهما في استبدال الفرنك الإفريقي بعملة “إيكو”، لتكون العملة المستقبلية لـ15
دولة.
لكن القرار الأهم والمنتظر بين كل ذلك، هو إنهاء إلزام البلاد الإفريقية بدفع 50
في المئة من احتياطي النقد الأجنبي الخاص بهم إلى وزارة المالية الفرنسية.
المال
والسيادة
يعتبر المال هو أداة سيادة الدول، ولكن حتى بعد مرور 60 عاما على الاستقلال، لا
تمتلك دول المستعمرات السابقة في جنوب إفريقيا هذه السيادة.
ويدافع واتارا عن الاتحاد النقدي التي تضمنه فرنسا، بينما يعارض الأفارقة هذا
التعاون ويحذرون منه، بسبب عواقبه الجسيمة، إذ يمنع تنافس قيمة العملات والتطور
الصناعي، ويكبح تقدم البلاد في منطقة الفرنك غرب الإفريقي.
وبحسب شركة “كوفاس”، فإن التراجع التجاري الفرنسي في إفريقيا أصبح واضحا بشكل
كبير، إذ انخفض حجم التجارة الفرنسية من 12 في المئة إلى 6 في المئة فقط، منذ عام
2001.
ووفقا لفيليب هوغون، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، وبالرجوع
قليلا إلى الوراء، نجد أن حصة إفريقيا من صادرات فرنسا عام 1970 بلغت 8.7 في
المئة، وتراجعت إلى 5.6 في المئة في عام 2016.
وبين عامي 1970 و2006، ارتفعت الصادرات الفرنسية إلى إفريقيا من 13 إلى 28 مليار
دولار، فيما تضاعف حجم السوق الإفريقي 4 مرات، وهو ما يفسر رغبة فرنسا لإبقاء
قبضتها على عملة الفرنك.
(الأناضول)