*حياة جبروني *
ضمن فعاليات الأنشطة الثقافية والفكرية التي تقام بمكتبة بلدية الساورة وبالتزامن مع الإطلالة البهية للشاعر العربي السعودي محمد بن ناهض القويز إثر استضافته بوجدة للاحتفاء بمولوده الشعري الموسوم ب” شهادة الأرض” الديوان الصادر عن دار عالم الكتب للطباعة والنشر 1438 ه/2017م، انعقدت مساء يوم الجمعة 16 دجنبر 2022 فعالية اللقاء الأدبي الشهري المنظم من طرف اتحاد كتاب المغرب فرع جهة الشرق بتنسيق مع جماعة وجدة و مديرية الثقافة بجهة الشرق.
حضر اللقاء الشعري مثقفون من صفوة الأسماء الإبداعية المعروفة وطنيا وعربيا، وعشاق الشعر ومتذوقيه، كذلك حضور ملفت للإعلام من طلبة مسلك علوم الاعلام والتواصل بكلية الاداب والعلوم الإنسانية بوجدة إلى جانب منبر “رسبريس” الذي ذأب على متابعة التظاهرات الأدبية والفكرية المهمة. وقد يختصر الحاضرون الكثير مما يمكن أن يقال عن هذا العرس الشعري النوعي، الذي استهله رئيس الفرع الجهوي لاتحاد كتاب المغرب الشاعر والإعلامي مصطفى قشنني بورقة نقدية رحب بالمحتفى به الشاعر الدكتور محمد بن ناهض القويز عبر عن سعادته بالاحتفاء بديوانه الشعري “شهادة الأرض”. ومما جاء في قراءته النقدية للمجموعة : “سعداء اليوم بالاحتفاء بتجربة شاعر جد متميز، شاعر ينتمي للمملكة العربية السعودية، منبت الوحي ومنبت الشعر، إنه الشاعر الدكتور أحمد بن ناهض القويز… الذي ينتمي إلى تجربة شعرية تؤسس لانزياحات جمالية وإبداعية في غاية الدهشة، إنها تجربة تجسد السمات والملامح الرئيسية للقصيدة الحداثية، التي يكتب من خلالها الشاعر بشكل مختلف ومغاير، لغة وخيالا وبناء معماريا للقصيدة وبحثا عميقا للنصوص التي هي في مجملها تعبر عن التفاصيل اليومية وعن التجارب الذاتية والوجودية وكل ما يرتبط بالمتجانس واللامتجانس، المألوف والمتنافر… “.
نعم فنصوصه ” شهادة الأرض”، إنتاج إبداعي متميز تحت وطأة تلبية حاجة مشاعر وأحاسيس وانفعالات تعبر عن حزن وألم وأنين بين ضلوع الشاعر الذي ما لبث أن خرج من جلبابه الوظيفي ليسمو بثروة ثقافية وفكرية تخطت البديهي والمألوف. وفي هذا الصدد يقول مصطفى قشنني:”.. والشاعر محمد بن الناهض القويز ضمن هذه الكوكبة من الشعراء التي تبدع ضمن المختلف وتفجر الغير المألوف، وهكذا حين تقرأ منجزه خاصة هذه المجموعة الموسومة ب” شهادة الأرض “والتي أحبد أن أسميها (شاهدة الأرض)، لأنه/ لأنها بمثابة ملحمة هوميرية أو كلكا ميشية تؤرخ لمأساة الأرض / مأساة الإنسان، من خلال نص يشع رزانة وحكمة وفتنة غاوية…. “
فالديوان “شهادة الأرض” ملحمة تاريخية تؤرخ منذ بداية الحياة البشرية مآسي الإنسان ومعاناته المستمرة من الظلم والقساوة والدمار والخراب. نص شعري صيغ من رحم الأحاسيس الإنسانية المؤلمة وذات الشاعر المشطورة والمكبلة في تماس فكري وفلسفي متغلغل وواضح على محيا نصوصه الشعرية جاء نتيجة تعطشه المستمر للقراءات الثقافية المتنوعة والمتعددة وتأثره بالتيارات الفلسفية والفكرية العربية والغربية على حد سواء. ولعل هذا النشاط الفكري والثقافي تماهى في ذهنية الشاعر، فلم يستطع إخفاء الدلالات الفلسفية والوجودية الطاغية على ديوانه اتسمت بمسحة واقعية تعبر بقوة عن التفاصيل والأحداث اليومية والتجارب الذاتية والوجودية يمرر لنا من خلالها قناعته إزاء حزنه وغربته ومعاناته اللامتناهية بسبب ما تشهده الأرض من دمار وخراب وجرائم فظيعة ترتكب في حق الإنسانية بدءا كما جاء في شعره قتل قابيل لهابيل وتتوالى بعدها الجرائم والانتهاكات وتتضاعف النزاعات والفتن التي لا تعترف بالحدود ولا بالنهايات.
وعلى ضوء ما سبق يقول الشاعر مصطفى بدوي في قراءته النقدية المسهبة: “يلامس الشاعر هشاشة هذا الشرط الإنساني وجوديا محيلا إيانا على مفهوم عدم العصمة الذي نحته بول ريكور وهو يقارب رمزية الشر بصيغة تأويلية مؤكدا على أن الخطأ (أي الشر) عنصر خارجي عن تركيبة الإنسان وعملية الانتقال من البراءة إلى الشر محفوفة بالأسئلة التي لا تجيبنا عنها سوى المقاربة الأسطورية، وهذا ما مارسه الشاعر وهو يستنطق عملية العبور ويسائلها محاولا تشريح لحظاتها المفصلية عبر محطات التاريخ المختلفة، الشيء الذي يجعل القصيدة مدونة ملحمية عابرة للأزمنة والأمكنة على حد سواء ومنفتحة على الجرح الوجودي بمفهومه الكوني العام”.
لا شك أننا أمام شاعر كبير استحق بجدارة انتماءه لقبيلة الشعراء الحداثيين، لأنه بكل تأكيد يجسد روح العصر الآني بكل تفاصيله وتجلياته.
شاعر يكتب بصدق وقناعة وإحساس رقيق وذوق رفيع يخصص مساحات شاسعة من الوعي والسمو باللغة إلى حد الرمز والتجريد المؤثرة في ذات الشاعر، أضف خاصية واقعية الكلمات التي أذكت المعنى الحقيقي للحداثة في شعره عززت مكانته بين فطاحلة المنتمين لاتجاه التجديد المعاصر.
يقول الشاعر يحي عمارة في جزء من ورقته النقدية الموسومة ب: * الشاعر محمد بن الناهض القويز أبدع شعرا حداثيا وأصاب*
“.. كما راكم السعودي إبداعا شعريا متعدد التجارب والجماليات والانساق في الشعر، وهو الجنس الأدبي الذي يحتل المركز الأول في اتجاهات النثر، مما يؤكد التواصل الشعري في منبت الشعر العربي واللغة العربية ومنبت الأدب في الجزيرة العربية في أجيالها الجديدة داخل المملكة العربية السعودية… “.
فديوان الشاعر محمد بن الناهض المُحتفى به والموسوم ب” شهادة الأرض “تحفة إبداعية عجيبة تثير كل مدهش جعلت شعره رسالة إنسانية عميقة وواعية توصل أصواتا مؤلمة وصرخة مدوية وموجعة للعالم.
وفي هذا المقام يقول المبدع يحي عمارة:” فاسمحوا لي إذا قلت لكم إنها قصيدة تؤسس خطابها على قضايا ممانعة الأرض من تخبط ناسها في العذاب والضياع والدمار والاغتراب. قصيدة تتوكأ على الصوت الإنساني الداعي إلى نبذ العنف والتطرف…” ويتابع المتحدث يحي عمارة قائلا: “استطاع الشاعر الموهوب أن يبرهن لنا عبر ديوانه القصيدة “شهادة الأرض” عن التدفق الجمالي عنده من الأعماق البعيدة لينابيع النفس، من المحبة غير المتناهية لتآخي الشعر مع باقي الأجناس الأدبية والفنون، وخاصة جنس السرد وفن التشكيل وفن المسرح. فالشعري والحكائي متجاوران لا ينفصلان طوال زمن القصيدة.
وقال كذلك الشاعر مصطفى بدوي بخصوص “شهادة الأرض” : “لقد شقت” شهادة الأرض ” نصيا عصا النمذجة لتقترف رؤيويا الخروج من زوايا تداولية تيبست جفونها ووهنت عظامها وجفت ينابيعها، وهذا يكفي ليجعلها قصيدة استثنائية لها جاذبيتها وجموحها و انفلاتها”.
ومن فنية لأخرى كان الشاعر المتألق محمد بن الناهض القويز يلقي أعذب وأجمل قصائده الماتعة بلغة واضحة مختلفة الثرة تتسم بالجرأة بصوت جميل شجي ومؤثر وسط الضيوف الذين راقت لهم القراءات التي ألهبت قلوبهم وأتحفت مسامعهم وحفزت الأغلبية الحاضرة للتفاعل الجدي مع الشعر والشاعر.
وفي وفي نهاية العرس الشعري تم تكريم الشاعر العربي محمد القويز وفي إطار تكريس ثقافة الاعتراف، تم استحضار نماذج لشخصيات وازنة ساهمت في تطوير المشهد الثقافي بالجهة، لها حضورها الراسخ على المستوى الجهوي والوطني سلمت شهادة تقديرية لكل من الاستاذ محمد حرفي ورفيقه بنعبد الله ، وكذلك تم تسليم شهادات تقديرية للساهرين على إنجاح هذه التظاهرة الثقافية بالجهة. منحت لكل من الشاعر والإعلامي مصطفى قشنني والشاعر مصطفى بدوي وكذلك المبدع الدكتور يحي عمارة والمشرف على الأنشطة الثقافية بالساورة ميمون الراكب.