يقود حسن نصر الله جماعة حزب الله اللبنانية، وأشرف على تحول الجماعة إلى قوة عسكرية ذات نفوذ إقليمي، وصار أحد أبرز الشخصيات العربية وذلك بدعم من إيران.
وكان نصر الله هدفا الجمعة لقصف إسرائيلي عنيف لبيروت، وذلك في أحدث حلقات سلسلة ضربات تصاعدت حدتها على مدى 10 أيام هزت الجماعة التي يقودها منذ 32 عاما.
وقال المكتب الإعلامي للجماعة اللبنانية إن كل التصريحات بشأن الهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت “لا صحة لها” ، ولم يحدد ما هي التصريحات التي يقصدها.
وأضاف أن المكتب الإعلامي وحده هو الذي يتحدث باسم الجماعة.
ولم يصدر حزب الله أي بيان آخر بشأن الضربات الإسرائيلية التي قال الجيش الإسرائيلي إنها استهدفت مقر القيادة المركزي للجماعة، ومصير نصر الله.
ويثني مؤيدو نصر الله على وقوفه في وجه إسرائيل وتحديه للولايات المتحدة. أما في نظر خصومه، فهو زعيم منظمة إرهابية وأحد الوكلاء الذين يستخدمهم النظام الشيعي الإيراني في صراعه على النفوذ في الشرق الأوسط.
وتجلى نفوذه الإقليمي منذ تفجر صراع أوقدت شرارته الحرب على غزة قبل ما يقرب من عام، إذ دخل حزب الله على خط المعركة بإطلاق النار على إسرائيل من جنوب لبنان “إسنادا” لحليفته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، وحذت حذوه جماعات يمنية وعراقية ضمن “محور المقاومة”.
وقال نصر الله في خطاب ألقاه في الأول من أغسطس/ آب خلال جنازة القائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر الذي قُتل في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله في بيروت “إننا أمام معركة كبرى”.
غير أنه عندما أصيب الآلاف وقتل العشرات من أعضاء حزب الله نتيجة انفجار أجهزة اتصالات في هجوم إسرائيلي على ما يبدو الأسبوع الماضي، بدأت دفة المعركة تتحول ضد الجماعة.
وفي رده على الهجمات التي استهدفت أجهزة الاتصالات، تعهد نصر الله في كلمة ألقاها في التاسع عشر من سبتمبر، أيلول بمعاقبة من إسرائيل.
وقال “هذا حساب سيأتي، طبيعته وحجمه وكيف وأين؟ هذا بالتأكيد ما سنحتفظ به لأنفسنا وفي أضيق دائرة حتى في أنفسنا”.
ولم يوجه أية كلمات منذ ذلك الحين.
في غضون ذلك، صعدت إسرائيل حدة هجماتها بشكل كبير، إذ قتلت عددا من كبار قادة حزب الله في ضربات موجهة، ومضت في قصف مكثف لمناطق تسيطر عليها الجماعة في لبنان، مما أسفر عن مقتل المئات.
وحتى خصومه يقرون بأنه خطيب مفوه يتمتع بكاريزما ويتابع خطبه الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
يعتمر نصر الله عمامة سوداء ليشير إلى أنه من نسل النبي محمد، ويستخدم خطاباته لحشد قواعد حزب الله، وأيضا لإطلاق تهديدات محسوبة بعناية، وكثيرا ما يلوح بإصبعه وهو يطلق هذه التهديدات.
صار نصر الله أمينا عاما لحزب الله في 1992 بينما كان في الخامسة والثلاثين فقط، وأصبح الرمز المعروف للجماعة التي كانت يوما كيانا غامضا أسسه الحرس الثوري الإيراني في 1982 لمحاربة قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وقتلت إسرائيل سلفه السيد عباس الموسوي في هجوم بطائرة هليكوبتر. وكان نصر الله زعيما للجماعة عندما نجح مقاتلوها في نهاية المطاف في إخراج القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000، وهو ما أنهى احتلالا استمر 18 عاما.
* “النصر الإلهي”
لقد شكل الصراع مع إسرائيل إلى حد كبير زعامته. فقد أعلن “النصر الإلهي” في عام 2006 بعد أن خاض حزب الله حربا استمرت 34 يوما مع إسرائيل، وفاز باحترام العديد من المواطنين العرب الذين شبوا وهم يرون إسرائيل تلحق الهزيمة بجيوش عربية. لكنه أصبح شخصية مثيرة للانقسام بشكل متزايد في لبنان والعالم العربي مع اتساع منطقة عمليات حزب الله لتمتد إلى سوريا وخارجها، مما يعكس الصراع المتصاعد بين إيران الشيعية والدول العربية السنية المتحالفة مع الولايات المتحدة في الخليج.
بينما صور نصر الله مشاركة الجماعة في سوريا -حيث قاتلت لدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال الحرب الأهلية- على أنها حملة ضد الجهاديين، اتهم منتقدون الجماعة بأنها أصبحت جزءا من صراع طائفي إقليمي.
وفي الداخل، قال منتقدو نصر الله إن مغامرات حزب الله الإقليمية كبدت لبنان ثمنا باهظا، مما دفع دول الخليج العربية التي كانت صديقة للبنان ذات يوم إلى تجنب البلاد، وهو عامل ساهم في انهيارها المالي في عام 2019.
في السنوات التي أعقبت حرب 2006، سار نصر الله على حبل مشدود فيما يتعلق بدخول صراع جديد مع إسرائيل، فقام بتخزين الصواريخ الإيرانية لتشكيل “توازن الرعب” الرادع في صراع مدروس بعناية بين التهديد والتهديد المضاد.
وأدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى اندلاع أسوأ صراع لحزب الله مع إسرائيل منذ 2006، الأمر الذي كبد الجماعة خسائر فادحة في صفوفها بما في ذلك قادة كبار.
وبعد سنوات من المواجهات مع أطراف أخرى، عاد حزب الله للتركيز في صراعه التاريخي مع إسرائيل.
وقال نصر الله في كلمته في الأول من أغسطس/ آب “نحن ندفع ثمن إسنادنا لجبهة غزة وللشعب الفلسطيني وتبنينا القضية الفلسطينية وحماية المقدسات”.
نشأ نصر الله في حي الكرنتينا الفقير في بيروت. وتنحدر عائلته من البازورية، وهي قرية في جنوب لبنان ذي الأغلبية الشيعية الذي يشكل اليوم المعقل السياسي لحزب الله.
وينتمي نصر الله إلى جيل من الشبان الشيعة اللبنانيين الذين شكلت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 نظرتهم السياسية.
وقبل أن يتولى قيادة الجماعة، كان يقضي الليالي مع مقاتلي الجبهة الأمامية الذين يقاتلون جيش الاحتلال الإسرائيلي. وقُتل ابنه الشاب هادي، في معركة عام 1997، وهي الخسارة التي منحته مكانته بين القاعدة الشيعية في لبنان.
أعداء أقوياء
لدى نصر الله سجل حافل من إطلاق التهديدات لأعداء أقوياء.
فمع تصاعد التوترات الإقليمية بعد اندلاع حرب غزة، وجه نصر الله تحذيرا غير مباشر للسفن الحربية الأمريكية في البحر المتوسط، قائلا لهم “أساطيلكم التي تهددوننا بها، لقد أعددنا لها عدتها أيضا”.
وفي عام 2020، تعهد نصر الله بأن يغادر الجنود الأمريكيون المنطقة في نعوش بعد اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة أمريكية في العراق.
وعبر عن معارضته الشديدة للسعودية بشأن تدخلها العسكري في اليمن إذ سعت الرياض بدعم من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين إلى دحر جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران.
ومع تصاعد التوترات الإقليمية في عام 2019 في أعقاب هجوم على منشآت نفط سعودية، قال نصر الله إن السعودية والإمارات يجب أن توقفا حرب اليمن لحماية نفسيهما.
وقال في رسالة موجهة إلى الرياض “لا تراهنوا على الحرب ضد إيران لأنها ستدمركم”.
وفي عهد نصر الله، اشتبك حزب الله أيضا مع خصوم داخل لبنان.
وفي عام 2008، اتهم نصر الله الحكومة اللبنانية التي كانت مدعومة آنذاك من الغرب والسعودية بإعلان الحرب من خلال سعيها لحظر شبكة الاتصالات الداخلية لجماعته. وتوعد نصر الله “بقطع اليد” التي تحاول تفكيكها.
وأدى ذلك إلى اندلاع مواجهات استمرت أربعة أيام بين حزب الله ومقاتلين سنة ودروز وسيطرت الجماعة الشيعية على نصف العاصمة بيروت.
ونفى بشكل قاطع أي ضلوع لحزب الله في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005 بعد أن وجهت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة اتهامات إلى أربعة من أعضاء الجماعة.
وندد بالمحكمة، التي أدانت ثلاثة منهم غيابيا في 2020 بتهمة الاغتيال، واعتبرها أداة تستخدمها القوى المعادية لحزب الله.
(رويترز)