(أجرى الحديث: سعد بوزرو)
كتاب “التحليل النفسي للحياة العادية” لمؤلفه سعد بلكناوي، المحلل النفسي وأستاذ علم النفس في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، الذي صدر حديثا عن دار النشر “لارماتان”، لا يدق ناقوس الخطر ولا يتناول موضوعا شاذا ولا غريبا، وإنما يتطرق إلى ما هو عادي، وبديهي.
إنها إجابات تكاد تصبح
تلقائية تقريبا لدى معظم الأشخاص الذين يُطلب منهم وصف حياتهم أمام المختص النفسي.
في هذا الحديث ل “و م ع”، يوضح بلكناوي أسلوبه الأدبي، ويتناول النموذج
الرئيسي لمؤلفه، كما يعيد النظر في هذه الأمور البديهية، ويتطرق إلى تجربته
النفسية الروائية.
1- يستلهم مؤلفكم “التحليل النفسي للحياة العادية” من
“الرواية”، كما يستعير في الوقت نفسه أسلوب السرد، هل يمكن القول إنه من الضروري
اتخاذ هذا المنحى؟
الكل يعود إلى شغفي بالرواية التي نصبت لي فخا. هذا الشغف طبع دون قصد أسلوبي في النص العلمي. وبالموازاة مع ذلك فإن التعقيد النفسي يتطلب بالضبط تدقيقا في العبارة عند تناول المعيش الذي ظل لمدة طويلة في ظلمة الغموض، من أجل جعله قابلا للتمثيل والتفكير. وضمن التوجه نفسه فإن الشعور بالفرح، الذي تثيره الكلمة، في استكشاف الواقع النفسي يفتح بذلك أمام القارئ آفاقا كبيرة.
2- موضوعيا، يناقش الكتاب بإسهاب مختلف المشكلات ذات الطابع النفسي للمجتمع في ضوء أمثلة ملموسة. ألا يتعلق الأمر برهان محفوف بالخطر في التعامل مع مثل هذه “الآلام” في عدد قليل من الكلمات (154 صفحة)؟
الاقتضاب في استخدام الكلمات لدى المحلل النفسي هو ممارسة سريرية معتادة. التفسير المقترح على المريض ينبغي أن يأتي في اللحظة التي يكون فيها مستعدا لسماعه. فتشابك معاناته النفسية يصبح عندئذ قابلا للاستيعاب أكثر.
إن الأمر في الواقع يتعلق برهان محفوف بالخطر، تماما كما هو الحال في الفلاحة. ففضلا عن حرث الأرض وزرعها، يكون توافق العناصر أمرا مطلوبا بشدة.
3- لقد تناولتم لأول مرة ظاهرة “عادي” التي قمتم بتشريحها من خلال إعادة النظر في “الملفات” الكبرى للتحليل النفسي (القلق، الخوف، التوتر، إلخ). هل كان الأمر يتعلق بالنسبة لكم بطريقة لتوضيح العبارة التي تصبح خلفية لجميع المشاكل؟ أو القطار الذي يخفي قطارات أخرى غيره؟
لقد لاحظ فرويد بالفعل لدى مرضاه عمليات نفسية مثيرة للاستغراب. نوع من الضغط وسوء التواصل. وهو يعود إلى ضرورة إيجاد راحة نفسية، فكل شخص يعاني من شعور بالضغط، والبحث عن تفسيرات لصعوباته وصراعاته. وبصفة عامة يبحث المرء عن الأسباب في الأحداث.
إن مثل هذا الاستعداد النفسي شائع جدا طالما أنه من الصعب للغاية مساءلة الدواخل النفسية للمرء، والكشف ضمن التاريخ الذي شكله، خاصة عندما تتكرر حالات الصراع بشكل متماثل تقريبا.
إن كلمة “عادي” هي عبارة شائعة الاستخدام، وتتبادر إلى الذهن “تلقائيا” ليجبر المرء نفسه على عدم المضي في الطريق الحقيقي “الاتصال الصحيح”، مع ذلك الماضي الذي يصعب تجاوزه.
4- علاوة على تكوينكم ومهنتكم كمحلل نفسي، يمكن القول إن استيعابكم اليومي لقصص حياة مرضاكم، هو الذي شكل الكاتب لديكم؟
بمجرد شروع الشخص في سرد قصة حياته، يصبح كيانه ككل حيا ومتجذرا. إنه يثير اهتماما لدى من يريد أن يسمعه.
لكن الإنصات في صمت مع نظرة متواصلة ليس أمرا طبيعيا بالفعل لدى البشر. بل على العكس، فغالبا ما تكون الحاجة إلى الكلام أمرا ملحا، وغالبا ما يحمل رهانات نفسية تلح من أجل التحقق تحت مظلة الكلمات.
إن الكتابة تعني أن المحلل النفسي يظل أيضا شخصا مثل الآخرين. و لا يستطيع أن يمنع نفسه من تلبية تلك الحاجة نفسها للتحدث، ولكن على طريقته الخاصة، عن طريق الكتابة.
5- الآن وقد صدر كتابكم حول “العادي”، متى يصدر لكم كتاب آخر عن الـ (ماشي عادي) الأمر “غير العادي”؟
لقد ثبت أن عبارة “ماشي عادي” تثير الانتباه بسرعة وتسائل العقل. إنها مكثفة بالمعاني لدرجة أنها تسارع إلى جعل الآخر في وضع متناقض، يتأرجح بين الانجذاب ورفض مفهوم. فكل شخص يود أن يكون “عادي” تماما، مرتاحا وسعيدا، وراضيا بما لديه، بنظرة مفعمة بالأمل موجهة نحو المزيد من الرضا مستقبلا.
إن عبارة “ماشي عادي” تعني أن هذه الخطة لا تعمل كما كان متوقعا، ولا يمكن أن تكون كذلك لدى أي شخص آخر. لحسن الحظ، أن البداية تكون مختلفة تماما. لقد عشنا جميعا في البداية لحظة من النعيم اللاواعي. الفترة الجنينية تطلق عملية نمو تقترب من الكمال، تكون قريبة من تلبية جميع الاحتياجات قبل أن تصبح كذلك. وهو أمر غير عادي.
لطالما كانت متعة العيش مهددة بالاضطراب الذي يفسدها، أو حتى يمنعها من الظهور. وبالتالي، لا يمكن لعبارة “عادي” أن تتواجد دون الـ “ماشي عادي” التي تفسدها، وهو أمر استثنائي آخر في حد ذاته.
نعم، بطبيعة الحال، هناك تكملة جارية لهذا الكتاب، وها أنا ذا أجد نفسي في طريق لم تكن معتادة بالنسبة لي في حياتي العادية. هل يجوز لي الحديث عن أمر استثنائي ثالث يمكن أن يحدث دوما في مسار كل موضوع؟