ما زال ملف المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش الإرهابي يؤرق الكثير من دول العالم، خصوصاً أن هذه القضية لم تجد طريقها إلى الحل.
ووسط الكثير من المناقشات والمحاولات لتحريك هذا الملف، فإنّ الأنظار تتجهُ دائماً إلى خطر أولئك المقاتلين، وعمّا إذا كانت عودتهم إلى بلدانهم ستساهم في لجمِ إرهابهم. ومع هذا، فإن الأسئلة حول مستقبل هؤلاء المقاتلين كثيرة، في حين أن التساؤلات عن تعامل الدول معهم في حال عودتهم تحتاجُ إلى التفكّر أيضاً.
وقبل نحو 5 سنوات من الآن، وتحديداً في 16 يناير2016، أعلن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أنه تم منع نحو 600 بريطاني من التوجه إلى سوريا والانضمام إلى تنظيم “داعش” وغيره من الجماعات المقاتلة.
وحينها، أشار الوزير إلى أنه نحو 800 آخرين تمكنوا من التوجه إلى سوريا منذ العام 2012، وقال حينها أن “لديه اعتقاد بأن نصفهم ما زالوا هناك”، وأضاف: “بالإضافة إلى هؤلاء الـ800، تمكّنا من منع 600 آخرين من التوجه إلى سوريا”.
وفعلياً، فإن المعطيات والمعلومات عن أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف داعش عديدة، خصوصاً أنها تختلف بين بلد وآخر، وثمّة دول كانت لديها حصة الأسد ضمن قائمة المقاتلين الذين خرجوا منها. ومع بداية الأزمة السورية في عام 2011، سافر الكثير من المقاتلين الأجانب إلى سوريا، وكان لوجودهم أثر في تعقيد مسار النزاع هناك. غير أن الموجة الأكبر كانت بعد احتلال تنظيم داعش في عام 2014 مساحات شاسعة في سوريا والعراق، ودعوته المسلمين للهجرة إلى ما سماه بدولة “الخلافة” المزعومة التي شهدت سقوطاً وانهياراً في أوائل عام 2019 خصوصاً في الباغوز.في الواقع، فإنّ الكثير من الدراسات تطرّقت إلى عدد الأجانب الذين قاتلوا في صفوف تنظيم داعش. ومع ذلك، تقول الأمم المتحدة أن ما يزيد على 40 ألف مقاتل أجنبي، قدموا من 110 دول، دخلوا سوريا والعراق للانضمام إلى جماعات إرهابية.
وأشارت دراسة موثقة بالبيانات الرسمية والأكاديمية ومن مصادر أخرى، نشرها المركز الدولي لدراسات التطرف التابع لكينجز كولدج في لندن في تموز 2018، إلى أن عدد الأجانب في صفوف تنظيم داعش تحديداً يبلغ 41490 شخصاً (بواقع 32809 من الرجال و 4761 امرأة و4640 طفلاً) من 80 دولة.
وخلص الباحثون إلى أن 18852 من هؤلاء الأجانب قد وفدوا من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و7252 من شرق أوروبا، و 5965 من آسيا الوسطى، و5904 من أوروبا الغربية، و1010 من غرب آسيا، و1063 من جنوب شرق آسيا، و753 من الأمريكيتين وأستراليا ونيوزلاندا، بالإضافة إلى 447 من جنوب آسيا، و244 من جنوب الصحراء الكبرى.
ويبلغ عدد الأجانب الملتحقين بداعش من المملكة المتحدة قرابة 850 شخصا، بينهم 145 إمرأة و 50 طفلاً، بحسب تلك الدراسة.
في المقابل، أشارت شركة الإستشارات الأمريكية (Soufan) في تقرير لها عام 2017 إلى أنّ روسيا تتصدر قائمة الدول التي انحدر منها أعلى عدد من المقاتلين الأجانب الذين ذهبوا للقتال في سوريا والعراق وانضموا إلى “داعش”. ووفقاً للتقرير، فإنّ عدد المقاتلين الروس في تنظيم داعش بلغ 3417 مقاتلاً.
وركّزت شركة الإستشارات في دراستها على خطر العائدين من داعش إلى بلدانهم الأصلية، وقال التقرير: “في حين أنه سيكون من الصعب تقييم التهديد الذي يشكله المقاتلون الأجانب والعائدون، إلا أنهم سيشكلون تحدياً لكثير من البلدان لسنوات قادمة”.
وأكّد التقرير أنّ هناك ارتفاعاً ملحوظاً في عدد النساء اللواتي التحقن بداعش بالإضافة إلى ارتفاع بعدد الأطفال المولودين هناك. وذكر التقرير أنه “منذ عام 2015، كانت هناك زيادة ملحوظة في عدد النساء والأطفال الأجانب الذين يسافرون إلى سوريا والعراق، وكذلك في حالة الأطفال، المولودين في المناطق التي احتلها داعش.
وعلى الصعيد الأوروبي، فقد تصدّرت فرنسا قائمة الدول الأوروبية الأكثر تصديراً للمقاتلين الأجانب، وذلك وفقاً لدراسة أعدها المركز الدولي لدراسات التطرف. وفي 30 أيار 2019، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن ما يقارب من 450 فرنسياً انضموا إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، محتجزون لدى القوات الكردية أو في مخيمات للاجئين في مناطق سيطرة الأكراد.
وفي ما خصّ المعتقلين، فإنّه بعد سقوط داعش في الباغوز مطلع عام 2019، تمكّنت قوات سوريا الديمقراطية من اعتقال الكثير من المقاتلين، ويقول مسؤولون أن نحو 800 مقاتل أجنبي في صفوف داعش من نحو 50 دولة هم قيد الاعتقال لدى قوات سوريا الديمقراطية، وذلك حتى شباط 2019.
وحينها، جرى تحديد هويات عدد قليل من المعتقلين لدى تلك القوات، وكان البريطانيان الشافعي الشيخ وأليكساندا كوتي من بين هؤلاء. ويعتقد أن هذين الشخصين كانا عضوين في فرقة إعدام تابعة لتنظيم داعش عرفت باسم “البيتلز”، وتعد مسؤولة عن إعدام ما لا يقل عن 27 من الرهائن الغربيين.
ماذا عن عودة المقاتلين إلى بلادهم؟
وخلص باحثون في المركز الدولي لدراسات التطرف، إلى أن ما لا يقل عن 7,366 من المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش قد عادوا أدراجهم إلى بلادهم، بينهم 256 إمرأة وقرابة 1,180 طفلاً.
وحتى يونيو 2018، عاد 3,906 مقاتلين أجانب من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى بلادهم، و 1,765 إلى أوروبا الغربية، و784 إلى أوروبا الشرقية، و338 إلى آسيا الوسطى، و308 إلى جنوب شرقي آسيا، و156 إلى جنوبي آسيا، و97 إلى الأمريكيتين وأستراليا ونيوزلاندا، و12 مقاتلاً إلى جنوب الصحراء الكبرى.
ومع هذا، فقد أعربت الأمم المتحدة عن خشيتها من أن ينشط هؤلاء العائدين مجدداً بعد إطلاق سراحهم، وقالت إن النساء المتطرفات والأطفال الذين تعرضوا للصدمة قد يشكلون خطراً أيضاً.
وخلف أسوار السجون وفي مخيمات الاحتجاز في سوريا، يقبع آلاف الرجال والنساء والأطفال الذين كانوا مع “داعش”. ومع هذا، تتحمل القوات الكردية في شمال سوريا العبء الأكبر في رعاية المعتقلين منذ انهيار داعش، بمن فيه من مئات الأجانب.
وتمثل مسألة التعامل مع فلول داعش، قضية شائكة للبلدان التي سافر مواطنوها للقتال في صفوف التنظيم. ويشكل الأوروبيون نحو 20% من مقاتلي التنظيم الذين تحتجزهم الجماعات المسلحة الكردية. وفي شباط 2019، طلب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب من الإتحاد الاوروبي استيعاب ما يقرب من ألف مقاتل أجنبي من العراق وسوريا.
ويقول المحللون أنّ الولايات المتحدة أرادت هذه الخطوة للتاكيد على ضرورة السيطرة الصحيحة على مقاتلي داعش السابقين، وأنّه في حال لم يتحقق ذلك، فإنّ العالم سيشهد هجرة جماعية لهؤلاء المقاتلين إلى أوروبا، ما ينتج عنه تصاعد الإرهاب هناك.
وفي الواقع، تحاول الدول الأوروبية الإسراع بتنفيذ خطة لإخراج الآلاف من متشددي داعش الأجانب من المخيمات المحتجزين بها في سوريا ونقلهم إلى العراق. ويمثل الأوروبيون خمس مقاتلي التنظيم في سوريا، وهم نحو عشرة آلاف تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
وكانت الدول الأوروبية تجري تقييماً لكيفية التوصل إلى آلية يمكن أن تفضي إلى نقل المقاتلين الأجانب من سوريا إلى العراق لمحاكمتهم هناك بتهم جرائم حرب. ومع هذا، فقد حوكم في العراق الذي شهد أكثر المعارك دموية ضد داعش، آلاف المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم هناك بعد أن اعتقلت القوات العراقية كثيراً من الأشخاص خلال سقوط معاقل التنظيم في مختلف أنحاء البلاد.
ومنذ انهيار داعش في الـ2019، أعادت بعض الدول الأوروبية العديد من أبناء المقاتلين الأجانب الذين كانوا عالقين في معسكرات الاعتقال في شمال شرق سوريا إلى بلادهم. ويتم احتجاز الكثير من عائلات المقاتلين في مخيّم الهول المكتظ في شمال شرق سوريا الذي يضم نحو 68 ألف شخص.
وفي أواخر حزايران 2020، قالت وزارة الخارجية أنه جرى إعادة 10 أطفال فرنسيين من مخيمات اللاجئين في شمال شرق سوريا إلى فرنسا. كذلك، أعلنت باريس أنها تريد إعادة قسم من نحو 150 طفلاً من أبناء المقاتلين الأجانب من الجنسية الفرنسية تم الإبلاغ عن وجودهم في سوريا في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد، الذين يبحثون عن حل لمسألة المقاتلين الأجانب الشائكة في ظل رفض الغربيين استعادتهم.
كذلك، أعيدت ثلاث بلجيكيات، أرامل مقاتلين سابقين في تنظيم داعش في سوريا، و 6 من أطفالهن إلى بلجيكا من تركيا حيث فروا، وفق ما أعلنت النيابة الفدرالية في البلاد. وبحسب التقارير، فقد واجهت النساء الـ3 إدانة صادرة عن القضاء البلجيكي بالمشاركة في نشاطات جماعة إرهابية.
وفي أواخر آب 2020، استخدمت الولايات المتحدة حقّ النقض في مجلس الأمن الدولي ضدّ مشروع قرار بشأن مصير المقاتلين الأجانب لعدم تضمّنه فقرة تطالب بإعادتهم الى بلدانهم.
وحظي النص الذي وضعته أندونيسيا، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، بموافقة سائر أعضاء مجلس الأمن الـ14 باستثناء الولايات المتّحدة التي صوتت ضده.
وحينها، قالت السفيرة الأمريكية في الأمم المتّحدة كيلي كرافت إن القرار الإندونيسي الرامي إلى تعزيز التحرك الدولي ضد الإرهاب “كان أسوأ من لا قرار على الإطلاق”.
وتعليقاً على النص الذي لا يتضمن إشارة إلى “الخطوة الجوهرية الأولى” القاضية بـ”إعادة (المقاتلين الأجانب) إلى بلدهم الأصل أو بلد جنسياتهم”، شددت كرافت على أنه “يفشل” في تعزيز مكافحة الإرهاب، مضيفة أن الولايات المتحدة ترفض بالتالي المشاركة في “مهزلة خبيثة بقدر ما هي تتعمد الإغفال”.
وخلال عام 2020، بدأت “الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا”، نقل عشرات من عائلات مقاتلي تنظيم داعش الأجانب “والأقل تشددا” من مخيم الهول المكتظ في شمال شرق سوريا إلى مخيم آخر.
وبدأ منذ تموز 2020 نقل النساء والأطفال على دفعات، بعدما تم توسيع مخيم روج بالتنسيق مع الأمم المتحدة والتحالف الدولي بقيادة واشنطن. وقال أحمد، إن النساء اللواتي طلبن الخروج مع أطفالهن من الهول “جاهزات لإعادة التأهيل ومن الأقل تشدداً”، وهن يطالبن “بالعودة إلى بلدانهن والانخراط في مجتمعاتهن من جديد ويظهرن ندمهن”.
وفي أواخر كانون الأول 2020، أعادت حكومتا ألمانيا وفنلندا خمس نساء وثمانية عشر طفلاً كانوا يقيمون في لمخيمات في شمال شرق سوريا.
وأوضحت وزارتا خارجية البلدين المذكورين، أن عملية استعادة أولئك النساء والأطفال أواخر الأسبوع المنصرم، أملتها دوافع إنسانية. ووفقاً لوسائل إعلام ألمانية فإن هلسنكي أعادت 6 أطفال وامرأتين، بينما أعادت برلين 12 طفلاً و3 نساء يخضعن حالياً للتحقيق بشبه انتمائهن لتنظيم داعش.
خطر “داعش”.. نارٌ تحت الرماد
وبعد انهياره، فإن تنظيم داعش يفتقر إلى القدرة على تنفيذ هجمات عسكريّة واسعة النطاق أو السيطرة على الأراضي لفترات طويلة من الزمن. ورغم ذلك، فإن أنشطة التنظيم المزعزعة للاستقرار تزداد مثل الاغتيالات والكمائن والعمليات الانتحارية وحرق المحاصيل، والسعي من وراء ذلك هو لتكريس الخوف في نفوس الناس، وإثبات أن داعش ما زال موجوداً.
ووفقاً لتقرير مكتب المفتش العام في البنتاغون عام 2019، فإنه من المحتمل أن لدى التنظيم “ما يتراوح بين 14000 و18000 عضواً في العراق وسوريا، ومن بينهم نحو مقاتل 3000 أجنبي.
ومع هذا، فقد أظهر تقرير نشره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجي بالتعاون مع كلية “كينغز” البحثية في لندن خلال عام 2020 أنّ تخلي حكومات الغرب عن السعي في إعادة مواطنيها المنضمين إلى داعش، دفع بهؤلاء إلى التفكير جدياً في إعادة إحياء داعش من جديد.
وحذّرت الدراسة من أن المقاتلين الأوروبيين يتدفقون إلى المناطق الأكثر سخونة هذه الفترة، وهي جنوب شرق آسيا (الفلبين)، ووسط وغرب أفريقيا، حيث ينشط التنظيم بشكل كبير. ومع هذا، يقول البحث أنّ سقوط الباغوز بيد قوات سوريا الديمقراطية عام 2019، أعلن عن دخول التنظيم في مرحلة جديدة قديمة بالنسبة له، وهي حرب العصابات، والعمليات المباغتة، من دون وجود منطقة تحت احتلاله، وهو أسلوب اتبعه التنظيم قبل عام 2013.
وأوضحت الدراسة أن التنظيم اتخذ تكتيكات جديدة لأسلوب عمله الحالي القائم على شن عمليات دون السعي إلى السيطرة على أي منطقة. وبحسب هذه التكتيكات، فإن التنظيم يحرص على أن يحافظ مقاتلوه على الحد الأدنى من الخبرة العسكرية، ويعملون في المناطق الريفية والنائية، ويعتمدون على حفر الأنفاق، والتمركز فيها وبالبيوت الآمنة.
ولفتت الدراسة إلى أن “القتال حتى الموت” لا يزال تكتيكاً يتبعه مقاتلو داعش الأجانب المتواجدين في مناطق مختلفة من العالم، مشيرة إلى أنّ قدرة التنظيم في نقل مقاتليه من قارة إلى أخرى يضع اللوم على الدول في نقص وغياب التنسيق في ما بينها.
ولفتت إلى أنه وبرغم أن بعض تنقلات عناصر التنظيم من دولة إلى أخرى تستغرق شهوراً، إلا أن غياب التنسيق بين استخبارات دول العالم، إضافة إلى “الانتربول” يساهم في زيادة نشاط داعش وقدرته على التحرك.
وقالت الدراسة إن دول الغرب ملزمة بإعادة مواطنيها المنتمين إلى داعش، ومحاكمتهم وفقا للقوانين المتبعة، ومن ثم عليها أن تدمج من يخرج من السجن في المجتمع المحلي، محذرة من أن عدم التحرك في هذا الاتجاه يعني بقاء هؤلاء المقاتلين في بيئة خصبة لـ”داعش جديدة” حتى لو كانوا في سجون “قوات سوريا الديمقراطية” حالياً.
المصدر: أخبار الآن