حياة جبروني
استضافت مكتبة شعبة اللغة العربية وادابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة، ضمن نشاطها المعتاد والذي يأتي في أعقاب سلسلة اللقاءات الثقافية التي تنظمها شعبة اللغة العربية وادابها وأساتذة الشعبة لفائدة الطلبة من مختلف الشعب والتخصصات، مساء أمس الأربعاء 08 يناير 2020، الأستاذ الدكتور حماد يوجيل الذي خصص محاضرته حول الجانب الخفي في شخصية الفنان والفيلسوف والأديب جبران خليل جبران وهو “جبران الرسام”.
عرفت الأمسية حضورا مهما من المهتمين بالحقل الثقافي وأساتذة وطلبة باحثين، إلى جانب نخبة من عشاق الفن والتراث.
في البداية رحب مقرر اللقاء الدكتور مصطفى السلاوي بالحضور، أساتذة ومثقفين، كما خص بالشكر جريدة “الحياة المغربية” التي تحرص على مواكبة الأعمال الثقافية منوها بمشاركة الجميع في إنجاح هذا المشروع الأدبي الهادف والذي لامس قلوب المهتمين في كنف محبة الثقافة الجهوية. ثم واصل حديثه عن حياة المحاضر السيد يوجيل المهنية والعلمية سنتطرق لها لاحقا.
استهل الدكتور حماد يوجيل محاضرته بسؤال هو كالآتي: لماذا يقام جدار بين الآداب والفنون الأخرى كالموسيقى والفن التشكيلي؟ مستعينا برموز الفن العالمي ك: بارت واستراوش وباشلار…. ليصل إلى حقيقة أن الثقافة كل متكامل غير قابل للتمييز أو التجزيء.
توزعت محاضرته على مجموعة من المحاور، أولها تناوله باقتضاب حياة جبران خليل جبران : ولادته، نشأته، دراسته وذكرياته مست جانبا مهما من حياة جبران الرسام العالمي الذي يفوق رصيده الفني بكثير رصيده الأدبي الذي اشتهر به عربيا. بل كان جبران يفضل الرسم على الكتابة.
فقد ولع جبران بالكتابة منذ صغره حتى أن الفنان اللبناني حبيب سرور قال عنه “إن هذا الصغير مشروع فنان كبير” فبوادر النجاح والتفوق كانت بادية عليه منذ طفولته.
تحدث المحاضر يوجيل عن اهم خطوط عريضة في حياة الرسام جبران بين لبنان وأمريكا وما ميزها من جمود في القرن 18 وتحرر وانفتاح في نهاية القرن 19، عصر النهضة.
كذلك تطرق إلى أهم الشخصيات الرائدة في المجال الفني التي عاصرت جبران خليل جبران كحبيب سرور الذي لعب دورا في توجيهه وقيصر الجميل ويوسف الحويل… وغيرهم كثير. لينتقل بعد ذلك. إلى إبراز أهم أعمال جبران بطريقة إبداعية تليق بمسيرته الفنية الغنية وما فاضت به قريحته المبدعة في لوحات فنية وصلت حد العالمية وهنا وجب تسليط الضوء على أول معرض له أقيم ببوسطن بالاشتراك سنة 1903 حيث لقيت أعماله الفنية استحسانا كبيرا اشادت به الصحف الأمريكية انذاك. ثم خمس معارض فردية حضرها وجهاء أمريكا وهنا لا يجب أن نغفل الدور الأساسي الذي لعبته ماري هاسكل في صقل موهبة جبران التي قادته نحو الشهرة بعد إرساله على نفقتها إلى باريس ليدرس بأكاديمية جوليان. وقبلها كان قد لقي دعما خاصا من مديرة المدرسة أين تلقى تعليمه حيث قدمته لأحد أكبر مصوري بوسطن لاحتوائه فنيا قبل رجوعه إلى لبنان. وهنا يعقب الاستاذ المحاضر على الموقف السلبي للعرب من فنه التشكيلي حيث تم تجاهله، لكنه لقي دعما معنويا وماديا في الغرب. إذ قام الدارسون العرب فقط بدراسة وتحليل كتابات جبران الفيلسوف الأديب والشاعر في حين تم تغييبه كرسام ناجح خصوصا إذا كانت الإنسانية تصبو نحو الحرية والكمال حيث تتأمل في أسرار الحياة التواقة إلى المطلق فلوحاته أشبه بأيقونات تلتقي فيها روح جبران الشاعر والرسام.
ثم تحدث الباحث الدكتور يوجيل عن سخرية جبران من المذاهب الجديدة التي ظهرت وانتشرت في تلك الحقبة والتي اعتبرها جبران ظاهرة ايلة للسقوط والزوال في إشارة أن جبران كان كلاسيكيا محافظا على القواعد الأساسية للفن التشكيلي. فقد سخر من “التكعيبية” و”فتيات افينيو” لبيكاسو….
لقد استطاع جبران بفضل مخيلته النوعية رسم شخصيات عربية لابن خلدون وأبو نواس والمعري وأمين الريحاني وغيرهم كثر من علماء وأدباء وشعراء عرب…
ما ينبغي الإشارة إليه أن جبران قام بدور هام للأمة العربية إلى درجة أن أمريكا أقامت حدادا لمدة يومين بعد وفاته عرفانا بإنجازاته العظيمة في مجال الفن في الوقت الذي تم تجاهله فنيا في الوسط العربي ومع ذلك ترك جبران بصمة خاصة في تحديث الأدب العربي واستحق توثيق أعماله واستحضارها عبر تسليط الضوء على ادابه التي لا تنسى ولوحاته الجبرانية الخالدة.
وفي الأخير أدلى العديد من الحاضرين بمداخلاتهم وتعليقاتهم القيمة حول مضمون المحاضرة التي كانت مسؤولة وغنية إلى أبعد وأقصى الحدود ..
تجدر الإشارة أن الدكتور الباحث حماد يوجيل هو بالمناسبة أستاذ متقاعد بالمركز التربوي الجهوي، ومركز التربية والتكوين وأستاذ اللغة العربية ويعتبر أشهر خطاط مغربي وعربي حظي بالوسام المولوي الذي أنعم به عليه الملك محمد السادس سنة 2014 كما يحضر لمشروع كتاب بخصوص “جبران الرسام”.
.