قرر المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية بالإجماع مغادرة حكومة سعد الدين العثماني، وذلك في ظل التعديل الحكومي الذي ستعرفه الحكومة والذي دعا إليه الملك محمد السادس في آخر خطاب للعرش، لما كلف رئيس الحكومة باقتراح أسماء وضخ دماء جديدة في الحكومة والإدارات الرسمية.
للإشارة فإن الحكومة الجديدة ستعرف تخفيضا كبيرا لعدد وزرائها، سيصل الى الثلث مقارنة بالحكومة الحالية ، وسيتم مراعاة نتائج الانتخابات في توزيعها، بين مكونات التحالف الحكومي الجديد.
وهذا النص الكامل لتصريح المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية عقب اجتماعه ليوم الثلاثاء فاتح أكتوبر 2019:
“المكتب السياسي يتخذ بالإجماع قرار مغادرة الحكومة ويعرضه للمصادقة على دورة خاصة للجنة المركزية يوم الجمعة المقبل
لقد جاء قرار مشاركة حزب التقدم والاشتراكية في
الحكومتين السابقة والحالية في سياق تاريخي مفصلي في مسار وطننا وشعبنا، استدعت أن
يكون الحزب قوة فاعلة في مرحلة ما بعد الخطاب الملكي ليوم 09 مارس واعتماد دستور
2011 وما فتحه من آفاق بناء دولة المؤسسات القائمة على العدالة الاجتماعية والحرية
والكرامة.
ويعتز الحزب بإسهامه الواضح في ما تحقق من تقدم لصالح بلدنا، سواء منذ بدأ مشاركته
في تدبير الشأن العام مع حكومة التناوب التوافقي، أو خلال المرحلة التأسيسية لما
بعد الدستور الجديد وذلك على مستويات عدة، خاصة فيما يرتبط بتعزيز التراكم
الديموقراطي، وتقوية البناء المؤسساتي، والتعاطي الفعال مع العديد من الملفات
والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات الصلة بالمعيش اليومي
للمواطنات والمواطنين.
كما ظل حزب التقدم والاشتراكية، طيلة الفترة الأخيرة، يؤكد على حاجة البلاد إلى
نفس ديمقراطي جديد من أجل إستئناف مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي
وفتح آفاق جديدة تمكن من المضي قدما في بناء المغرب الحداثي والمتقدم القائم على
العدالة الاجتماعية والتضامن.
لقد ظل الحزب يحمل هذا النداء، ويترافع حوله في ساحة النقاش العمومي، ومن خلال
المواقف المتواترة المعبر عنها من قبل هيئاته القيادية، من لجنة مركزية ومكتب
سياسي، وذلك في محطات عدة ومناسبات متنوعة، لعل أبرزها المؤتمر الوطني العاشر
للحزب سنة 2018 الذي انعقد تحت شعار “من أجل نفس ديمقراطي جديد”. كما ظل حزب
التقدم والاشتراكية متطلعا إلى التجاوب المطلوب من قبل باقي الفاعلين السياسيين
والمجتمعيين، في إطار نقاش وطني هادئ ومتزن ومسؤول، يمكن من رفع تحديات المرحلة
التاريخية التي تجتازها بلادنا مع كل ما يكتنفها من تعقد وصعوبات.
ولطالما سعى حزب التقدم والاشتراكية، من موقعه داخل الأغلبية الحكومية، إلى الدفع
في اتجاه التركيز على الإصلاحات الكبرى الواجب إنجازها في المجالات والقطاعات ذات
الأولوية، وتقوية الحضور السياسي للحكومة وجعل مكوناتها قادرة على الاضطلاع الجدي
بدور الوساطة قصد حمل قضايا المواطنات والمواطنين والتفاعل معها، في إطار حياة
سياسية سوية وسليمة تمكن من إعادة الثقة لفئات اجتماعية واسعة، وخاصة الشباب،
وتحدث التعبئة الضرورية لإنجاز وإنجاح أي إصلاح.
وفي
المقابل، سجل حزب التقدم والاشتراكية، بأسف، أن الأغلبية الحكومية الحالية، ومنذ
تأسيسها إلى اليوم، وضعت نفسها رهينة منطق تدبير حكومي مفتقد لأي نَفَس سياسي
حقيقي يمكن من قيادة المرحلة، والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة، وخيم
على العلاقات بين مكوناتها الصراع والتجاذب والسلبي وممارسات سياسوية مرفوضة، حيث
تم إعطاء الأولوية للتسابق الانتخابوي في أفق سنة 2021، وهدر الزمن السياسي الراهن
مع ما ينتج عن ذلك من تذمر وإحباط لدى فئات واسعة من جماهير شعبنا.
ونتيجة لغياب الحد الأدنى من التماسك والتضامن بين مكونات الأغلبية، تعمق لدى فئات
واسعة من المواطنات والمواطنين فقدان الثقة في العمل السياسي، خاصة بعد العجز
الحكومي في التفاعل الايجابي والسريع مع ما تم التعبير عنه من مطالب اجتماعية ملحة
من قبل بعض الفئات الاجتماعية والمجالات الترابية، في وقت يعرف فيه النمو
الاقتصادي بطئاً واضحاً، وعجز النموذج التنموي الحالي على إيجاد الأجوبة الملائمة
للإشكاليات المطروحة على صعيد تطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية
والمجالية.
إن هذه الوضعية وما يميزها من أجواء وعلاقات بين فرقاء داخل الأغلبية السياسية،
التي من المفروض أنها تتأسس على برنامج حكومي متوافق عليه، ومؤطرة بميثاق أخلاقي
وتعمل بشكل متضامن، ( هذه الوضعية) هي التي عمقت من حالة الحيرة والقلق
والانتظارية التي انتشرت وتنتشر في أوساط مختلفة من المجتمع، وهو ما سبق لحزب
التقدم والاشتراكية، في العديد من المناسبات، أن نبه إلى خطورته على مستقبل البلاد
والمشروع الإصلاحي الذي تنشذه. بل إن بعض المبادرات والإجراءات الإصلاحية التي لها
أهميتها، لم تُوَفَّق الحكومة وأغلبيتها في حملها سياسيا بالقدر الكافي لشحد
الهِمَم وإنارة الطريق وضمان الانخراط الفعلي للفئات الاجتماعية المعنية وتعبئة
الرأي العام حول المشروع الاصلاحي الذي التزمت به الحكومة.
وفي هذا السياق، يسجل حزب التقدم والاشتراكية، باعتزاز، المضامين الهامة للخطب
الملكية السامية طيلة الفترة الأخيرة، والتي ما فتئت تدعو الحكومة إلى اتخاذ ما
يتعين من مبادرات قصد إنجاز الإصلاحات المطلوبة في العديد من المجالات، خاصة منها
ذات الارتباط المباشر بالحياة اليومية للمواطنات والمواطنين، ودون أن تتمكن الحكومة
من أن تكون في الموعد.
ويجسد خطاب العرش لسنة 2019 محطة أساسية في هذا المسار، حيث وقف جلالة الملك على
الثغرات والنقائص التي تعتري العمل الحكومي، مشددا على ضرورة التعاطي الجدي مع
معضلة محدودية قدرة الاقتصاد الوطني والآلة الانتاجية على خلق الثروة وتوفير
الشغل، وإشكالية العدالة الاجتماعية والمجالية التي تمكن من جعل أوسع فئات جماهير
شعبنا، في مختلف المناطق والجهات، خاصة المجالات الترابية المقصية، في هوامش المدن
وفي الأرياف والقرى والجبال، تَلْمَسُ أثر الإصلاح في الاستجابة إلى مطالبها
المشروعة وحاجاتها الملحة، وعلى هذا الأساس كان الطلب الملكي بإجراء تغييرات في
مناصب المسؤولية في الحكومة والإدارة.
ومنذ إطلاق السيد رئيس الحكومة للمشاورات المتعلقة بالتعديل الحكومي، حرص حزب
التقدم والاشتراكية، في تفاعل مع توجيهات خطاب العرش، على التأكيد على أولوية
المدخل السياسي للتعديل الحكومي الذي يجب أن يتأسس على مضمون برنامجي إصلاحي طموح،
تحمله إرادة سياسية قوية معبر عنها بوضوح، وحضور ميداني متواصل يحدث التعبئة
المرجوة.
كما يسجل حزب التقدم والاشتراكية، بأسف، أنه عوض أن يتم أخذ كل ما سبق بعين
الاعتبار، ظلت المشاورات المتصلة بالتعديل الحكومي حبيسة منطق المناصب الوزارية،
وعددها، والمحاصصة في توزيعها، وغير ذلك من الاعتبارات الأخرى، دون النفاذ إلى
جوهر الموضوع، حيث لا إصلاح دون المدخل السياسي الواضح، والبرنامج الحكومي الطموح
المرتكز على الأولويات الأساسية، والإرادة القوية في حمل مشروع الإصلاح ورفع
تحدياته وربح رهاناته.
لذلك،
وبعد تداول معمق لموضوع التعديل الحكومي من مختلف جوانبه خلال اجتماعات عديدة طيلة
الأسابيع الأخيرة، في إطار من الجدية والاتزان والمسؤولية، يعتبر المكتب السياسي
لحزب التقدم والاشتراكية أن الوضع غير السوي للأغلبية الحالية مرشح لمزيد من
التفاقم في أفق سنة 2021 كسنة انتخابية، مما سيحول دون أن تتمكن الحكومة من
الاضطلاع بالمهام الجسام التي تنتظرها، ولا أن تتجاوب بالقدر اللازم مع التوجيهات
الملكية المؤطرة لهذا التعديل.
لذا، وتأسيسا على كل ما سبق، يعلن المكتب السياسي، بأسف شديد، أنه اتخذ قرار عدم
الاستمرار في الحكومة الحالية، على أساس أن يظل، من أي موقع كان، حزبا وطنيا
وتقدميا يعمل من أجل الإصلاح والديمقراطية ويناضل من أجل تغيير أوضاع بلادنا
وشعبنا نحو الأحسن، معبئا في ذلك وراء صاحب الجلالة، ومصطفا إلى جانب كافة القوى
المجتمعية الديمقراطية الحية والجادة، وساعيا إلى الإسهام في النهوض بدور وموقع
ومهام اليسار في بلادنا، يساند بروح بناءة كل المبادرات الإيجابية، ويناهض بكل قوة
كل ما من شأنه أن يقوض جهود بلادنا وتضحيات جماهير شعبنا من أجل بناء مغرب التقدم
والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
ويعلن المكتب السياسي أنه سيوجه الدعوة لانعقاد دورة خاصة للجنة المركزية، يوم
الجمعة المقبل (4أكتوبر 2019) قصد تدارس هذا القرار والمصادقة عليه وذلك طبقا للقانون
الأساسي للحزب”.