بلغت مبيعات الصحف المغربية مجتمعة (18 صحيفة يومية ) ما بين شهري يناير ومايو 2021 (خمسة أشهر) 178 ألفا و25 نسخة، بمعدل يومي قدره 35 ألفا و597 نسخة، وذلك حسب معطيات إحصائية خاصة .
وتوزع معدل المبيعات اليومية، ما بين 196 نسخة و11 الفا و49 نسخة، كما أن سبعة من الصحف الـ 18 تبيع أقل من 500 نسخة في اليوم، بينما لم تتجاوز أربع صحف يومية بالكاد عتبة 200 نسخة، في حين سجلت صحفيتين اثنتين معدل مبيعات يومي يقل عن ثلاثة الاف نسخة. أما أعلى معدل مبيعات يومي فسجلته صحيفة واحدة بواقع 11 الفا و49 نسخة، تليها صحيفة يومية أخرى التي تجاوزت سقف 10 آلاف نسخة بقليل (10 الاف و238 نسخة).
ومقارنة مع عام 2020، بلغ معدل مبيعات الصحف اليومية، 51 ألفا و652 نسخة، وهو ما شكل تراجعا بمعدل 16 ألفا و55 نسخة، في حين بلغ اعلى معدل مبيعات يومي لصحيفة واحدة خلال العام الماضي 13 الفا و186 نسخة .
350 ألف نسخة مبيعات يومية حتى نهاية الألفية الثالثة
وكانت الصحف اليومية المغربية تسجل الى غاية نهاية الألفية الثالثة، معدل مبيعات يومي يزيد عن 350 الف نسخة، في الوقت الذي حققت فيه إحدى الصحف الصادرة بالدار البيضاء، رقما قياسا ما زال صامدا حتى الآن برقم بلغ 200 ألف نسخة.
ما هي أسباب هذا التراجع الكبير في مبيعات الصحف المغربية التي كانت الى وقت قريب آلية لتشكيل الرأي العام، وأداة مراقبة جماهيرية؟
هل يعود ذلك لعوامل موضوعية أم ذاتية؟ أم هما معا؟، هل هناك “مؤامرة” تحاك في السر للحد من “انتشار وإشعاع” الصحافة الورقية الذى بدأ في التراجع بسبب الثورة الرقمية؟، من المستفيد من ذلك؟ أسئلة عديدة تتناسل أمام كل من هو بصدد تشريح واقع صحافة تعيش “قصة موت غير معلن””.
تساؤلات قلقة
هذه تساؤلات باح بها لإيلاف المغرب أحد الإعلاميين المخضرمين فضل عدم ذكر اسمه، والذي خبر السياقة في منعرجات الصحافة، بأحلامها وعنفوانها وانكساراتها أيضا، وما زال مواكبا بنشاط وشاهدا على ماضي عصر الورق واندحاره أمام اكراهات وتحديات التكنولوجيا الحديثة التي أتت على الأخضر واليابس، وفي ظل تراجع منسوب مصداقية الصحافة والاعلام التي كان يحظى بها في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي لدى الرأي العام.
وإذا كانت لتداعيات جائحة كوفيد 19 المستجد، جانب مهم من المسؤولية في تراجع حجم توزيع الصحف المغربية، ونسب مبيعاتها في الزمن الراهن، الا أنها بالمقابل استفادت من “منشطات ” الدعم الاستثنائي الذي خصصته الحكومة ابتداء من يونيو 2020، في اطار خطة لإنقاذ المؤسسات الصحافية التي تعاني أزمات حادة، بسبب تداعيات فيروس كورنا، وتراجع أعداد المبيعات وعائدات الإعلان، وصلت قيمته إلى 243 مليون درهم (24,3 مليون دولار)، فضلا عن تخصيص دعم مباشر للصحافيين والعاملين في المقاولات الصحافية قيمته 75 مليون درهم (7,5 مليون دولار)، مع دعم مماثل لتسديد مستحقات الموردين، وتخصيص 30 مليون درهم (3 مليون دولار)، منها 1,5 مليون دولار لطباعة الصحف الورقية خاصة في المطابع التي تطبع أزيد من 500 ألف نسخة، و1,5 مليون دولار الأخرى لفائدة الشركة العربية الأفريقية للتوزيع والنشر والصحافة (سابريس).
تباين الآراء حول الدعم الحكومي
إن هذا الدعم الحكومي للصحافة الذي تجاوز حجمه، حسب الفيدرالية المغربيَّة لناشري الصحف، 3.4 مليون دولار، تتباين حوله آراء المهنيين والمتابعين للشأن الصحافي والإعلامي. فالفيدرالية تعتبر أن هذا الدعم الاستثنائي، اتسم في الغالب بالتفاوتات الصارخة في توزيعه على 140 مقاولة فقط، بناء على ما وصفته بـ “معيار أداء الأجور الأوحد الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يجسد فلسفة دعم حق المجتمع في إعلام متعدد ومستقل ورصين.”
وترى الفيدرالية في بيان لها أن الدعم العمومي للصحافة الذي وصلت فيه استفادة مقاولات صحافية محدودة الى أرقام فلكية” لا يجب أن يكون إلا جزءا من حياة المقاولة الصحافية التي يفترض أن تعيش أساسا بقرائها ومعلنيها، في إطار نموذج اقتصادي يضمن استقلاليتها واستدامتها”، معبرة عن اعتقادها أن أي تصور لأي منظومة دعم جديد لابد وأن يأخذ بعين الاعتبار دعم الدور الذي تقوم به هذه الصحافة وتأثيرها وليس مأسسة معايير دعم استثنائي كانت له ظروفه ودواعيه الوبائية المعروفة.
خسائر القطاع
وكانت خسائر قطاع الصحافة قد بلغت 243 مليون درهم (24,3 مليون دولار) خلال ثلاثة أشهر فقط، نتيجة قرار وقف طبع الصحف الورقية. كما عرفت إيرادات الإعلانات تراجعاً مهولاً بنسبة 110 في المائة، ما بين 18 مارس و18 مايو 2020، وذلك بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2019، كما جاء في تقرير أصدره المجلس الوطني للصحافة حول آثار الجائحة على قطاع الصحافة بالمغرب.
لم يكن فيروس كورونا السبب الوحيد لبداية تراجع الصحافة الورقية، اذ تفاقمت وضعيتها، قبل انتشار الجائحة حيث سجلت مبيعاتها انخفاضاً كبيراً بمعدل 33 في المائة بالنسبة للصحف اليومية، و65 في المائة بالنسبة للصحف الأسبوعية، و58 في المائة فيما يخص المجلات، على الرغم من أن جائحة كوفيد 19 زادت من حجم التحديات التي تواجهها الصحافة المكتوبة على غرار بقية دول العالم. وضاعف من هذه الصعوبات قرار إغلاق المقاهي، التي تشكل مصدراً مهماً لترويج الصحف (تمثل 85 في المائة من المبيعات، وتراجعت ما بين 2010 و2018 بنسبة 50 في المائة، وسجلت فيما بعد نسبة 72.4 في المائة).
هذه المعطيات تبين بأن جراح الصحافة الورقية في المغرب، لم تكن بحاجة إلى الجائحة، حتى تتعمق في ظل ما تعرفه من أزمة خانقة تعيشها منذ فترة غير قصيرة، وتزداد بضراوة وقسوة، وتنعكس سلبياتها على واقع انتشار الصحافة، الذي تقلص إشعاعها وتفاقمت أوضاعها المادية وطواقمها الصحفية.
إعادة النظر في آليات تدبير الصحافة الورقية
في ظل هكذا وضع، أصبح مطروحا بحدة، إعادة النظر في آليات تدبير الصحافة الورقية، وفق نموذج اقتصادي جديد، يتلاءم مع المتغيرات الراهنة وذلك بالاعتماد على الفرص التي توفرها الثورة الرقمية، والتي أسهمت في تحول كبير في طرق التواصل بين الأفراد والجماعات، ومعها تغيرت أساليب اشتغال الصحافة والإعلام.
كما أن المطلوب، فتح نقاش حول “الصحافة المقيدة بإطار المعايير الأخلاقية”، كضرورة لاستعادة ثقة الرأي العام، باعتبار أن القيم الأساسية -مثل الدقة والاستقلالية والمعالجة المسؤولة للخبر- التي تطورت على مدى الـ 150 عاما الماضية، تظل قيما ثابتة وعلى نفس الأهميّة، حتى في هذا العصر الرقمي، وذلك بالموازاة مع إدراج التربية الإعلامية ضمن البرامج والمقررات الدراسية، كما هو شأن المواد التعليمية الأخرى.
المصدر: إيلاف المغرب