بعد أكثر من عامين من تفشي وباء كورونا، الذي أودى بحياة الملايين، وبعدما تم إعطاء أكثر من عشرة مليارات جرعة مضادة للفيروس، تتسابق دول العالم حاليا لإلغاء الإجراءات التي كانت فرضتها لمكافحة الجائحة، رغم تزايد الإصابات في عدة دول بشكل ملحوظ.
وتقول وكالة بلومبرغ للأنباء في تحليل لها إن “حقبة قيود كورونا” تسير سريعا إلى خط النهاية، ولكن ذلك لا يعني أن الجائحة قد انتهت.
فحتى ألمانيا، التي تتحرك ببطء، تعتزم إلغاء القيود هذا الأسبوع، رغم الأعداد القياسية اليومية من الإصابات.
ودعا وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك السبت، الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، إلى وضع خطة لتخفيف قيود مكافحة كورونا، تدريجيا، وذلك خلال الاجتماع المقرر بين الطرفين يوم الأربعاء المقبل.
كما لحقت النرويج أمس بكل من الدنمارك والسويد، وألغت معظم قيود مكافحة كورونا بما في ذلك الارتداء الإجباري للكمامة وقاعدة التباعد المكاني لمسافة متر واحد.
ويقول المسؤولون، بحسب تحليل بلومبرغ إن هذه القرارات تستند إلى العلم والبيانات، ولكن الأمر له علاقة أيضا بالسياسة والإجهاد والإحباط.
وفي حين أن العالم قد تغير منذ عام 2020، كما يوجد ما يبرر هذه السبل الجديدة، يحذر مسؤولو الصحة من أن فيروس كورونا لا يزال جزءا من الواقع.، فهو لا يزال ينتشر، وقد تخرج عنه طفرات جديدة، وربما يشهد الشتاء المقبل زيادة موسمية كبيرة. وبالنسبة للمسؤولين، يبدو أن الحكومات، تتسابق للوصول لهدف ما، لكنه لا يمثل خط النهاية تماما.
ونقلت بلومبرغ عن كبيرة العلماء لدى منظمة الصحة العالمية، سومية سوامينثان، القول إنه “من قبيل الحمق” في الوقت الحالي إسقاط جميع التدابير الاحترازية. وباستثناء الصين، التي تتشبث بسياسة “صفر كوفيد”، صار التزام الحذر تجاه الجائحة أمرا صعبا للغاية بعد عامين من القيود التي خلفت اضطرابات في جميع نواحي الحياة، من العمل إلى التسوق، وإلى السفر. وأصابت عمليات الإغلاق، وهي أشد إجراءات مكافحة الجائحة، معظم الاقتصادات بالشلل، كما أدت إلى الاستغناء عن موظفين، وأطلقت العنان لعمليات اقتراض هائلة من أجل دعم الاقتصادات.
وبحسب التحليل، يتعلق الأمر بأمور أكبر بكثير من الأموال، فقد أودت الجائحة بحياة حوالي ستة ملايين شحص في أنحاء العالم. ومما فاقم من الحزن عدم القدرة على المشاركة في تشييع الأحباب إلى مثواهم الأخير بسبب إجراءات مكافحة الجائحة.
ومن ناحية أخرى، وضعت المعركة ضد الجائحة السياسة في مواجهة العلم، حيث أدت إلى احتجاجات، كما هو الحال في أزمة سائقي الشاحنات في كندا بسبب صدور قانون جديد دخل حيز التنفيذ في 15 كانون الثاني/يناير، أصبح عليهم بموجبه الحصول على التطعيم الكامل ضد الفيروس. كما تداخل الأمر مع الاختلافات الأيديولوجية، التي عمقت الانقسامات المجتمعية.
وتقول سومانيثان في مقابلة مع خدمة “بلومبرغ كويكتوك” الإخبارية: “كان أمرا مؤسفا أن نرى الهجوم على العلم والعلماء”، مضيفة أن الهجوم “ازاداد قوة مع استمرار الجائحة، وصار لديه قدرة على إحداث قدر كبير من الضرر”.
وكان رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، قام بتسريع وتيرة خطط تخفيف قيود كورونا مؤخرا، حيث أعلن أنه سيتم رفع آخر هذه الإجراءات نهاية الشهر الجاري. وفي جنوب أفريقيا، حيث تم اكتشاف المتحور أوميكرون لأول مرة، تم التخلي عن قواعد العزل الذاتي. وتقدم المملكة المتحدة نموذجا رئيسيا على العوامل المتعددة الفاعلة، وعلى سبب قلق البعض إزاء تحرك بعض الحكومات بسرعة كبيرة.
صحيح أن معدل التطعيم في المملكة المتحدة تجاوز 80 % وتلقى أكثر من نصف السكان جرعات تنشيطية، كما تراجع عدد الحالات المصابة بكورونا بشكل كبير منذ وصلت إلى الذروة في كانون الأول/ديمسبر الماضي، ولكن تزامن مع كل هذا اتهامات لجونسون بأنه يسعى إلى صرف الانتباه عن الحفلات التي أقيمت بمقر رئيس الحكومة أثناء الإغلاق العام في البلاد، وهو ما يهدد مستقبله السياسي في منصبه.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة اجتذاب الناخبين للعودة إلى الحياة الطبيعية، أو إلى “الحرية”، يظل هناك بعض الغضب، الذي يتعلق معظمه بعمليات التطعيم. وتخاطر فرنسا بإثارة احتجاجات جديدة، مثل تلك التي تشهدها كندا والتي تسببت في ضرر كبير لقطاع الشركات والأعمال.
وثمة مخاوف في أوساط خبراء الصحة العامة، من أن الساسة لم يتعلموا الدرس من أزمة الجائحة، خاصة فيما يتعلق بالقيود التي يتم فرضها بين الحين والآخر، وسيشكل الأمر مفاجأة غير سارة إذا ما حدثت أي انتكاسة.
ونقلت بلومبرغ عن عالم الفيروسات ستيفن جريفين، من جامعة ليدز قوله: “على مدار العامين الماضيين، لم نستغل فرصة فصلي الربيع والصيف، حيث تحد السلوكيات من انتشار الجائحة، ولم يتم استغلال السيطرة التي تحققت بصعوبة بفضل عمليات الإغلاق القاسية”. وأضاف جريفين أنه ثبت أن الوعود بعدم الحاجة لمزيد من القيود مستقبلا، كانت جوفاء.
وفي ظل حالة الغموض بشأن المتحورات الجديدة من كورونا، واحتمال حدوث زيادة كبيرة في الإصابات، وأيضا مخاطر اندلاع أوبئة مستقبلا، يتعين على السلطات أن تستعد لذلك، بحسب ما ذكره ريتشارد هاتشيت، رئيس ” تحالف ابتكارات التأهب الوبائي”، ومقره أوسلو، عاصمة النرويج. وأضاف هاشيت، وهو مستشار سابق بالبيت الأبيض، في مقابلة: “من المرجح أن يستمتع الناس ببعض الراحة التي يستحقونها عندما ينحسر المتحور أوميكرون، ويتحتم على الحكومات ألا تنسى أننا لا نعرف ماذا سيحدث غدا”.
وأوضح هاتشيت أن توسيع نطاق إجراء الاختبارات المنزلية، وتحسين التهوية في المباني العامة، وتعزيز جهود تتبع طفرات فيروس كورونا، وتطوير لقاحات وأدوية أكثر فعالية لمواجهة نطاق واسع من المتحورات، والأمراض الأخرى، تشكل جميعا جزءا من الأدوات التي يتعين التسلح بها.
وأوضح هاتشيت أن “خلاصة القول هو أنه من منظور الحكومة، ومن منظور إدارة المخاطر، علينا أن نضخ مزيدا من الاستثمارات، مع توقع أننا قد نواجه سيناريو سيئا، حتى ولو كان الأمر أقل احتمالا.”
(د ب أ)