وكالات – كريمة حاجي)
لا شك أن يوم 20 مارس 2020 سيبقى خالدا في ذاكرة جميع المغاربة، ففيه تم الإعلان عن فرض حالة الطوارئ والحجر الصحي في جميع أنحاء المملكة، حماية للمواطنين من وباء يزحف بسرعة مخيفة، وذلك رغم ما قد يترتب عنه من تداعيات وخيمة على الاقتصاد الوطني. فحفظ صحة المغاربة والحد من تفشي جائحة كورونا شكلا الهاجس الأهم حينها.
وقد أبان المغاربة عن حس كبير بالمسؤولية حيث التزموا بالإجراءات التي فرضتها السلطات العمومية في هذا الإطار، واقتصر خروجهم من منازلهم على قضاء الحاجيات الضرورية من تبضع واستشفاء وعمل بالنسبة للقطاعات الحيوية، مما ساهم في خفض معدلات الإصابة بالفيروس وإبقائها تحت السيطرة خلال الفترة التي شملها الحجر.
والأكيد أن كل واحد منا سيحتفظ بذكريات خاصة عن هذه التجربة الإنسانية الاستثنائية التي مكنت الكثيرين من إعادة النظر في أمور حياتهم، وترتيب أولوياتهم وتعلم الكثير من المهارات التي كانوا لا يحتاجونها في ما قبل.
وعلى المستوى الأسري، ستتذكر العديد من الأسر المغربية فترة الحجر الصحي من خلال أوقات ممتعة قضاها أفرادها، في إطار من التعاون والتماسك، في التعلم والعمل عن بعد وابتكار أنشطة رياضية وترفيهية متنوعة رغم ضيق فضاء المنزل، في حين سترتبط هذه المرحلة في أذهان أسر أخرى بلحظات من التوتر وعدم الارتياح والضغوط النفسية التي هزت استقرارها، ونجمت عنها في بعض الأحيان سلوكيات عنيفة.
ورغم المعطيات والتقارير التي أصدرتها بعض المؤسسات البحثية وجمعيات المجتمع المدني، والتي تؤشر على أن فترة الحجر الصحي شهدت بشكل عام تشنجا واضطرابا في أوساط الأسر، لاسيما تفاقم العنف، خاصة ضد النساء، وتزايد حالات الطلاق وانتشار الاضطرابات النفسية والسلوكية في صفوف العديد من الفئات العمرية، إلا أن الوقت لا يزال مبكرا، بحسب علماء الاجتماع والأخصائيين النفسيين، للوقوف عند الانعكاسات الاجتماعية والنفسية الحقيقية التي خلفها الحجر.
وفي هذا الصدد، قال المتخصص في علم النفس الاجتماعي، المصطفى شكدالي، إن رصد تأثير الحجر الصحي على الأسر المغربية يطرح عدة أسئلة بحثية لابد من الغوص فيها ميدانيا حتى نتمكن من الوصول إلى معلومات دقيقة، مشيرا إلى أن الظرفية الحالية لا تتيح ذلك على اعتبار أن الوباء مازال يواصل الانتشار.
وأوضح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه عموما، وضعت تجربة الحجر الصحي المشدد ما بين مارس ويونيو الماضيين الأسر المغربية في محك، خاصة الأسر التي تعيش في منازل ضيقة، مؤكدا أن العالم الخارجي كان يلعب دورا تنفيسيا للأسرة، خاصة بالنسبة للشباب، حيث أدى الحجر الصحي إلى ظهور مجموعة من السلوكيات، أبرزها العنف الأسري بأشكاله المتعددة المادية والنفسية والرمزية واللفظية.
وأشار في المقابل، إلى أن هناك منطلقات مختلفة لمقاربة الأسر التي خرجت متماسكة أو تلك التي اهتز استقرارها خلال هذه الفترة. فالأسر التي حافظت على ترابطها، يضيف الأخصائي، هي تلك التي كانت خالية من العنف وتفهم أفرادها أن الحجر الصحي هو مرحلة حساسة تحتاج إلى التآزر والعودة إلى دفئ البيت وزيادة الترابط الأسري.
أما الأسر التي خرجت مفككة من تجربة الحجر الصحي، يضيف الأخصائي، فهي تلك التي عاش أفرادها حالات من التوتر والقلق والرهاب وغيرها من المشاكل السيكولوجية، التي أدت أحيانا إلى العنف داخلها، مبرزا أيضا أن التداعيات الاقتصادية للوباء التي استشعرتها بقوة الأسر التي تعيش من قطاعات غير مهيكلة وكذا نسبة لا بأس بها من الطبقة المتوسطة، أثرت بشكل قوي على استقرار العديد منها.
ومن جهة أخرى، توقف السيد المصطفى شكدالي عند الدور الذي اضطلع به الإعلام المغربي في فترة الحجر الصحي، مبرزا أنه كانت هناك نقط ضوء لوسائل الإعلام التي واكبت وأعطت الكلمة للمفكرين والعلماء والباحثين للحديث عن خصوصيات الحجر الصحي ومساعدة المواطنين على التأقلم معه.
غير أنه، يضيف الأخصائي، على الرغم من الدور الإيجابي الذي اضطلع به الإعلام في إعطاء مناعة سيكولوجية للمواطنين، إلا أنه كان يتسرب من خطاباته المتعددة نوع من الرهاب والخوف، ولاسيما كل ما يتعلق بالإحصائيات المتعلقة بنسب الإصابة والوفيات.
كما سجل في السياق ذاته، أهمية المساهمة التي قدمتها مجموعة من المنصات الرقمية التي كانت تواكب من الجانب السيكولوجي والسوسيولوجي والتربوي المواطنين طيلة فترة الحجر الصحي وتقدم لهم المساعدة اللازمة.
وخلص الأخصائي في علم النفس الاجتماعي إلى أن أجواء الترقب وانتظار العودة إلى الحياة الطبيعية، التي ما تزال سائدة داخل المجتمع، لا تسمح بإجراء تقييم دقيق لتجربة الحجر الصحي، إلا أنه يمكن القول إنها كانت بلا شك محطة تم فيها استخلاص العديد من الدروس والعبر في الحياة، سواء على مستوى الأسرة أو الأفراد.