كلما سمع آسر مدفع رمضان تدمع عيناه حينما يتذكر أسرته المتكونة من والديه وزوجته وطفلته التي لم تتجاوز ثلاث سنوات.لكن سرعان مايتمالك نفسه ويقول:’لست وحدي المكلوم،فكل فلسطين صائمة منذ أكثر من خمسة عقود…فقدت أبناءها بالآلاف ولم تذرف دمعة ،ترتدي زي الحداد،وتضع على كتفها بندقية وكفنا…ايه تمر السنون العجاف وفلسطين على حالها لم تفتح قلبها للشمس القادمة من المشرق.’ نظر آسر إلى وجبته البسيطة المكونة من قليل من الزيتون الأسود،ورغيف جاف مر عليه أربعة أيام بالكاد حصل عليه من معبر رفح.آه من رفح.كل شيء ممنوع.لم يبق سوى الهواء .كم تمنى أن يقطعوه فينفق كما الحيتان في مجيطات القطب الشمالي.ظل ينظر إلى طبق الزيتون وأنامله لاتقوى على حمل أول زيتونة إلى ثغره…يتذكر آلاف الغزاويين الذين لايجدون شيئا يفطرون عليه إلا الماء الراكد الذي يسبب الإسهال القاتل.سمع آسر صوتا مدويا ففتح نافذة غرفته بيسر حتى لايعرف أحد أنه هنا.’مشكلتنا نحن الفلسطينيين أننا نبيع القضية عشرات المرات في اليوم الواحد.كل الرموز ماتوا حتى حنظلة لم يعد أحد يتجرأ أن يرسمه،أو يسمي به مولوده’ . آسر متأكد أنه إن خرج من جحره سوف يموت لامحالة. والأدهى ببندقية فلسطيني يعتقد للأسف أن العدو سيعهدإليه بالحكم الذاتي يوما…كلما تذكر آسر هذه القصة يضحك بصوت عال،فقد شارك والده في معاهدة الصلح بالأردن،لكن التوقيع وتبادل الأسرى لازال حبرا على ورق. تأكد آسر أن لاشيء تحقق وكل مايروج في الصحافة مجرد كذب وبهتان.فجأة صرخ:’ حي على الشمس الفلسطينية لابد أن نجعلها تشرق من جديد عاجلا’ في ليلة القدر رأى آسر كل شهدائه وهو مبتسمون سعداء.كان النور يشع منهم ولايدعهم مهماغيروا وجهتهم. تذكر آسر عجوزا فلسطينية مرت من بيته تحمل جرة ماء غايتها أن تملأها بالماء الراكد في انتظار معالجته،فتذكر أن العدو الغاشم أرسل منشورات تحث السكان بالمكوث بالبيت،لكن آسر خرج،ووضع بندقية والده على كتفه،وكفنه.ظلت العجوز تنظر إليه وتدعو له بالنجاة.تلك الليلة لم يعد آسر…لكن راجت حكايات فلسطينية منها ما أكدت استشهاده في.ملهى ليلي قتل فيه عشرون جنديا ما عدا آسر.ومنهم من جعل منه بطلا يزوره ليلة الجمعة ويتلو قوله عز وجل’ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات،بل أحياء عند ربهم يرزقون’ وفي رواية أخرى ترويها العجوز الفلسطينية أنها رأته بعد منتصف الليل وهو يقتل الاسرائليين.ظلت أسطورة آسر حية في قلوب الفلسطينيين ،وبنوا له لحدا يزوره الغزاويين ليلة الجمعة وفي أياديهم الشموع متقدة .بل هناك من يدعى أن لحده تنبعث منه أصوات الشهداء،وأن هناك شجرة زيتون انبعثت لوحدها ولاتذبل أبدا.
مواهب وابداعات
يحي زروقيمنذ 8 أشهر
شكرا جزيلا لمنبركم وفي شخص الأخت الإعلامية جياة جبروني التي تدعمنا باستمرار