توالت خلال الفترة الأخيرة في المغرب عمليات تفكيك السلطات الأمنية للعديد من الخلايا الإرهابية في مختلف مناطق البلاد، آخرها ما جرى يوم الأربعاء الماضي، عندما تم تفكيك خلية مشكلة من 13 فرداً، من بينهم معتقلان سابقان على ذمة قانون مكافحة الإرهاب، وينشطون في مدن قلعة السراغنة وسلا والدار البيضاء والمحمدية.
وكانت خلية الأربعاء الإرهابية، وهي الثانية التي يتم تفكيكها منذ بداية عام 2019، بعد تفكيك خلية في الثامن من يناير الحالي، مكونة من ثلاثة أشخاص نشطوا في مدينتي الناظور والدريوش، وضبطت لديهم أجهزة إلكترونية وأسلحة بيضاء ومخطوطات تمجد الفكر المتطرف لتنظيم “داعش”.
خريطة الخلايا
ويقود الحرب ضد الإرهاب في المغرب، المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي يتبع إدارياً وأمنياً “المديرية العامّة لمراقبة التراب الوطني” (المعروفة بالاستخبارات الداخلية)، والذي تعمل فيه فرق مدربة ومتخصصة في اقتفاء آثار المجموعات الإرهابية والتصدي للجريمة المنظمة.
ووفق آخر إحصائيات رسمية صادرة عن المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي يقوده عبد الحق الخيام، فإنه منذ إنشاء هذه المؤسسة الأمنية عام 2015، تم اعتقال أكثر من 3129 شخصاً، 292 منهم لديهم سجل إجرامي، كما تم تجنيب البلاد 361 نشاطاً تخريبياً كان يستهدف بعض المواقع الحسّاسة في المملكة.
وبلغة الأرقام، فكك المكتب المركزي للأبحاث القضائية، في الفترة بين عام 2015 ونهاية 2018، زهاء 57 خلية، منها 51 لها ارتباط بـ”داعش”، وست خلايا لديها ارتباطات بما يسمى “الفيء والاستحلال”.
ويصل عدد الأجانب المعتقلين في خضم تفكيك الخلايا الإرهابية، إلى 22 أجنبياً، موزعين على الشكل التالي: 8 سوريين، 3 أفغان، فرنسيان اثنان، تركيان اثنان، إيطالي، تشادي، غيني، مصري، لبناني، روسي، وتونسي.
وأسفرت التفكيكات أيضاً، وفق المكتب، عن اعتقال 10 بلجيكيين من أصل مغربي، وخمسة فرنسيين من أصل مغربي، وإسبانيين اثنين من أصل مغربي، وفرنسي من أصل جزائري.
وتشير الأرقام المعلنة إلى تراجع عدد الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها خلال 4 سنوات، مدة عمل “المكتب المركزي للأبحاث القضائية”، حيث جرى تفكيك 21 خلية عام 2015، و19 خلية في 2016، ثم تسع خلايا في 2017، وتسع خلايا أخرى في 2018.
خصائص الخلايا المفككة
ويظلّ العامل المشترك بين الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها، كونها جميعها تنهل من “المعجم المتطرف” لتنظيم “داعش”، وأن أفراد هذه المجموعات التي تمّ تفكيكها عملوا على الدعاية والترويج لهذا التنظيم، كما خططوا لعمليات إرهابية تستهدف المسّ بسلامة الأشخاص والنظام العام في البلاد.
ويعرض الخبير في الجماعات المتطرفة، الدكتور إدريس الكنبوري، عدداً من الخصائص التي يراها تلتصق بالخلايا التي فككتها السلطات المغربية في الفترات الأخيرة، وتمجد الفكر الإرهابي وتعلن ولاءها صراحة لـ”داعش”، وعلى رأسها أن هذه الخلايا تضم شباناً صغار السنّ، أغلبهم لم يبلغ الـ20 من عمره بعد.
ويضيف الكنبوري خاصية ثانية، هي أن هؤلاء الشباب تتوزع انتماءاتهم إلى مدن مختلفة، لا إلى مدينة واحدة، ما يعني “وجود قدرة على التواصل والاتصال بين هؤلاء الأفراد من ناحية، ومن ناحية ثانية، تبرز أهمية توظيف مواقع التواصل في تكوين الخلايا المتطرفة”.والخاصية الثالثة، وفق الخبير، تتجسد في أن أفراد هذه الخلايا “لم يعودوا يأتون من مدن كبرى، مثل الدار البيضاء أو طنجة أو فاس، وهي المدن التي تعدّ مواطن لانتشار الفكر السلفي، بل أصبحوا يأتون من مدن هامشية، مثل الدريوش وقلعة السراغنة وتاوريرت وغيرها”.
وبحسب الكنبوري، فإن “هذا يعني مرة أخرى أن مواقع التواصل أصبحت تؤدي دوراً أكبر في التواصل بين الأفراد، بحيث تمحى بينهم المسافات من ناحية. ومن جانب آخر، فإن المدن الصغرى التي تعتبر عادة شبه محافظة أو مغلقة سوسيولوجياً، أصبحت مفتوحة أمام الفكر السلفي المتطرف”.
وأما الخاصّية الرابعة، فإن عدداً من أفراد هذه الخلايا تم اعتقالهم بتهمة الدعاية على شبكة الإنترنت لتنظيم “داعش”، ما يعني أن هذا التنظيم لا يزال لديه نوع من التأثير على عقول الشباب والمراهقين، رغم الهزائم التي تعرّض لها في المواقع التي كان يسيطر عليها.
ويضيف الكنبوري خاصّية خامسة وأخيرة، يمكن استخلاصها من حملة التفكيكات الأخيرة للخلايا الإرهابية في عدد من مناطق المغرب، وهي كونها جميعاً تتشكل فقط من الذكور، “خلافاً لما يحصل أحياناً في أوروبا مثلاً”، وفق تعبيره.”العربي الجديد”