صدر عن مطبعة الأمنية بالرباط في مطلع هذه السنة 2019 الطبعة الثانية لكتاب “محاضرات في المذهب الأشعري” تأليف الأستاذ الدكتور عبد القادر بطار، أستاذ العقيدة والمنطق بجامعة محمد الأول بوجدة، وخريج دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا.
تطرق الأستاذ عبد القادر بطار في هذا الكتاب إلى عدة قضايا عقدية اختص بها المذهب الأشعري السني دون غيره من المذاهب الكلامية. ذلك أن الحديث عن المذهب الأشعري كما يذكر الأستاذ:”هو حديث عن مدرسة سنية أصيلة، أسهمت بحظ وافر في تحصين المعتقد الإسلامي على طريقة أهل السنة والجماعة،كما بين الأستاذ الباحث “أن المذهب الأشعري يعد استئنافا للنظر العقلي السني الذي دعا إليه الإسلام وحث عليه. وهو أيضا امتداد شرعي لمذهب أهل السنة والجماعة الذي كان ولا يزال مذهبا رسميا لكبار الأئمة، في مقدمتهم الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه”.
من الأمور التي كشف عنها الأستاذ الباحث أن الإمام سيف الدين الآمدي (ت 631 هـ) أشار إلى أن الأشاعرة من جملة السلف، وهو من أوائل من استعمل مصطلح السلفية وأطلقه على الفرقة الناجية من الأشاعرة وأهل الحديث.
وفي هذا السياق يشير الأستاذ عبد القادر بطار أن الإمام أبا الحسن الأشعري ظهر في زمن كانت الأمة أحوج ما تكون فيه إلى شخصية علمية متنورة تتوسط الطرق، وتقف في وجه التيارات الكلامية المبتدعة التي قويت شوكتها، وكانت تزعم أنها تملك الحقيقة الدينية وحدها، من خلال فرض تأويلات عقدية لا تستند إلى منطق الشرع الحكيم الذي يجعل العقائد الإيمانية فوق طور العقل المجرد، أو تعمد إلى قراءة النصوص العقدية قراءة حرفية فتقع في التشبيه والتجسيم.
كما أشار الأستاذ الباحث إلى أن الأمة تلقت المذهب الأشعري السني بالقبول الحسن، لما لمسته فيه من “حسن الاعتقاد، مستوصب المذهب عند أهل المعرفة بالعلم والانتقاد، يوافقه في أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد، ولا يقدح في مذهبه غير أهل الجهل والعناد”.
لقد أبرز الأستاذ عبد القادر بطار في هذا الكتاب العقدي المغربي خصوصيات المذهب الأشعري السني، وحاجة الأمة إليه، وذلك انطلاقا من رؤية علمية متكاملة ترتكز على التعريف بعلم التوحيد في التداول الأشعري السني، ثم التعريف بمدارس أهل السنة والجماعة، ثم التعريف بالمدرسة الأشعرية، مع بيان العلاقة الوثيقة بين المذهب المالكي والمذهب الأشعري ثم الوقوف عند مواقف أئمة المذهب الأشعري من بعض القضايا الكلامية، كقضية الصفات في علاقتها بالذات، وقضية التأويل، وقضية التكفير بالمعاصي، وقضية تعليل الأفعال، ومعتقد أهل السنة في الصحابة -رضي الله عنهم- ثم مقاصد الإمامة العظمى في النظام الكلامي الأشعري السني وتطبيقاتها في المغرب من خلال منصب إمارة المؤمنين.
وبهذا يكون الأستاذ عبد القادر بطار قد أسهم في الكشف عن بعض الجوانب المشرقة والمهمة التي تأسس عليها المذهب الأشعري السني الذي يرجع إليه الفضل في جمع كلمة المسلمين عقديا، وتوحيد تصوراتهم عمليا، بوصفه مذهبا توفيقيا متجددا،كان ولا يزال الإطار المنهجي الأمثل لتدبير الاختلافات العقدية تدبيرا عقلانيا، يستجيب لتطلعات أمتنا الإسلامية العظيمة، ومن ثم الإجابة عن كثير من الأسئلة العقدية التي تواجه المسلمين اليوم، وفي مقدمتها خطر التكفير والإرهاب والغلو والتطرف…”