فريدة بن سليم
حظي المسلسل المصري ” الاختيار ” الذي عرض على قناة أون تيفي المصرية بمشاهدة عالية ،ولاقى استحسانا كبيرا بين أوساط المشاهد المصري و العربي . إذ تروي أحداثه قصة حياة الشهيد قائد أركان الحرب المصري “أحمد صابر المنسي” الذي استشهد في موقعة برث 2017 على يد الإرهاب الأسود الغاشم. و لعل ما لفت الانتباه أن العمل لم يجسد فقط أحداث حرب مصر ضد الإرهاب، لكنه جسد تلك الجوانب الاجتماعية و الإنسانية في شخصية القائد الشهيد منسي التي جسدها الممثل المصري أمير كرارة. لتأخذ الشخصية بعدا إنسانيا من خلال رصد تلك العلاقات الإنسانية و الاجتماعية، و علاقته بزملائه في الجيش و الكتيبة من جهة، و علاقته مع أهل سيناء الذين ساعدوه من جهة أخرى. مما يجعل المشاهد يتعاطف مع الشخصية، و يتشارك معها تلك المشاعر و الأحاسيس. و الأهم من ذلك غيرت في نمط رسم شخصية رجل الجيش بعيدا عن تلك الشخصية الجادة و الحازمة ذات الطبيعة و التعامل العسكري، و دليل ذلك العلاقات التي جمعت القائد منسي مع زملائه، وإصراره على توطيد علاقاته معهم، و الدفاع عنهم حتى آخر نفس. ليجسد العمل ملحمة وطنية خلال رصد شخصية الجندي الحامي للوطن و رفع شعار الوطن و المواطنة في أفضل صورها ،و إظهار بطولات رجال الجيش المصري في مواجهة الإرهابيين و التفكفيريين أصحاب الفكر المتطرف الذين اعتبروا الجيش طواغيت يجب قتلهم. ولتعيدنا تلك الأحداث بالذاكرة لبطولات 73 على الرغم أن العدو اختلف هذه المرة لكن تظل سيناء حاضرة في كل قصة بطولية في مصر. على الرغم من أن مفهوم الإرهاب لم يختلف طرحه عما تم تناوله سابقا، من خلال تلك الجماعة التي تتبنى العنف، التطرف ، الغلو و التشدد ، و ربط تلك الجماعات التكفيرية بالحرمان ، الانحراف، الجهل و الظلم الاجتماعي ،والتي تظهر نتائجها على شكل عنف وقتل للنفس البشرية باعتبارهم ذلك هو الجهاد. .
و على الرغم من أن المسلسل جمع بين الواقع و خيال المؤلف لكن تلك الثنائية كانت الخلطة السحرية لنجاح هذا العمل الدرامي ، فلم تجعل المسلسل يفقد واقعيته .خاصة أن صناع العمل في تصويره لشخصية المنسي كانت بناء على شهادات زملائه، و من عايشوه في حياته. والقائد منسي لم يكن مجرد ضابط بوحدات الصاعقة، لكنه كان مثقفا ذو عقيدة فكر معتدل.ولعل هذا ما حرص صناع العمل إظهاره من خلال حرصه على تلاوة القرآن و الاستشهاد بالآيات القرآنية، و هذا ما غرس بدوره في أفراد كتيبته .كما أظهر العمل على أن المسلسل لا يدور فقط حول بطل واحد هو احمد منسي، لكن يدور حول مجموعة أبطال لكل منهم قصة تستحق أن تروى ، من أصغر مجند و رتبة إلى أعلى رتبة ، وكل منهم مات بشرف، وهو يدافع عن زملائه قبل أن يدافع عن وطنه .
ليرصد تلك الشخصيات التي تتمتع بروح نضالية حقيقية، وكانت تلك الأحداث المصورة تحمل دلالات سياسية وطنية وحتى إنسانية.كما عرض المسلسل واقعة كان لها بعدها الوطني و الإنساني تمثلت في موقعة البرث ، ذلك الهجوم الإرهابي الذي شنته الجماعات التكفيرية على كمين برث بمدينة رفح المصرية في 7 يوليو عام 2017 ، وقد أسفر عن ذلك الهجوم استشهاد أحمد صابر المنسي قائد الكتيبة 103 ، ومعه عدد من أفراد الكتيبة في كمين «مربع البرث».بعد معركة شرسة دافعوا فيها بشراسة دفاعا عن تلك المنطقة الحيوية التي كانت مطمعا للعديد نظرا لموقعها اللوجيستي و الأمني،إذ تربط بين وسط سيناء من جهة ورفح والشيخ زويد من جهة أخرى. كما أنها تقع في المنطقة(ج) حسب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و إسرائيل. وبذلك استطاع العمل أن يصور عمل حرب بامتياز من خلال المشاهد المصورة في أرض المعارك ضد التكفيريين و المداهمات ،إذ استغلت فيه إمكانيات عسكرية هائلة يجعل المشاهد يعيش نبض ذلك الحدث ،ولم يكن ذلك بالجديد على المخرج” ميمي بيتر “الذي سبق و اخرج فيلم الحرب”حرب كرموز 2018″. و كما عكس العمل صراع الحق و الباطل.، من خلال شخصية القائد منسي و هشام عشماوي الذي انقلب على جماعته للانسياق وراء تلك الجماعات الإرهابية،وقاد العديد من العمليات الإرهابية ضد أبناء بلده .و ظل ذلك الصراع يحرك تلك الأحداث الدرامية في المسلسل. و لعل عنوان المسلسل الاختيار يظهر اختيار كل شخص في الحياة في أن يكون بطل شهيد يدافع عن وطنه أو خائن لوطنه، و الاختيار بين عقيدة الاعتدال أو عقيدة التطرف. خاصة أن فريق العمل قد أعلن أن الأحداث المصورة حقيقية، مما جعلها تحقق مصداقيتها لدى المشاهدين، وليعرض تلك الصور التي لم يشاهدها الشعب المصري من قبل في عرض أشبه بعرض وثائقي. بما في ذلك عرض شهادات حية للناجين في الحلقة الأخيرة . كما استطاع العمل تعزيز القيم السياسية من اعتزاز بالانتماء الوطني، وإرساء قيم البطولة و التضحية و الدفاع عن الوطن من خلال الإشادة بالبطولات في منطقة سيناء في محاربة الإرهاب . المعركة التي خاضتها مصر منذ سنوا ت مما ترك أثرا ايجابيا على المشاهد المصري الذي تفاعل مع أحداث المسلسل على مواقع التواصل الاجتماعي مفتخرا بالبطولات والأمجاد وتمكّن من الاقتراب من غور الجرح. و على الرغم أن المسلسل انتهى باستشهاد القائد منسي و كتيبته .إلا أن أغلبية المشاهد أثارت الشجن و الأسى من جهة،و الإحساس بالفخر بالملحمة البطولية من جهة أخرى. ليعكس العمل لذة الانتصار من خلال الثأر لاستشهاد المنسي و أفراد كتيبته من خلال تدمير الجيش لمختلف معاقل الجماعات الإرهابية ، و اعتقال الإرهابي الهارب الى ليبيا” عشماوي”، و إعدامه. وليكن هذا العمل بمثابة الوجه المشرق للدراما المصرية بعد سنوات من الغيبوبة و التخبط، والدوران فقط في فلك قصص الحب و التسلية و الكوميديا وقصص العنف الاجتماعي. ويبقى السؤال الذي يطرح أين يبقى توجيه الدولة لهذه النوعية من الأعمال، و الرسائل التي تحاول توصيلها للمشاهد بطريقة أو بأخرى عبر الصور المرئية في إطار الأعمال الدرامية خاصة أن الفن المصري ظل لسنوات يعيش في كنف السلطة.