– مصطفى قشنني
في خضم الزيارة التي قام بها مؤخرا سلطان سَلطنة عُمان هيثم بن طارق إلى الجزائر، لفكّ عزلة هذه الأخيرة عن محيطها الإقليمي والدولي، استرعى انتباهي الهدية الرمزية التي أهداها الرئيس تبون إلى السلطان، وهي عبارة عن بغل أصيل، لا تنقصه إلا الفصاحة ليُعبّر عن سوء مآله وتندّره من الإحراج الذي وقع فيه، دون أن يكون له يد في من أهدى ومن قبل الهدية، الرئيس تبون الطاعن في الرعونة والمكر، والسلطان هيثم بن طارق الذي جسّدت بلاده – كقوة ناعمة – مواقف مهمة للسلام والمصالحة بين أمم وشعوب المنطقة..كما أن هذا البلد الخليجي لا نية سيئة تغلّف مواقفه الصريحة الداعمة للوحدة الترابية للمملكة، والتي يعبّر عنها في كل حين وآن، أما تبون فيُحاول من خلال دهائه الفج هذا، أن يُظهر “أصالة” مواقفه ويديه البيضاء الناصعة التي تشبه لون البغل الهدية، الذي هو من صنف الحيوانات الهجينة الناتجة بين تزاوج أنثى الفرس وذكر الحمار، وهو حيوان عقيم مثل عقم السياسة الجزائرية الضاربة في المكر والدسائس وصناعة العدو، كما أن البغل يمتاز بالعناد فيُقال: “عنيد كالبغل” وهو لَعَيني ما يُميّز دولة الكراغلة، التي تدافع دائما عن شعار: “معزة ولو طارت” بالأظافر والمخالب والأنياب.
أسجّل كذلك أن البغل نصف حمار وان افتخر بنصف حصان، فهو كثير التبجّح بأصوله الحصانية ومنعدم الإفتخار بأصوله الحميرية، إن لم يكن أشدّ بغضا وانكارا لها وتندّرا منها، بل وفي أحايين كثيرة يشبّه نفسه بالأسد تطاولا على الأسدية وأنتم تعلمون قصّة، البغل الذي اعتلى تلا صغيرا، فرفع ثعلب عابر ماكر نظره إليه وقال له على سبيل السخرية والتهكم: صباحك خير ويُمن يا أسد، ولظروف تمليها قوانين الغابة، اضطرت بعض القرود الوقوف خلف البغل خوفا من الركل والرفس من بقية الحيوانات، قالوا له نحن خلفك يا أسد فظنها دعما وتأييدا ومباركة ل”أسديته” المزعومة الزائفة، ومن ذلك الزمن والبغل يصدق كل من يلقبه بالأسد، وهذا أيضا ديدن دولة الكابرانات التي تعتبر نفسها القوة التي لا تُقهر في المنطقة، وبلاد الأمجاد والبطولات والقوة الضاربة – لست أدري ضاربة أين؟ –
تذكرني سياستها “البغلوية” بتاريخ مشابه مضى، ما دام البغل بالبغل يُذكر، فقد أورد العلامة عبد الرحمان ابن خلدون في تاريخه، أو بأصح تعبير في سيرته”التعريف بابن خلدون” أن الطاغية التتري تيمو لنك عبّرعن رغبته في شراء بغلة ابن خلدون غير أن هذا الأخير فضل اهداءه إياها “فابور” قائلا: مثلي لا يبيع من مثلك انما أنا خادمك بها وبأمثالها لو كانت عندي” وعند عودة ابن خلدون إلى مصر، جاء مبعوث من تيمور لنك الطاغية وسلّمه ثمن البغلة، غير أنه لم يقبله إلا بعد أن أذن له ملك مصر بذلك، وهكذا “حمد الله على الخلاص” كما جاء في سيرته، لكن السؤال التاريخي المطروح: لما أصرّ تيمور لنك على شراء بغلة ابن خلدون، ونحن نعلم أن تيمور لنك حكم وملك الشرق والغرب وأباد عُشر سكان الأرض وسلب ونهب وعاث فسادا في الحرث والنسل، وراحت بذكر علوّه ورعونته وعنجهيته وجبروته الركبان..؟؟
فهل بغلة ابن خلدون التي أهداها إلى تيمور لنك تعكس انتهازية العلامة أو اتقاءا لشر الطاغية، أو ما يُمكن التعبير عنه بجدلية السيف والقلم في الثقافة العربية الإسلامية؟؟
وهل بغل تبون يُجسّد مرة أخرى “مكر التاريخ” وهجانة اجترار المواقف الإنتهازية المُخزية التي لا تجني على أصحابها سوى السخرية والتندّر والمقت والمهانة؟؟..أعتقد بل وأجزم ذلك..
ولله في خلقة شؤون..