المهوى الأول… (5/1)
*************
ظلام متعاظم ينبثق من تلافيف ليل يحتشد في ركن دانٍ…يستحيل إلى كهف مهول بحجم فم الغول عندما ينطبق على الوهم.على أرض ماكرة يسير الركب في تؤدة نحو المجهول…إلى قبس بعيد يميل بهم الأمل تارة،وتارة أخرى يستقيم بهم التيه على حلكة متمددة إلى أقصى ما يتلمسه النظر.قلوبهم ظمأى…ألسنتهم من حجر…يتفصدون صديدا وأفواههم ترغي بالزبد الكالح.كلٌّ لشأنه يجتر البذاءة ويلعن الليل الطويل…ليلٌ يمعن في تعذيبهم بأرق عميق.بين الفينة والأخرى، تُرنِّحهم رياح تائهة عن مجرى السديم…تلفحهم بصهدها…تعميهم عن ذكريات تحاول عبثا أن تحملها إليهم نسمات هذا الطريق.تركوا الحرب وراءهم…وأمامهم تومض علائم الضياع الأبدي،تتشكل سحابات تطَعِّم هذا السواد.بعضهم يحملون فوانيس واهنة لا تضيء إلا على فواجعهم المنقوشة فوق سحناتهم البئيسة التي أعاد تشكيلها الجوع والرهبة والغضب…يمشون ويمشون خلف الصمت والآهات والغياب…
إيييه!! أنت!!…أيها الناظر لنفسه بِمحجرٍ غائر كَحُلك السخام…أيها المتسربل بجنونه الكاسح، إلامَ تنظر؟فوجهك المرتدّ على أديم الضباب يثير الريبة في ذاتك العارية إلا من سهاد…أنتم كذلك يا عابري اللاشيء تُجاه العدم المتعثرين في فراغ الزحام…الليل لا حدود له،والمآذن على السُّبل الرمادية استحالت إلى عدم،وأساسات بِيَّع وكنائس تتوسع كخنادق جند من هباء…فيمموا للصلاة أركان التيه وتيمموا بالماء.أيها الضياع،يا عبثا لم تتوجسه العجائز في أماسي الصهيل والحِنّاء…ألن تنجلي عن قذارتك بعض الضياء!؟…نهر بشري يجترّ الألم وينسحب إلى اللامكان…نلهو بصمتنانتجرع المهانة في مَدِّناونمسك بحواف الوقت على عقارب تبحث عن رقمها في اللازمان…عظام سُفن الصحارى تدمي أقدامنا الحافية فيمتد النزيف إلى بحر منصهر لا يبتعد ولا يقترب…البحر الفاقد الجَزْر والمرتخي عن مَده الفراهدي…يا لسوء الحظ في عثرة التاريخ…ألم يكن من الأجدر لنا ترك القوافي وبناء قبب الليل من أجل هذا الليل الذي يعربد في عرجنا دون هوادة؟…