في تجمع عادي لمجلس بلدي في هوامش العاصمة طرح إعلامي محلي، لا يتوفر على صفة صحفي، سؤالا متواطأ عليه مع رئيس البلدية الذي تظاهر بشكل مفضوح عن تفاجئه بالسؤال. ثم بالغ في وصفه بالمهم جدا.
والسؤال يدور حول مشاغل الساكنة عن خطر الكلاب الضالة التي يتزايد عددها بشكل مخيف حتى أضحت تستولي على المنتزهات الصغيرة التي هيأها المواطنون بسواعدهم ورووها بعرقهم. هذه الكلاب من شدة تكاثرها استعمرت الممرات الضيقة والبيوت المهجورة والحدائق العامة، بل منها من يقفز إلى داخل أسوار المدارس، وكثيرا ما ينفجر التلاميذ بالصراخ والخوف والقهقهات وهم يرون مُدرستهم تهرول إلى غلق باب الفصل الدراسي مخافة اقتحامه من قبل كلب شارد يطارده المدير بجدية ويتعثر وراءه الحارس في ثخونته…
في معرض جوابه عن السؤال أمعن الرئيس في النظر بعيدا ليتجاوز ببصيرته جدران قاعة الإجتماعات لعل مسرحية السؤال الاعتباطي تكتمل فيها المشاهد. ثم قال: تعلمون أيتها السيدات والسادة أن بلديتنا كانت تنهج أسلوب الوقاية في كل برامجها الصحية. ولم أتوانَ قط عن حفظ صحة الساكنة وسلامتها، بل وسخّرت لذلك كل الوسائل المتاحة. لكن، مسألة الكلاب الضالة خرجت عن السيطرة رغما عنا. فالتعليمات التي تأتينا من الإدارات المركزية تمنعنا من التخلص من تلك الكلاب رميا بالرصاص بسبب احتجاجات جمعيات تعنى بسلامة الحيوانات دون تقديم البديل عن ذلك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى للحيطة من إصابة مواطن ما برصاصة طائشة.
ورغم كل هذه العراقيل، بحثنا عن بديل للتخلص في صمت من تلك الكلاب فوجدنا الحل الأنسب في إخصائها عند بيطري تتعاقد معه جماعتنا. ولكن رغم هذا تضاعفت أعداد الكلاب الضالة حتى كادت أن تتجاوز عدد ساكنة بلديتي.
في صباح ما كنت متوجها كالعادة لمقر الجماعة فتلاقت نظراتي مع نظرات كلب ربما كنت قد رأيته من قبل في مكان آخر، لكن أين ومتى وكيف؟. عندما توقفت قليلا لأستجمع شتات الذاكرة اقترب مني الكلب الغريب هاشا بذيله وكأنه يعرفني. لم أشأ أن أمسح على رأسه حتى لا يزداد استئناسا بي.. بعد جهد في إعمال الفكر، تذكرت أن هذا الكلب كنت أراه في العاصمة وكان دائم التردد على زبائن مطعم قريب من إدارتنا المركزية. ولكن من جاء به إلى هنا وكيف ولماذا؟. بعد نقاش حول هذا الأمر مع بعض أعوان الخدمات في جماعتي أجمعوا على أن بلديات العاصمة تتخلص من كلابها عبر تهجيرها إلى جماعتي…