يشير العلم الحديث إلى أنه بالإمكان الوقاية من نسبة تصل إلى 40 في المئة من حالات الإصابة بالزهايمر من خلال الحرص على اتباع نمط حياة صحي، وفقا لما أفادت به خبيرة من مركز “لو روفو” لصحة الدماغ، التابع لكليفلاند كلينك، وذلك قُبيل اليوم العالمي لمرض الزهايمر، الموافق للحادي والعشرين من سبتمبر.
وقالت الدكتورة جيسيكا كالدويل، المختصة في علم النفس العصبي والمتدربة في علم الأعصاب، إنه من المعروف أن أي شخص يزيد سنه عن 65 عاما معرض لخطر الإصابة بمرض الزهايمر، مشيرة إلى أن التغيّرات الدماغية المرتبطة بمرض الزهايمر تبدأ في الحدوث قبل ظهور الأعراض بما يصل إلى 20 عاما.
وقال فرانك يسن، مدير مركز الوقاية من مرض الزهايمر في مدينة كولونيا الألمانية، “نحن نعلم الآن أن التدابير الوقائية، مع أخذ عوامل الخطورة في الاعتبار، يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على تطور المرض وتقليل المخاطر الفردية للإصابة بالخرف… يُعتقد أن نمط الحياة الصحي والنشط يشكل ما يصل إلى 40 في المئة من خطورة الإصابة أو عدم الإصابة بالخرف”.
ويُعدّ مرض الزهايمر اضطرابا في الدماغ يؤدي تدريجيا إلى انخفاض قدرة الأفراد على التفكير والتعلّم والتنظيم وتنفيذ الأنشطة اليومية وتذكّر التفاصيل المهمة. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الزهايمر يُعدّ أكثر أشكال الخرف شيوعا وقد يساهم في نسبة تتراوح بين 60 و70 في المئة من حالات الخرف في جميع أنحاء العالم والبالغ عددها نحو 55 مليون حالة.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك ما يقرب من 10 ملايين حالة جديدة من الإصابة بالخرف كل عام، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد بالتوازي مع تزايد نسبة السكان المسنين في معظم البلدان.
وأضافت الدكتورة كالدويل، التي تشغل منصب مدير مركز وقاية المرأة من الزهايمر لدى كليفلاند كلينك، إلى أن مرض الزهايمر مرض متعدّد العوامل، موضحة أن احتمالية إصابة شخص ما، مثلا، بالشكل الأكثر شيوعا من المرض، أي الزهايمر المتأخر، تعود إلى مجموعة عوامل تشمل الشيخوخة والوراثة والتاريخ المرضي في الأسرة والصحة العامة وسلوكيات نمط الحياة، إضافة إلى التأثيرات البيئية كتلوث الهواء.
وحدّد الباحثون العديد من عوامل الخطر المرتبطة بالمرض والقابلة للتعديل، كما حدّدوا العديد من عادات نمط الحياة، التي يمكن أن تعزز وظائف المخ، وذلك بالرغم من عدم قدرتهم على تحديد جميع أسباب مرض الزهايمر تحديدا قاطعا.
وأوصت الدكتورة كالدويل بممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
ولممارسة التمارين الرياضية فوائد فورية وطويلة المدى للدماغ، بدءا من زيادة كيمياء الدماغ، التي تدعم صحة خلاياه، ووصولا إلى تقليل عوامل مثل الالتهاب الجسدي المزمن، الذي قد يضرّ بالدماغ، بحسب الدكتورة كالدويل، التي أوضحت أن ممارسة التمارين الرياضية تعود بفوائد غير مباشرة على الدماغ، مثل تحسين المزاج والنوم، وتقليل التوتر، ودعم صحة القلب، وزيادة فرص التواصل الاجتماعي، وخفض ضغط الدم، وتقليل أخطار الكوليسترول والسكري، وكلها فوائد تقلل من أخطار تراجع الذاكرة مع تقدم العمر.
وأضافت الدكتورة كالدويل “يوصى بممارسة ما لا يقلّ عن 150 دقيقة من النشاط معتدل الشدة أسبوعيا لتحقيق صحة الدماغ على المدى الطويل، كالمشي السريع، وكلما زاد هذا المستهدف لدى البالغين الأصحاء كان أفضل لهم، وصولا إلى 300 دقيقة أسبوعيا، وإذا كان سنّ المرء أقلّ من 60 عاما، فإن ممارسة التمارين المتواترة عالية الكثافة تظلّ الأفضل لدعم صحة وظائف الدماغ”.
اتباع نمط حياة صحي يعزز وظائف المخ
أما الأشخاص الذين لم يمارسوا التمارين الرياضية من قبل، فتوصيهم الدكتورة كالدويل بالحصول على موافقة الطبيب قبل الانخراط في أي برنامج رياضي، وتقترح عليهم أن يُشركوا معهم في البرنامج شريكا للتشجيع، أو يُقرنوا التمرين بشيء يستمتع به الشخص، مثل ركوب دراجة ثابتة أثناء مشاهدة التلفزيون، أو المشي أثناء الاستماع إلى مدونات صوتية.
كما توصي الدكتورة بالحصول على قسط كاف من النوم، وقالت إن قلّة النوم قد تُحدث تأثيرا سلبيا فوريا وتراكميا في أداء الدماغ، وبالعكس، فإن النوم السليم يُحسّن الحالة المزاجية ويشحذ الذكاء ويعزز الاحتفاظ بالذكريات الجديدة على المدى الطويل. وأضافت “يمنح النوم أيضا أدمغتنا الفرصة لإزالة الترسبات، مثل بروتين بيتا أميلويد، الذي يمكن أن يتجمع ليشكل ترسبات تؤدي إلى الإصابة بالزهايمر”. وتوصي خبيرة الأعصاب البالغين بالنوم لسبع ساعات متواصلة أو ثمان.
كما ينبغي اتباع نظام غذائي متوازن، حيث تُظهر الأبحاث أن اتباع نظام غذائي شبيه بغذاء البحر المتوسط الغني بالأسماك والحبوب الكاملة والخضراوات الورقية الخضراء والزيتون والمكسرات، يساعد في الحفاظ على صحة الدماغ وقد يقلّل من خطر الإصابة بمرض الزهايمر، بحسب الدكتورة كالدويل، التي نصحت بالتقليل من اللحوم الحمراء والجبن كامل الدسم والزبدة والأطعمة المقلية والحلويات، والحدّ من استهلاك الكحول.
ووصفت الدكتورة كالدويل الوقاية من الزهايمر بأنها “علم ناشئ”، مشيرة إلى وجود حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث وإشراك المزيد من المتطوعين في الدراسات، وانتهت إلى القول “ما اكتشفناه إلى غاية الآن، على كل حال، لا يُقدر بثمن، ومن شأنه مساعدة الأفراد على عيش حياتهم على أكمل وجه في الثمانينات من العمر وما بعدها”.
ويؤكد الباحث الوقائي يوخن رينيه تيريان، من المركز الألماني للأمراض العصبية التنكسية في جرايفسفالد، أن هناك عوامل مثبتة بشكل واضح لا لبس فيه، يمكن أن تقي من الزهايمر. وتشمل هذه العوامل على وجه الخصوص اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة، وعدم الإصابة بالسمنة المفرطة وعدم التدخين.
ويضيف “ما له بالتأكيد تأثير إيجابي هو التحفيز المعرفي، والذي يمكن أن يتمثل في حل الكلمات المتقاطعة أو سودوكو، وكذلك أي شكل من أشكال ‘التفاعل الثقافي’، مثل القراءة ومشاهدة التلفزيون والدردشة”.
يقول تيريان “ما يتم التركيز عليه بشكل متزايد في الوقاية من مرض الزهايمر هو موضوع النشاط الاجتماعي”، موضحا أن “جائحة كورونا قدمت دليلا على ذلك: بسبب قواعد كورونا الصارمة في دور المسنين، تفاقم الخرف لدى العديد من المقيمين”.
وتابع تيريان “أدت قلة الأنشطة الاجتماعية والتواصل العاطفي إلى تدهور بالغ في الأداء المعرفي والحالة الصحية”.
يقول تيريان إن تجنب عوامل الخطورة يمكن أن يحمي من الخرف، لكن الأمر لا يزال يتعلق باحتمالات إحصائية، مضيفا أن العواقب الملموسة بالنسبة للفرد مسألة مختلفة، وقال “البشر معقدون للغاية من هذا المنظور، فلا تكاد توجد أي دراسات توضح هذه العملية المعقدة بطريقة يمكن من خلالها الحصول على دليل واضح”.