تواجه دول العالم أزمة فيروس كورونا بإجراءات عدة، تحاول من خلالها تخفيف الأضرار المترتبة على الجائحة، فيما تبقى هناك تحديات رئيسية، لم تتمكن بعض الدول من استشراف حلول لها. وفي هذا السياق، اعتبر أكاديمي مغربي مختص بتسوية النزاعات، أن الرباط تواجه خمسة تحديات في حربها ضد كورونا.
ويقول محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسن بواشنطن، إن “المغرب يواجه خمسة تحديات رئيسية متداخلة بين الاقتصاد والصحة العامة وعلاقة الدولة مع المجتمع والمغتربين”.
ومنذ 20 مارس ، فرضت الحكومة المغربية حالة الطوارئ الصحية وقيّدت الحركة بالبلاد، بهدف السيطرة على تفشي كورونا.
ومن المقرر أن تنتهي حالة الطوارئ، في 20 مايو الجاري، ما لم تتخذ السلطات قرارا بتمديدها للمرة الثانية.
** مستقبل الفيروس
ويضيف الشرقاوي، أن “التحدي الأول يتجلى في تفشّي دائرة الجائحة واتساعها في الخريف المقبل، وإن كان ارتفاع الحرارة خلال الصيف سيساهم في تراجع مستوى الإصابات نسبيا”.
ويعتبر أن إجراءات العزل الصحي، التي بدأت منتصف مارس الماضي، وإغلاق الحدود البرية والبحرية، وتقييد حركة التنقل لم تحد من مستوى الإصابات.
ويتابع: “عدد الإصابات قد يفوق سقف توقعات وزارة الصحة، في ظل بنية صحية محدودة وعدم وجود أَسرّة كافية في المستشفيات العامة”.
وحتى الثلاثاء، سجلت المملكة 6 آلاف و418 إصابة بكورونا، بينها 188 وفاة، وألفان و991 حالة شفاء، وفق وزارة الصحة.
** ضعف القدرة الشرائية
ويرى الشرقاوي أن “التحدي الثاني يتمثل في الضجر الشعبي وضعف القدرة الشرائية لأغلب المغاربة خلال رمضان وموسم عيدي الفطر والأضحى، وسط تعثر في عملية تسجيل المستفيدين من الدعم المالي من الصندوق الوطني للتضامن مع المتضررين من الجائحة”.
وحددت وزارة المالية، قيمة المساعدة المالية الشهرية للمتضررين من كورونا، بـ800 درهم (حوالي 86 دولارا) للأسرة الصغيرة، و1000 درهم (حوالي 107 دولارات) للأسرة المكونة من 3-4 أشخاص، و1200 درهم (129 دولارا) للأسرة فوق 4 أفراد.
ويلفت الشرقاوي إلى أن “التعثر ناتج عن إجراءات بيروقراطية وضعف البنية المصرفية لتسهيل التحويلات إلى حسابات المستفيدين في الوقت المناسب، إضافة إلى حالة عدم اليقين وحتمية موجة الإفلاس المرتقبة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات”.
ويردف: “ينبغي استحضار أن نسبة غير قليلة من العمال تعيش على موارد تحصل عليها من قطاع الصناعات التقليدية والصيانة وغيرها مما يسميها المغاربة المرافق (غير المهيكلة) أو خارج نطاق الاقتصاد الرسمي”.
ومنذ مطلع أبريل الماضي، بدأت الحكومة عملية تقديم مساعدات مالية لدعم الأسر المتضررة، ضمن إجراءاتها في مكافحة الفيروس.
** الاقتصاد والتدبير الأمني
وبخصوص التحدي الثالث، يقول الشرقاوي إن “المغرب سيعيش في سياق أزمة كورونا تحديا اقتصاديا شاملا ينذر بركود غير مسبوق”.
ويضيف: “يتزامن هذا مع أمرين سلبيين آخرين، عدم هطل أمطار كافية، ما يعني تراجع المحاصيل الزراعية بداية الصيف، وتعطل حركة السفر وتقلص التحويلات المالية لما بين خمسة إلى ستة ملايين مغربي مقيم في الخارج”.
وتمثّل تحويلات المهاجرين المغاربة ثاني مصدر للعملة الصعبة (النقد الأجنبي) في البلاد، حيث بلغت عام 2019 نحو 67 مليار درهم ( 6.7 مليارات دولار).
ويستطرد الشرقاوي: “لن تكون هناك حركة اقتصادية عادية ولا سيولة نقدية كافية، في وقت لا تزال أغلب معاملات المغاربة تعتمد على المال النقدي وليس البطاقة الائتمانية، أو خط الاقتراض المسبق”.
** السلطوية ليست حلا
أما التحدي الرابع، فيرى الشرقاوي أنه يتجلى في: “الخلط بين التدبير الصحي لأزمة كورونا كما نجحت فيه بعض الدول (مثل ألمانيا والدول الإسكندنافية) والتدبير الأمني لهذه المرحلة”.
ويوضح أن “هناك استقطابا وتوظيفا مهرولا لخطاب مصلحة الوطن وليس بالضرورة مصلحة المواطنين”.
ويتابع الأكاديمي المغربي: “هذا الخطاب يعزز التيار الأمني أو أمْنَنَة هذه المرحلة”.
ويشدد على أنه “في حقبة الأزمات، ينبغي أن يتجلى التفكير الشمولي المتكامل، ويتم تعزيز التعاون بين المجتمع والدولة، وليس تطويع المرحلة لسلطوية جديدة”.
ويعتبر أنه
“إذا تجاوزت السلطوية حدّ ضمان الصحة العامة ولم تراع ظروف المواطن واحترام كبريائه
في حجر قد يمتد حتى بداية 2021، فإنها تجازف بهدر رأسمالها الاجتماعي وتقويض
اللحمة الوطنية”.
ويبيّن أن “إدارة الأزمات كياسة وتعاون ومسؤولية أخلاقية بين الدولة والمجتمع،
وليست مجرد تعليمات فوقية واستنفار أمني وتقييد للحريات تحت طائلة الطوارئ”.
** أزمة العالقين
ووفق الشرقاوي، فإن التحدي الخامس يتجلى في “سوء تدبير أزمة العالقين بفعل منع السفر الجوي”.
وفي وقت سابق، أعلنت السلطات أن لديها 18 ألفاً و226 مواطنا عالقا بالخارج بسبب فيروس كورونا تعمل على إجلائهم، دون الكشف عن تاريخ محدد لذلك.
ويقول الشرقاوي: “لم تنته الحرب ضد كورونا بعد، ويمكن للرباط أن تعيد النظر بشأن ما ستقرّره للأشهر السبعة المقبلة، باستراتيجية متنورة”.
ويضيف: “بدلا من التفكير الأحادي باتجاه تعزيز سلطات المؤسسة الأمنية، تقتضي الحكمة أن تستأنس الرباط بتجارب دول أخرى”.
ويختم الأكاديمي المغربي: “جائحة كورونا محنة عالمية وديمقراطية التحديات، ولا تتناسب مواجهتها مع منطق التبرير لما هو غير براغماتي وغير فعال”.
(الأناضول)