د. فريدة بن سليم – رسبريس- وهران
لم يكن يعلم ابن الإسكندرية ” ميشال شلهوب ” أن الصدفة ستقلب موازين حياته، وتحدد له مسارها ليفتح له أبواب المجد الفني. فقد كانت بدايات ميشال أو الفنان المعروف ب” عمر الشريف” مليئة بالمفاجآت و الصدف، بداية بفيلمه ” صراع الوادي”للمخرج العالمي الراحل ” يوسف شاهين” الذي لربما منحه دورا في فيلمه من باب الصداقة و الزمالة بحكم أنه كان زميلا له في مدرسة ” فيكتوريا كوليدج ” بالإسكندرية ، مع أن يوسف شاهين كان بعيد كل البعد عن ذلك. لكن انتقاءه لعمر الشريف لم يكن مخيبا لظن زميله ،و ليثبت قدرته التمثيلية و براعته في تجسيد دوره بكل إتقان و احترافية، ليبدأ مشوار عمر الشريف الفني ، وتتوالى عليه العروض لتجسيد العديد من الأدوار مع كبار مخرجي تلك الفترة ، وليقدم عدة أفلام منها :” صراع في الميناء” للمخرج يوسف شاهين ، و”صراع في النيل “مع عاطف سالم و غيرهم ، متنوعا في تأديته لمختلف الشخصيات و الأدوار . و على الرغم من أن تسمية ” الفتى الرومانسي” ظلت لصيقة بعمر الشريف لوسامته و إعجاب الفتيات به من جهة-، ليرسمن شخصية فارس الأحلام على شاكلة الفنان عمر الشريف-. لكننا لا ننكر أن إجادته، وتقمصه لشخصية الفتى الرومانسي بحرفية عالية كان سببا في نجاحه، وتسميته بذلك من جهة أخرى.
فيلم “في بيتنارجل” تذكرةمرور عمر الشريفنحو العالمية:
لم يكن يتصور عمر الشريف، وهو يحضر مشاهده في فيلم ” في بيتنا رجل”،أنه سيفتح له أبواب العالمية ،و أن القدر يضرب له موعدا ليتسلق سلم النجومية و ينافس كبار ممثلي هوليوود ،و يضع بصمته ضمن ذلك العالم. ومع أن وصوله إلى العالمية لم تكن من خلال فيلم ” في بيتنا رجل” لكنه يعتبر فال حظ بالنسبة له، وعلى حد تعبير المصريين فتحت له طاقة القدر على وقع الفيلم ، فمن خلاله أعجب به المخرج العالمي ” ديفيد لين” حين قدم إلى القاهرة ليختار ممثل عربي لفيلمه ” لورانس العرب”ليمنح الدور لعمر الشريف سنة 1962. ونجاحه المبهر في فيلم ” لورانس العرب” جعله محط أنظار واهتمام العديد من المخرجين العالميين ، ولتتوالى نجاحاته في هوليوود من خلال فيلم” دكتور زيفاغو “للمخرج ” ديفيد لين ” الذي جدد ثقته في اختيار عمر الشريف مرة أخرى سنة 1965. وليبدع عمر الشريف في تقديم الأدوار المختلفة التي أهلته للعالمية ،ومنها :” سقوط الإمبراطورية الرومانية ” للمخرج ” أنتوني مان” ، وفيلم ” المصارع” ،فيلم “جينكيز خان” للمخرج” هنري ليفن” وفيلم” ليلة الجنرالات” للمخرج ” أناتولي ليتفاك” …وغيرها. ولم تكن وسامة عمر الشريف وحدها كافية للنجاح في عالم هوليوود الذي أثبت أن الغلبة ،و النجاح من حليف البارع و الطموح فقط. فقد كان لتلك القدرة التمثيلية و التقمص البارع لمختلف الأدوار دورا في كل نجاحاته.
وليندمج ممثل مصر العبقري في آتون الحياة المبهرة بهالاتها وأضوائها، و التي لربما في وقت لاحق ولدت لديه صراعات عاشها عمر الشريف لدرجة ندمه على ولوج عالم السينما الهوليودية، حسب ما صرح به في إحدى لقاءاته بقوله:” لو لم أقدم لورانس العرب كنت سأظل سعيدا في حياتي .لكنني دخلت مناخ آخر وحياة أخرى مختلفة لم أكن أنتظرها …”، ولربما يرجع ذلك للأضواء التي خسر على وقعها الكثير من علاقاته، و أهمها علاقته بفاتن حمامة.
منهالةهوليوودالمضيئةإلىالمواطنالمصري البسيط: لم تغري أضواء عالم هوليوود ،و الهالة المحيطة بنجوم السينما الأمريكية و العالمية عمر الشريف ليتنكر لجذوره المصرية و سينما بلده الأم التي قدمت له الكثير ،بل ظل وفيا لها ومخلصا ليفني عمره في خدمة الفن المصري ،إذ لم يبخل على جمهوره ليقدم أفلام اجتماعية وأخرى رومانسية للمشاهد المصري والعربي الذي كان ينتظر أعماله بشغف .فقدم شخصية المواطن المصري البسيط الفلاح من خلال دوره في فيلم ” المواطن مصري ” للمخرج أبو الواقعية المصرية ” صلاح أبو سيف” سنة 1991 ، ليتناول مشاكل المواطن المصري وقضية الأرض و المقاومة عاكسا رسالة فنية أصيلة ،كما أبدع في إظهار سماحة و تعايش الأديان في مصر البهية من خلال الفيلم الفرنسي ” السيد إبراهيم وزهور القرآن” عام 2003 ، و آخر أفلامه ” حسن مرقص ” مع الزعيم عادل إمام “.
قصةفاتنحمامةوعمرالشريف..حينيولدمشهدتمثيليمشاعرجياشةبينعاشقين :
مشهد تمثيلي في فيلم سينمائي كان كفيلا أن يكون بداية الشرارة التي ألهبت قلب فاتن حمامة و عمر الشريف ليكتبا بداية قصة حب أسطورية تجسدت خلف الكواليس الفيلمية. فقد بدأت علاقة الحب بين الممثلين من خلال فيلم ” صراع في الوادي”، و لينتهي الفيلم بمشهد نهاية سعيدة كانت ارتباط الثنائي فاتن حمامة و عمر الشريف، وكان ثمرة حبهما ابن وحيد. وقفت فاتن حمامة بجانب عمر الشريف ليس فقط أمام الكاميرا ولكن حتى أمام صراعات الحياة ، و شجعته للمضي قدما و النجاح ،ومع أن ذلك كان على حساب مستقبلها المهني ،إذ تخلت عن التمثيل في أوج نجاحاتها و سافرت مع زوجها عمر لتطارد حلمه الهوليودي ، لكن سحر عالم السينما العالمية ،و أضواءه خفتت من علاقتهما ،و لهيب حبهما الذي من شدة اشتعاله ،تحول إلى رماد . لتنتهي العلاقة الأسطورية بانفصالهما ، ولتظل فاتن حمامة حلم عمر الشريف الأشبه بفقاعة انفجرت في لحظة طيش وإهمال. وبعد مسيرة طويلة حافة بالأعمال الفنية المميزة ،و التتويجات منها جائزة غولدن بفئة أفضل ممثل في دور مساعد وحتى رئيسي ، وترشحه للأوسكار كأول فنان مصري يترشح له، سيُتوج عمر الشريف الأروع ضمن فناني ” الزمن الجميل “، وزاده تألقا تقديمه للعديد من الأعمال بمختلف اللغات مابين الانجليزية و الفرنسية و حتى لغات أخرى. والتي مكّنته من ولوج قلب الملايين ليس في مصر فحسب ولن نبالغ إذ قلنا في العالم كله.فعمر الشريف الذي استطاع أن يسحر مشاهدي الشاشة الفضية، و ينقلهم في رحلة خيالية إلى مختلف الأزمان من مناضل وطني،و عاشق عربي ، و مواطن مصري بسيط إلى فارس عربي ،و أمير روماني إلى طبيب وشاعر روسي إلى جنرال ألماني. سيرحل عن عالمنا تاركا وراءه إرثا سينمائيا ثقيلا، تستطيع مصر أن تفاخر به، وتقول للعالم:” إليكم هذا الفنان المبدع فاحتفلوا به”.