عاش العالم الإيراني محسن فخري زاده الذي اغتيل يوم الجمعة حياة تكتنفها السرية لدرجة أن سنه كان سرا من الأسرار المحكمة غير أن جانبا كبيرا من البرنامج السري الذي يعتقد أنه أداره لصنع سلاح نووي كان معروفا منذ فترة طويلة.
فقد قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها تشتبه أن فخري زاده أشرف على أبحاث سرية لتركيب رأس حربية على صاروخ باليستي واختبار مواد شديدة الانفجار تلائم السلاح النووي وكذلك تخصيب اليورانيوم.
وتصر إيران على أنها لم يكن لديها مثل هذا البرنامج أو أي طموح لصنع القنبلة النووية. وتعتقد الوكالة الدولية والمخابرات الأمريكية أن إيران كان لديها برنامج لصنع سلاح نووي وأنها أوقفته في العام 2003.
وكانت الشكوك التي تراود الغرب خشية أن تستأنف إيران ذلك البرنامج محور الاتفاق الذي تم إبرامه عام 2015 ووافقت طهران بمقتضاه مع القوى العالمية على تقييد أعمالها في المجال النووي مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها.
وعارضت إسرائيل ألد أعداء إيران هذا الاتفاق بشدة وانسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2018.
ويعد اغتيال فخري زاده ضربة لإيران في ضوء الحراسة اللصيقة التي كان يتمتع بها وابتعاده عن العيون. غير أن مسؤولين إيرانيين يقولون إن إيران لديها شبكة من العلماء لشغل أي فراغ ينشأ.
ويوم السبت وعد الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي صاحب القول الفصل في البلاد بالانتقام لمقتل فخرى زاده وقال إن على المسؤولين مواصلة “الجهود العلمية والتقنية التي بذلها الشهيد فخري زاده في كل المجالات التي كان يعمل فيها”.
وكانت إيران قد رفعت مستوى العمل في المجال النووي بعد انسحاب واشنطن من اتفاق 2015 فتجاوزت الحدود المنصوص عليها في الاتفاق فيما يتعلق بإنتاج اليورانيوم المخصب الذي يمكن تطوير تخصيبه ليصبح جاهزا للاستخدام في السلاح النووي ولكن طهران لاتزال تملك كمية أقل بكثير من المخزون الذي كان لديها قبل 2015.
* دور رئيسي
رغم بقاء فخري زاده في الظل فقد توصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2011 إلى أنه الشخص الذي تشير الشبهات إلى أنه رئيس خطة أمد التي يعتقد أنها وضعت قبل حوالي 20 عاما للإشراف على العناصر الرئيسية في برنامج السلاح النووي.
وفي حين أن من المعتقد أن البرنامج العسكري ألغي في 2003 فقد قالت الوكالة الدولية في تقريرها لعام 2011 إن بعض الأعمال المتصلة به استمرت وإن فخري زاده احتفظ “بالدور التنظيمي الرئيسي” وذلك استنادا إلى معلومات من إحدى الدول الأعضاء.
وقالت الوكالة الدولية في “تقييم نهائي” صدر عام 2015 إن ثمة مؤشرات على أن هذه الجهود المعنية توقفت في 2009. لكن فخري زاده كان العالم الإيراني الوحيد الذي ورد اسمه في تقرير 2015.
وعلى مدى سنوات نشرت الوكالة الدولية، بفضل صلاحيات تفتيش جديدة أكثر تدقيقا، تقارير تظهر أن إيران ملتزمة بالقيود الجديدة المفروضة بموجب الاتفاق النووي الذي يهدف إلى إطالة أمد الفترة التي تحتاج إليها إيران لإنتاج كمية كافية من المواد النووية اللازمة لصنع القنبلة، إذا كان هذا هو ما تسعى لتحقيقه، إلى سنة بدلا من شهرين أو ثلاثة أشهر.
وبعد دخول ترامب البيت الأبيض وإطلاقه وعدا بإلغاء الاتفاق النووي صعدت إسرائيل حملة رددت فيها أن إيران تكذب فيما يتعلق بمدى أنشطتها النووية السابقة.
وفي 2018 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل وضعت يدها على “أرشيف” ضخم من الوثائق الإيرانية يظهر أن طهران أنجزت أعمالا أكثر مما كان معروفا من قبل.
وأطلعت إسرائيل الوكالة الدولية وحلفاءها على هذا الأرشيف. ويقول دبلوماسيون إن الأرشيف تضمن فيما يبدو معلومات إضافية عن أنشطة تمت خلال فترة قيادة فخري زاده لخطة “آماد” في أوائل سنوات الألفية الثالثة.
وقال نتنياهو في استعراض الأرشيف عام 2018 “تذكروا هذا الإسم، فخري زاده”.
* الانتقال للعمل السري
يقول دبلوماسيون إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفقدت منذ ذلك الحين عدة مواقع ربما يكون لها صلة بخطة “آماد” الأمر الذي أدى إلى سد بعض الثغرات في المعلومات لكن دون الكشف عن مجالات جديدة كبرى فيما يتعلق بتصنيع السلاح.
ولم يتضح على وجه التحديد طول الفترة التي تحتاج إليها إيران لصنع سلاح نووي إذا ما قررت ذلك.
ويعمل مصنع التخصيب الرئيسي لدى إيران في نطنز، المبني تحت الأرض لحمايته من القصف، بنسبة يسيرة من طاقته الإنتاجية قبل عام 2015 بفعل الاتفاق النووي غير أن إيران تخصب اليورانيوم في منشآت أخرى أيضا كما أن مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب يتزايد.
ونقلت إيران أيضا مزيدا من أجهزة الطرد المركزي الأكثر كفاءة والتي تستخدم في تخصيب اليورانيوم إلى المنشأة المبنية تحت الأرض.
وقالت أريان طباطبائي الباحثة في شؤون الشرق الأوسط بصندوق مارشال الألمانية وجامعة كولومبيا إن موت فخري زاده ضربة موجهة لطهران شبهتها بمقتل قاسم سليماني القائد العسكري الإيراني الكبير في هجوم أمريكي بطائرة مسيرة في يناير كانون الثاني الماضي.
لكنها قالت إن عمله في إقامة بنية أساسية لدعم الأبحاث النووية الإيرانية معناه أن “موته لن يغير مسار برنامج إيران النووي بصفة جوهرية”.
وردد مسؤولون إيرانيون هذا الرأي.
فقد قال فريدون عباسي العالم النووي الإيراني والرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية والذي نجا من محاولة اغتيال في 2010 إن فخري زاده “كوّن شبكة من العلماء ستواصل عمله”.
(رويترز)