( بقلم : بسمة رياضي )
غالبا ما يُنظر إلى المجال السياسي في المغرب على أنه حكر على الرجال، ويثير اهتمام قلة قليلة من النساء. وفي ظل هذا الاختلال البيّن في موازين القوى، تشكل الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، استثناء بامتياز لهذه “القاعدة”، حيث تقدم نموذج المرأة المغربية التي ولجت، بشجاعة والتزام، مجالا يغلب عليه الطابع الذكوري.
تختزن منسقة فيدرالية اليسار الديمقراطي تجربة فريدة من نوعها، قادتها إلى مسار نضالي زاخر منذ سبعينيات القرن الماضي، داخل الحركة اليسارية على رأس الحزب الاشتراكي الموحد، لتصبح بذلك أول امرأة مغربية تصل إلى الأمانة العامة لحزب سياسي.
وقالت السيدة منيب، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، إنه بمجرد التحاقها بكلية العلوم بالرباط، انضمت الطالبة الشابة إلى صفوف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي كان بالنسبة لها “مدرسة سياسية حقيقية”، قبل أن تتوجه إلى فرنسا لتحضير أطروحتها للحصول على الدكتوراه في طب الغدد الصماء من جامعة مونبلييه، حيث انضمت إلى حركة الطلاب الديمقراطيين التقدميين.
وأوضحت السيدة منيب، عضو منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، قبل اندماجها مع حركات أخرى لتصبح الحزب الاشتراكي الموحد، والتي تجمع بين الكاريزما والأناقة، أنها انضمت للحزب عن قناعة وليس لتولي منصب الأمين العام.
وقد كانت هذه السيدة التي تتحدر من الدار البيضاء ترى أن بلوغ رئاسة حزب سياسي أمر بعيد المنال، لكنها تدرجت في الهيئات التقريرية للتنظيم، بدءا من فرع أنفا في الدار البيضاء، ليتم انتخابها لأول مرة عضوا بالمجلس الوطني سنة 2000.
وشددت قائلة “إن تعييني على رأس الحزب لم يكن محض صدفة”، مشيرة إلى أن الحركة النسوية المغربية، التي ضمت ناشطات الحزب الاشتراكي الموحد، عملت في جميع المجالات على تمكين المرأة من المشاركة بكثافة في المجال السياسي.
وأشارت إلى أن انتخاب امرأة كان ثمرة مسار طويل من النشاط حتى داخل الحزب، مضيفة أنها لم تواجه بعد ذلك صعوبات مع رفاقها الرجال، الأمر الذي شجعها على المضي قدما من أجل إشعاع الحزب، اقتناعا منها بقيم المساواة الكاملة بين الجنسين.
وقالت السيدة منيب “أعتقد أنني حاولت تحمل مسؤوليتي الكاملة قدر الإمكان خلال فترتي ولايتي، لقد حققت إنجازات وربما فشلت في أخرى، غير أني حرصت على ترك بصمة إيجابية خلال هاته التجربة، ليس فقط لدى مناضلي الحزب الاشتراكي الموحد أو فيدرالية اليسار الديمقراطي، ولكن لدى كافة النساء المشاركات في المجال السياسي”، معربة عن رغبتها في رؤية العديد من النساء على رأس أحزاب سياسية.
واعتبرت السيدة منيب أن ولوج المرأة إلى مجالي التعليم والعمل في الوقت الراهن يسهل ولوجها إلى مجال السياسة، مشيرة إلى أن مشكلة العقليات النكوصية لا تزال تعيق تحرر المرأة في المغرب وهو ما يتعين تغييره، لا سيما من خلال التعليم وكافة وسائل الاتصال السمعي-البصري.
وأكدت أن “نضال المرأة هو كفاح طويل الأمد”، مشددة على أن أكثر المحطات البارزة في حياتها السياسية هي تلك التي قضتها مع الشباب في مدارسهم وجامعاتهم، وأن هؤلاء الشباب هم الذين يجب أن يتولوا المسؤولية في المستقبل.
وقالت السيدة نبيلة منيب، وهي أستاذة جامعية في كلية العلوم بالدار البيضاء منذ أن كان عمرها 25 عاما، إنها كانت تحلم دائما بأن تصبح أستاذة، وأن التدريس من شيم الكرماء ورسالة أكثر منه وظيفة. وتعتبر أن والدها كان أول معلم استثنائي لها، إذ غرس فيها ثقافة القراءة.
ومضت قائلة “قضيت 32 سنة في كلية الدار البيضاء، وتم اختياري من بين أفضل الطلاب الذين حصلوا على درجة الماستر للسفر نحو فرنسا قصد إعداد الدكتوراه، ولدى عودتي كنت متأكدة من أنني سأتولى منصبا في المؤسسة الجامعية”، مشيرة إلى أنها حاولت إنجاز هذه المهمة بكل ما أوتيت من قوة وتقديم الأفضل للطلاب.
وبالنسبة للأستاذة منيب، وهي أم لثلاثة أطفال وجدة لفتاة صغيرة، فإن رعاية عائلتها تغمرها بسعادة استثنائية، مؤكدة أنها عرفت كيف توفّق بين المسؤولية الحزبية والمسؤولية الأسرية، من خلال ضمان التواجد الكامل عندما تكون مع أطفالها.
وفي هذا الإطار، شددت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، أن تعليم أطفالها شكل أولوية بالنسبة لها، وذلك حرصا منها على “نقل قيم التكافل والعطاء إليهم”.
وأردفت “لقد كنت محظوظة لأن زوجي ساعدني، إذ كان أكبر داعم لي وأحد العوامل الرئيسية في نجاحي. لقد تعلمنا أن نكون ديمقراطيين حتى داخل المنزل، من خلال توزيع المهام ومساعدة بعضنا البعض، لأن المجتمع يقوم على كاهلي الرجل والمرأة”.
أكدت السيدة منيب، الشغوفة بالرياضة والسفر، أن سر نجاح أي زواج هو الحوار والاحترام المتبادل، وقبل كل شيء الاستماع الدائم للشريك.
وأشادت المسؤولة السياسية بنضال كل النساء المغربيات، وربات البيوت، والنساء الوزيرات، وفي الفصل الدراسي، أو في المستشفيات، داعية إياهن إلى مواصلة الالتزام لرؤية المزيد من الكفاءات النسوية التي تتألق في جميع المجالات وتحمل علم المغرب عاليا.