توصلت جريدة “رسبريس” الإلكترونية برأي للباحث المغربي الدكتور عكاشة برحاب، فيما يتعلّق بأرض “العرجة” المتنازع حولها بين الجزائر والمغرب، كما يُؤكد الباحث المتمرّس في تاريخ المغرب، أن هذه الأرض هي أرض مغربية ابا عن جد، استنادا إلى العديد من المصادر والوثائق والشهادات التاريخية..
يتتبّعُ القرّاء قضية الموقع المعروف باسم العرجة باهتمام كبير، خاصة على إثر إجبار بعض الملاكين المغاربة على إخلاء الأرض التي كانوا يستغلونها بدعوى أنها أرض جزائرية. هذا الموقف أثار كثيرا من الحسرة في النفوس التي لم تستوعب حدوث مثل هذا الأمر بين دولتيْن جارتيْن، تجمعهما أخوة ضاربة في القِدم، فضلا عن اللغة والدين، وتقاسموا الضرّاء والسرّاء عبر التاريخ، هذا موقف صعب أدرك أهل فجيج أبعاده على المدى القريب والبعيد. وبالرجوع إلى التاريخ، تجدر الإشارة إلى أن السيد محمد المعزوزي -تغمده الله برحمته- تنبّأ بحدوث مشكل العرجة بين المُزارعين المغاربة والجزائريين منذ أكثر من 15 سنة، وقد كان ضمن أعضاء اللجنة المغربية-الجزائرية التي رسمت خط الحدود سنة 1971، وقد نشر كتابا باللغة الفرنسية في الموضوع ذاته تحت عنوان “نصف قرن من أجل الوحدة الترابية” (مطبعة المعارف الجديدة -الرباط 2004). وقد ورَدَ في الصفحة 169 ما نصه: “إن رسم خط الحدود على الأرض بمنطقة فجيج يطرح مشكلتيْن أساسيتيْن: أولاهما رسم خط لتقسيم بعض المناطق الفلاحية وبعض واحات النخيل، رغم أن مساحتهما صغيرة، وأن ذلك سوف يكون محط نزاع بين مستغلين مغاربة وجزائريين، ويتعلق الأمر بالخصوص بالموقعيْن ملياس والعَرجة….”.
وقد عزز السيد المعزوزي النص بخريطة طوبوغرافية توضح المواقع التي قد تترتب عنها مشاكل مستقبلية. ومن المعلوم أن الجزائر كانت سبّاقة للمصادقة على اتفاقية الحدود ونشرِها في الجريدة الرسمية سنة 1973، أما المغرب فلم ينشرها في الجريدة الرسمية إلا في سنة 1992. وتعمّد الطرفان عدم نشر الخرائط المرفقة لنص الاتفاقية، وهذا أمر يطرح كثيرا من التساؤلات. وقد حاولنا إيجاد تفسيرات لتأخر المغرب في المصادقة على الاتفاقية المذكورة، وهو ما تطرقنا له في كتابنا “المغرب والجزائر، تاريخ جوار صعب”،(مطبعة الرباط – نيت 2015)، وحاولنا رصْد المشاكل التي قد تترتب عن الاتفاق المذكور، خاصة وأن ذوي الحقوق من المغاربة لم يتم التشاور معهم، ولم يتم إشعارهم بمضمون الاتفاق الذي يخص منطقتهم، هذا ما جعل الكثيرين منهم يجهلون مصير أملاكهم التي تقع على جانبي خط الحدود المستحدث. وعلى إثر توقيع اتفاق 1972 صرّح السيد عبد الهادي بوطالب في كتابه “نصف قرن من السياسة ” بأن المغرب “سلّم للجزائر التراب المختلف عليه”، ومن الملاحظ أيضا أن تماطل المغرب في المصادقة على الاتفاق المذكور كانت له تبعات سلبية، خاصة وأن الفصليْن الخامس والسادس نصَّا على أن تقوم لجنة مشتركة بوضع معالم حجرية للحدود في أجل أقصاه ثلاث سنوات، ومَنْ استعجل الأمرَ بعد انقضاء هذه المدة يباشر وضع المعالم الحجرية حسب خط الحدود الموصوف في المادة الأولى، وهو ما قامت الحكومة الجزائرية في حينه وفي غياب الطرف المغربي ،خاصة بعد الخلاف بين الجانبيْن بـشأن موقعيْ العرجة وملياس واجحيفات. وقد تعمّق هذا الخلاف بينهما بعد أن استرجع المغرب منطقتي الساقية الحمراء وواد الذهب.
وبعد أن شاع حادث العرجة، باشرتُ البحث في ملف الوثائق التي بحوزتي حول واحة فجيج، فأسعفني الحظ وصادفتُ وثيقة مغربية مخطوطة تؤكد مغربية واد العرجة سنة 1907. ويتعلق الأمر برسالة بعثها عامل فكَيكَـ إلى وزير الحربية مَحمد الجبّاص ووزير الخارجية عبد الكريم بن سليمان بتاريخ 3 مايو 1907، وكان الجبّاص قد أشرف على رسم خط الحدود في عيْن المكان سنة1902 بصفته رئيس اللجنة المغربية لحل مشاكل الحدود، وذلك بناءً على الاتفاق الموقع مع فرنسا في نفس التاريخ بالجزائر. أما عبد الكريم بن سليمان فقد أشرف على توقيع اتفاق باريس الخاص بإتمام رسم الحدود جنوب فجيج سنة1901، ومن ثمّ فإنهما كانا على اطلاع بالمشاكل التي كانت تتهدّد مجال الواحة.
وأهم ما جاء في مراسلة عامل فكَيكَـ أن الحاكم الفرنسي بِواحة بـَنِي ونِّيف -التي تمّ ضمُّها إلى الجزائر- قام بشقّ شبكة من الطرق والمسالك تخترق مجال واحة فكَيكَـ، ومن ضمنها على الخصوص طريق يخترق واد العـَرْجة التابعة للواحة حسب تأكيد العامل.
وتدخل مبادرة عامل فكَيكَـ بإشعار السلطان بالخروقات التي تقوم بها السلطات الفرنسية في إطار مهامّه، حيث كان مندوبا عن السلطات المغربية لحل مشاكل الحدود مع نظيره الفرنسي حاكم واحة بني ونّـيف. ونقتبس هنا فقرة من الرسالة المخطوطة تخص موقع العرْجة ، حيث جاء فيها ما يلي :” ويَوْمَهُ وَرَدُوا علينا أهل قصر العبيد، وخبّرُونا أن جوّارنا أهل بني ونّـيف جعلوا طريقا مبدؤها من بني ونّـيف مارّة على الموضع المسمى بثنية تكرمت موالي لنا قاصدة لفجيج، وذلك صحيح، وكذلك جعلوا طريقيْن من بني ونيف أيضا، كما أعلمنا بذلك سيادة الوزراء الأجلـّين السيد مَحمد الجباص والسيد عبد الكريم بن سليمان قبله، أحدهما مارّة على ثنية المجاهدين السفلية، وقد قطعوا بها واد العـَرجة، ومنه إلى ثنية بن اسعيد، والثانية مارّة على ثنية المجاهدين الفوقية مارّة على الموضع المسمى بثنية البيضة، ومنه إلى واد الدفيلية، واجميع هذه المواضع موالية لنا…”
نعِدُ القرّاء بنشر مزيد من الوثائق عن المشاكل التي عانى منها مجال واحة فجيج مع السلطات الفرنسية أولاً، ثم مع الجزائر المستقلة ثانيا، خاصة بعد أن تبنّت منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1964 مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار، رغم التحفظ الشديد الذي أعلن عنه المغرب في حينه.
باحثمنذ 4 سنوات
عين العقل..مقال،عبارة عن مرافعة،محكمة..شكرا للجريدة الرائدة رسبريس وللاستاذ الباحث برحال
بولعوالمنذ 4 سنوات
شكرا للاستاذ عكاشة برحال على هذا الراي الشافي الوافي. الذي ينتصر للحق المغربي في اراضيه المغتصبة من طرف طغمة العسكر الجزائري الحاقد..
محمد شلبيرمنذ 4 سنوات
توضيحات وتحليلات قيمة نبين قيمة البحث التاريخي الرصين الموضوعي والملتزم في خدمة الحقائق التاريخية وبناء المرافعات القانونية المساعدة على كسبها بالأدلة الدامغة في المحافل والمحاكم الدولية.