متابعة: محمد أعزيز (مختبر السرديات الدار البيضاء)
نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية بآداب بنمسيك الندوة العلمية العاشرة للطلبة الباحثين في الدكتوراه، بعنوان”في الحاجة إلى أحمد اليبوري” وذلك يوم الخميس 16 دجنبر 2021، ابتداء من الساعة التاسعة صباحا، بقاعة الندوات، وتم نقل الندوة عبر صفحات التواصل الاجتماعي لمختبر السرديات.
* الجلسة الافتتاحية:
استهل الندوة شعيب حليفي مدير مختبر السرديات والخطابات الثقافية، مشيدا بالتراكم الذي تحقق لدى المختبر في سعيه إلى تمكين الطلبة الباحثين من الآليات البحثية القمينة بتطوير أعمالهم البحثية، مشيدا بالجهود الكبيرة التي يبذلها الطلبة للارتقاء بمؤهلاتهم المعرفية ومهاراتهم المنهجية، منوهاباشتغالهم الجدي على موضوع الندوة العاشرة،مما يعكس المكانة الرفيعة للأستاذ اليبوري. لينقل الكلمة إلى السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، عبد القادر كنكاي الذي عبر عن سعادته البالغة بالاستمرارية الفعالة والمنتجة التي مافتئ المختبر يبرهن عليها، من خلال عمله الجدي والمسؤول، مؤكدا على أهمية ما يقوم به المختبر باعتباره حاملا لمشروع بِبُعد استراتيجي يروم تأهيل الباحثين الشباب للقيام بأدوارهم البحثية على أكمل وجه، وقد حث السيد العميد الطلبة الباحثين على بذل مزيد من الاجتهاد لتتويج هذه الجهود بنشرها في مجلة دفاتر الدكتوراه، مشيدا في الآن نفسه بموضوع الندوة المتمثل في مقاربة إنتاجات الأستاذ أحمد اليبوري نظرا لإسهامات هذا الرجل القيمة باعتباره مؤسسا لمدرسة نقدية، فأياديه بيضاء على الحقل الأكاديمي والثقافي ومن ثمة، فلحظة الاعتراف العلمية هذه تأتي وفاءا لما أسداه اليبوري للبحث الأكاديمي.
* جلسة الشهادات والتقديم
تناول الكلمة في البدايةالأستاذ شعيب حليفي، معرجا على سيرة المحتفى به، معتبرا إياه تجسيدا حقيقيا لمفهوم المثقف العضوي، إذ يرجع الفضل لليبوري في تأسيس تقاليد علمية عريقة، وذلك من مختلف المناصب والمسؤوليات التي تقلدها، سواء باعتباره أستاذا جامعيا أو رئيسا لاتحاد كتاب المغرب أو من خلال إشرافه على مجموعة من المجلات سواء آفاق أو المناهل أو الوحدة، فاليبوري آمن بفكرة دمقرطة الجامعة وأسس الدرس الأدبي الحديث رفقة زملائه من الأساتدة الذين جايلوه، وقد عانى التضييق والإبعاد جراء مواقفه الجريئة. إنه مثقف عضوي، وأديب متنوع الاهتمامات؛ كتب النقد والمقالة والقصة والشعر.
وقد أعقب هذا الاستهلال، مداخلة الطالبة الباحثة لبنى حساك التي قدمت قراءة في آخر أعمال اليبوري النقدية”في شعرية ديوان روض الزيتون لشاعر الحمراء”، إذ أبرزت معالم الاشتغال النقدي في المؤلف، فاعتبرت ما قدمه اليبوري بمثابة القراءة المتنوعة الامتدادات، إذ ينهل الناقد من حقول معرفية متعددة للإحاطة بالمنجز الشعري لشاعر الحمراء، فاليبوري رسم صورة الشاعر بمختلف أبعادها فقيها، وموظفا، وماجنا ومصلحا ..وبذلك فقد دشن قراءة مغايرة متجددة، كما سعى اليبوري إلى تأمل المنجز الشعري لشاعر الحمراء من خلال عدّة مفهومية دقيقة مكنته من دفع شبهات السرقة عن ابن إبراهيم، كما ساعدته في إماطة اللثام عن محاسن شعر الشاعر. وقاده اشتغاله المنهجي الرصين إلى الإحاطة بمختلف الحيثيات والسياقات المتحكمة في القول الشعري لدى الشاعر وذلك عبر التوليف الخلاق بين المناهج السياقية سواء التاريخي أو الاجتماعي أو النفسي.
وتلت هذا الورقة التقديمية شهادتين في حق اليبوري :
الأولى للأستاذة صفية أكطاي الشرقاوي سلطت فيها الضوء على الجانب المهني للرجل، فتوقفت على تمكنه المعرفي، وعمقه الإنساني، ونقلت بعض السمات العامة التي امتاز بها اليبوري في أداء مهامه العلمية، حيث كشفت هدوءه، وصرامته وشغفه بمواكبة أعمال طلبته البحثية حتى وهو في أحلك ظروف التضييق والإبعاد.
الشهادة الثانية ألقاها الأستاذ الحسني محمدي وهو أيضا من طلبة الأستاذ اليبوري، حيث أسهب المتدخل في تعداد خصال المحتفى به مبرزا اتسامه بالجدية والصرامة وفي الوقت نفسه، متصفا بالإنسانية والالتزام، فهو حازم في غير شدة، ولين في غير ضعف، كما أشار ذ/ الحسني إلى الاعتزاز الكبير بالهوية المغربية في كافة مناحي حياة اليبوري، فكرا وعاطفة وانتماء، واستعرض المتدخل ملامح الفاعلية في التدريس التي ميزت اليبوري وكانت سرّ التفاف الطلبة حوله وإقبالهم عليه، هذا ناهيك عن التزامه الطلائعي في ارتباطه بقضايا مجتمعة سياسيا ومجتمعيا.
اختتمت هذه الجلسة بعرض شريط للمحتفى به الذي خص الملتفين حول إنتاجه بكلمة عبر فيها عن امتنانه وشكره لهذا التقدير، كما اعتذر عن غيابه عن الحدث العلمي، بفعل ظروف قاهرة، ليعرج على ذكر أهم الإشكالات التي دفعته إلى البحث في شعر ابن براهيم، محددا أهداف دراسته الجديدة وسياقها، وجدد في ختام كلمته شكر القائمين على هذه الفعاليات.
* الجلسة العلمية:أبحاث طلبة الدكتوراه
نسقت اشغال هذه الجلسة سلمى براهمة التي بسطت الدوافع التي تحكمت في اختيار إنتاجات اليبوري للتداول العلمي، مستحضرة أهم الخصائص التي تميز أعمال اليبوري كالدقة والعمق والنزعة التجديدية، والاشتغال الرصين، بالإضافة إلى الوعي المتقدم الذي يربط الفعل الثقافي بمحيطه الاجتماعي، فالحاجة إلى اليبوري تكمن دوره التأسيسي ونفَسِه التجديدي، والتزامه التحرّري، لتحيل الكلمة إلى الطالبة الباحثة نهاد القزوي، التي عنوت مداخلتها ب” القصة المغربية من التشكل إلى التجنس، حيث تناولت بالدرس والتحليل وكتاب ” تطور فن القصة بالمغرب”، مبرزة الأهداف التي سيجت اليبوري في عمله، حيث سعى إلى تفسير ظهور القصة بالمغرب، من خلال البحث في المؤثرات العامة لتشكل النص، وكذا محاولة رصد سيرورة تطور النقد القصصي، وبيّت الباحثة طبيعة التصنيف الذي أرساه الناقد في كتابه فضلا عن إبرازها لسمة اللغة الموظفة وطبيعة الآليات المنهجية المعتمدة.
المداخلة الثانية للطالبة الباحثة زينة ايبورك،التي قاربت ” دينامية النص الروائي” باعتباره تجربة نقدية فريدة من نوعها حيث أحدث قفزة نوعية في مجال النقد الروائي خاصة الرواية المغربية، وقد بينت اعتماد الناقد على مجالات بحثية عديدة تمثلت في السيمائيات و السيمائيات الدينامية والتحليل النصي ونظرية التلقي ولاوعي النص، استنادا إلى هذه الخلفية النظرية والمنهجية عمل الناقد على توزيع المتن الروائي الذي اختاره أرضية للمقاربة إلى أربعة محاور، كل محور يشكل فصلا مستقلا، وكل فصل يحمل عنوانا خاصا كالآتي: التكون النصي والمرجعي والاستيطيقي ولا شعور النص و التباس العلامات، منطلقا من النص تحليلا و تفكيكا دون الانتباه لسيرة الكاتب و غيرها..
أما الطالب الباحث أحمد الفتاشي، فقد تناول كتاب “في الرواية العربية: التكون والاشتغال،” مبرزا قضاياه النقدية، موضحا طبيعة الاشتغال المفهومي الإجرائي المستند إلى البقايا والاشتغال الأطروحي.وقد حاول الطالب من خلال هذه الورقة الإجابة على إشكاليته استنادا إلى المحاور الآتي: الرواية واللغة، الرواية والتخييل، الرواية والمثقافة. الانشطار وتجلياته في المحكي السردي العربي.كما حاول إبراز ملامح الاشتغال الأطروحي، والوعي القومي في الرواية العربية من منظور الناقد وخلفيته النقدية.
وقد ساهم الطالب سعيد البوبكري بورقة موسومة ب” أسئلة المنهج: قضايا وتصورات” معتبرا أن كتاب “أسئلة المنهج ” يبرز بالملموس حجم الانشغالات التي كان اليبوري حاملا لها ومنشغلا بها بكل أمانة وصدق، وما أبحاثه ومكانته بالجامعة المغربية إلا دليل واضح على وجود هذا الصدق، حيث ظل أحمد اليبوري يسعى لبناء نموذج بيداغوجي أساسه البناء الحقيقي والتراكم المعرفي، فكتابه، يعد إسهاما أساسيا في النقد الأكاديمي بالمغرب، ومن جهة ثانية فهو يؤسس لمعرفة نقدية منهجية متميزة، تقوم على تصور دقيق ومحكوم بخلفيات رصينة، يروم من خلال ذلك استقصاء تكون الأطروحات الجامعية التي ناقشها والحكم على مدى انسجامها ومدى تمثلها للخصائص المنهجية للبحث الأكاديمي، وبذلك فهو يمثل دليلا منهجيا إجرائيا ينير طريق الطلبة الباحثين، ويدلل مجموعة من الصعاب المرتبطة بقضايا البحث العلمي، كما يمثل أنموذجا يحتذى به في المختبرات العلمية سواء ارتبطت بالعلوم التجريبية، أو بالعلوم الإنسانية.
أما الطالبة سارة الأحمر فقد سلطت الضوء على “ذاكرة مستعادة عبر أصوات ومنظورات” لأحمد اليبوري، للكشف عن الأنساق المضمرة الثاوية خلف سيرة الرجل من خلال الوقوف عند النسقين البارزين؛ السياسي والثقافي، عن طريق التوسل بأدوات النقد الثقافي في رؤاه وتصوراته، من أجل إضاءة النص واستكناه دلالاته، على اعتبار أن الخطاب الأدبي ليس بمنأى عن السياق السياسي والثقافي للكاتب.
وقدم الطالب رضوان متوكل في المداخلة الأخيرة المعنونة بـــ: ” اليبوري، الناقد، المعلم، والإنسان: قراءة في دراسات وشهادات حول أحمد اليبوري” استهلها بتقديم عام بين فيه مدى الاهتمام اللافت الذي حظي به أحمد اليبوري، سواء من خلال الدراسات الكثيرة التي قاربت كتبه، أو من خلال الشهادات العديدة التي كانت بمناسبة الاحتفاء به، وقد توقف المتدخل في معرض على كلامه عند نموذجين للدراسات، واثنين آخرين للشهادات، وخلص من خلالهما إلى فرادة أحمد اليبوري واستثنائيته، لكونه جمع بين صفات الإنسان، والمعلم، فالناقد.
وفي ختام هذه المداخلات، تم فتح النقاش حيث أغنى الحاضرون الجلسة بإضافاتهم وأسئلتهم.