حبس الملايين في مختلف أنحاء العالم أنفاسهم على مدى أيام وهم يتابعون الجهود المضنية لإنقاذ الطفل المغربي ريان وفجرت معاناته ووفاته مشاعر الحزن وأقضت المضاجع وأسالت الدموع لتوحد الناس دون أي اعتبارات سياسية أو أيديولوجية أو عرقية.
وتابع العالم الأزمة لحظة بلحظة عبر وسائل الإعلام في بلدان المنطقة وخارجها وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ونعت قيادات سياسية وشخصيات عربية وعالمية ريان بعد أن تأكدت وفاته عقب انتشاله.
ظل الطفل ريان ذو الخمس سنوات عالقا على عمق 32 مترا في بئر ضيقة في قرية “إغران” قرب شفشاون في شمال المغرب لمدة خمسة أيام دون أن تتمكن فرق الإنقاذ من إخراجه منها، بسبب طبيعة التربة في تلك المنطقة المعرضة للانجراف.
ورصدت كاميرات فرق الإنقاذ ريان في اليومين الأولين من سقوطه وهو يتحرك حركات بسيطة. غير أن المسعفين لم يفلحوا في دخول البئر وانتشاله نظرا لضيقها حيث يصغر قطرها في الوسط إلى 20 سنتيمترا.
واضطرت فرق الإنقاذ إلى حفر حفرة موازية للبئر بحذر شديد خوفا من انهيار التربة.
وحشدت قضية ريان تعاطفا عربيا وعالميا، وانتشر وسم “انقذوا ريان” على وسائل التواصل الاجتماعي من اليوم الثاني لسقوطه، وتابع عملية إنقاذه عدد من القنوات العربية والعالمية على أمل خروجه على قيد الحياة.
غير أن حزنا طاغيا وشعورا بالصدمة خيما على المغاربة وعلى من تابعوا مأساته عقب إعلان وفاته بعد دقائق قليلة من انتشاله.
وتوالت التعليقات الحزينة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية من شخصيات مرموقة ومن المواطنين سواء كانوا عربا أم أجانب.
قالت المغربية فاطمة الزهراء غافير الموظفة بإحدى الشركات الخاصة لرويترز “لم أنم ليلتين متتاليتين وأنا أتتبع أخبار عملية الإنقاذ عبر القنوات العربية والعالمية … بكيت كثيرا في داخلي وغرقت في صمتي لأنني لم أرد أن أظهر لأطفالي الصغار تأثري حتى لا أحزنهم أكثر. لكن في الليل سمعني زوجي وأنا أبكي وانتحب لا شعوريا وأنا نائمة”.
وأضافت “هذ أمر لم يحدث لي حتى عند وفاة والدي”.
وقال لوسيانو بونسي (45 عاما) وهو إسباني مقيم بالعاصمة مدريد عبر وسائل التواصل الاجتماعي لرويترز “سمعت بقصة ريان في بدايتها وتتبعت عملية إنقاذه من هاتفي وفي اليوم الأخير تتبعتها على قناة إسبانية، لكن للأسف موته كان مؤثرا جدا”.
وأضاف “في مثل هذه الحالات ننسى جميع الأمور التي تفرق الشعوب من جنسية ودين وعلاقات سياسية. كلنا اعتبرنا ريان ابننا أو ابن أحد أقاربنا. في مثل هذه الأمور ما يهم هو الإنسان، إما أن تكون إنسانا أو لا تكون”.
مشاعر في وقتها
يرى محمد بودن رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية أن أزمة سقوط ريان وحدت الناس على اختلاف انتماءاتهم السياسية والجغرافية في الدول العربية بل وفي الولايات المتحدة وأوروبا.
قال بودن “قضية ريان تمكنت من خلق توافق بين أكثر من جهة أحيانا لها اختلاف في الآراء. وهذه حالة فريدة، كما أن الموقف كان نفسه من مواطنين في الخليج العربي والشرق الأوسط وفي كل بقاع العالم، بكل اللغات وبكل الإشارات”.
قضية ريان تمكنت من خلق توافق بين أكثر من جهة أحيانا لها اختلاف في الآراء
وهو يرى أن العالم ربما كان بحاجة في الظروف التي يمر بها لمثل هذا الحدث “ليكون ريان اسما ليختبر إنسانية الإنسان”.
يقول بودن عن الواقعة “رغم أنها نقمة فهي نعمة في نفس الوقت. فالعالم يعيش على إيقاع احتقانات من زوايا عدة، كالصراعات والحروب والتوترات وخاصة ما ترتب عن وباء كوفيد-19 من مشاعر سلبية وعزلة وخوف من المجهول”.
ويقول المحلل الاجتماعي علي الشعباني إن الأزمة “استطاعت أن توحد الكثير من المجتمعات، كثير من المتضامنين حتى من المجتمعات التي كانت بينها بعض الخصومات أو الاختلافات في مجالات كالسياسة أو الرياضة”.
ويضيف “هذا ظرف إنساني يدعو إلى التكافل. الكل رأى في هذا الطفل ابنه أو ابن أقاربه”.
ويرى الشعباني في وفاة ريان رسائل موجهة أولها “أن ينتبه الآباء والأمهات إلى أبنائهم من كل الأخطار حتى لا يقعوا في مثلها، وأن الإنسان يبقى إنسانا في حاجة إلى أن نتضامن معه ونتكافل من أجله ونخدمه بغض النظر عن ديانته وعرقه وكل هذه الانقسامات الزائفة”.
أما الشاعر المغربي محمد بلمو فيرى في قصة ريان فرصة للاهتمام بالطفولة لاسيما في المنطقة العربية.
قال بلمو لرويترز “مأساة الطفل ريان تجعلنا نقف على مآسي الطفولة خاصة في العالم العربي، إذ يجب على كل الشعوب أن تعطي أهمية أكبر للطفولة، ونساعد أطفالنا في سوريا وفي العراق وفلسطين واليمن، ونبعد عنهم شبح الحروب والاستغلال والاستعباد والكوارث”.
وأضاف “المغرب حرك جبلا من مكانه من أجل إنقاذه ريان والتفاعل كان رهيبا من طرف الشعوب العربية والإسلامية وباقي ومختلف دول العالم.. فلا بد أن نجعل من هاته القضية درسا للاهتمام أكثر لما تعانيه الطفولة والأطفال في مختلف دول العالم”.
ونعى ريان عدد من رؤساء الدول والشخصيات الرياضية والفنية والسياسية، من بينهم بابا الفاتيكان فرنسيس، الذي وصف احتشاد الناس حول الجهود المبذولة لإنقاذ ريان بالأمر “الجميل.. وسط الأخبار السيئة التي يشهدها العالم”.
كما نعاه العديد من الشخصيات العالمية منها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب وعدد من الأندية الرياضية منها نادي برشلونة الإسباني والعديد من الشخصيات العربية من الساسة والفنانين والرياضيين.
ووقف اللاعبون والحكام والجمهور دقيقة حدادا على ريان في المباراة النهائية لبطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم بين مصر والسنغال مساء يوم الأحد.
(رويترز)