(خديجة الطاهري)
أثار قرار الحكومة رصد اعتمادات مالية إضافية في ميزانية الدولة لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، ردود فعل في أوساط المعارضة النيابية التي ترى أن التوقعات التي ارتكزت عليها الحكومة في إعداد قانون مالية سنة 2022، باتت متجاوزة ولم تخرج عن نطاق الفرضية إلى الواقع، مما يستوجب إقرار مشروع تعديلي لقانون المالية الحالي وإعادة النظر في أهدافه واختياراته الاجتماعية والاقتصادية والمجالية “المتجاوزة” جراء مستجدات الوضعية الراهنة.
فهل هناك حاجة إلى إقرار قانون مالية تعديلي لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية المركبة التي يعرفها المغرب، أم أن الحكومة لديها من الخيارات ما يمكنها من التعامل مع الظروف الاقتصادية الحالية دون اللجوء إلى تعديل قانون مالية 2022؟
وفقا لأستاذ المالية العامة والسياسات العمومية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال-الرباط، جواد النوحي، فإن أولى التحديات التي تواجه أي حكومة في مسار قانون المالية، هي القدرة على تنفيذ مقتضياته وفق ما توقعته في تحضيرها للمشروع، ففعالية الحكومات تقاس بمدى النجاح في تحصيل الموارد التي قدرتها، إذ لا يمكن لها أن تفي بوعودها دون التمكن من بلوغ الموارد المقدرة، لأن أوجه الإنفاق الحكومي مرتبطة بمستوى مداخيل الميزانية، وتقوم هذه الأخيرة على تقنيات محكمة تسعى لأن تكون مطابقة للواقع.
ولأجل النجاح في هذا الأمر، يتابع الخبير في المالية العمومية، ترتكز الحكومة باعتبارها المسؤولة عن إعداد مشروع قانون مالية السنة على فرضيات متعددة، وفي حال أي تعثر يحصل خلال السنة المالية، تكون الحكومة ملزمة بإعداد مشروع قانون مالية تعديلي يتم تقديمه ومناقشته أمام البرلمان، لتسري مقتضياته على ما تبقى من السنة المالية.
وارتباطا بالجدل المثار حاليا حول ضرورة إقرار قانون مالية تعديلي من عدمه بعد صرف الحكومة لمساعدات خارج إطار الميزانية للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، أكد الأستاذ الجامعي أن جل المؤشرات تبين أن السياق الدولي والوطني اليوم صعب في المغرب حيث يتسم بتأخر في الأمطار، والارتفاع الصاروخي في الأسعار وسعر غاز البوطان على المستوى العالمي، وسعر البترول الذي وصل إلى مستويات قياسية، وهو ما سيؤثر على الفرضيات التي ارتكز عليها قانون المالية رقم 76.21 للسنة المالية 2022.
وتابع أن الأحداث الجيو استراتيجية، خاصة النزاع الروسي الأوكراني، والتي تظل الضبابية تحيط بتطوراتها، لها أثر مباشر وغير مباشر على الاقتصاد الوطني، فضلا عن استمرار تداعيات جائحة كوفيد- 19، كل هذه المعطيات تؤشر على استمرار الأزمة الاقتصادية، لافتا إلى أنه في خضم هذه الظرفية الاقتصادية ، يطرح التساؤل حول مدى قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها وتنفيذ قانون المالية وفق توقعاتها.
على مستوى الأرقام، يقول الخبير في المالية العمومية، إن أرقام الخزينة العامة للمملكة المرتبطة بتنفيذ قانون المالية الساري تبين أننا أمام وضعية عادية لتنفيذ الميزانية، وهو أمر طبيعي، فشهران غير كافيين لبروز الملامح العامة لوضعية مالية الدولة، التي عادة ما تظهر شهر يونيو، وذلك مرتبط بمحددات اقتصادية وتدبيرية.
ويرى الأستاذ النوحي أن القدرة على تخفيف آثار ضعف الموسم الفلاحي والتغير في الفرضيات، ما زالت ممكنة بالنظر إلى التساقطات المطرية المسجلة خلال شهر مارس، وإمكانية ارتفاع مساهمات قطاعات اقتصادية أخرى في الناتج الداخلي الخام. فالأشهر المقبلة هي التي ستثبت الأمر من عدمه.
وسجل أن الإكراهات التي تواجه الميزانية كبيرة، حيث أن تحقيق الموارد المقررة في قانون المالية يتطلب الحاجة إلى تقوية آليات التمويل المبتكرة، وهو أمر يصعب قياس فعاليته الآن، مبرزا من جهة أخرى، أنه من المنتظر أن ترتفع المديونية، في وقت قدر قانون المالية دين الخزينة في 77,8 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
لذلك، يقول المتحدث، لا تظهر حاليا الحاجة إلى وضع قانون مالية تعديلي لثلاثة أسباب تتلخص في عدم وضوح المعطيات الاقتصادية التي ستظهر في الثلاثة أشهر المقبلة، خاصة بعد إصدار تقرير كل من بنك المغرب في نهاية شهر مارس الجاري، والنشرات الإحصائية الشهرية المقبلة للخزينة العامة للمملكة، ودراسات المندوبية السامية للتخطيط.
ويتمثل السبب الثاني، بحسب الأستاذ النوحي، في كون تقديم مشروع قانون مالية تعديلي يفترض أن الحكومة ستغير خياراتها وتوزيع نفقاتها. وهو ما لم يظهر بعد، لأن قانون المالية التعديلي لا يجب أن يكون مجرد ترف تشريعي، وإنما هو قانون تعدل من خلاله السياسات والبرامج العمومية، فيما يهم السبب الثالث كون تراجع الموارد لا يعني اللجوء إلى قانون مالية تعديلي، إذ بإمكان الحكومة أن تلجأ إلى آلية توقيف الاستثمار وفقا لما يقرره القانون التنظيمي لقانون المالية كما حدث سنة 2013 إذا ظهر لها كحل لتجاوز إكراهات تحصيل الموارد.
في المقابل، خلص المتحدث إلى أن عدم لجوء الحكومة إلى إقرار قانون مالية تعديلي ليس بالضرورة أمرا مطلقا، بل يهم المرحلة الحالية، لذلك فإنه يمكن للحكومة أن تلجأ إلى خيار وضع مشروع قانون مالي تعديلي وفقا للتحول في الأسباب التي سبق ذكرها، وبما يضمن الامتثال لمبدأ صدقية الميزانية، الذي يمليه القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، ولا سيما المادة 10 منه، التي تنص على أنه: ” تقدم قوانين المالية بشكل صادق مجموع موارد وتكاليف الدولة. ويتم تقييم صدقية الموارد والتكاليف بناء على المعطيات المتوفرة أثناء إعدادها والتوقعات التي يمكن أن تنتج عنها”.