ضمن صفحة مواهب وابداعات قصة : وعد

admin
2019-03-16T17:04:21+01:00
مواهب وابداعات
admin16 مارس 2019آخر تحديث : منذ 6 سنوات
ضمن صفحة مواهب وابداعات قصة : وعد

خالد لخصيم
” وإن أنت تركتني فلن أتركك، وأعدك أنني سأكون بجانبك حين يشتد وطيس الحرمان وتعانقين عقارب الوحدة، سأكون بوصلتك حين تتوهين، وضالتك حين تمشين في الشوارع على حافة التيه بغير هدى..”كانت هذه آخر جملٍ قالها بعد أن عصفت بهم رياح القدر لضفتين متباعدتين، لم يكتب لهما المواصلة في الدرب معًا، لكن أحدهما أبى أن يستسلم، وقرر أن يتحدى الأقدار ويكتب فصلاً إضافيًا بعد النهاية. ” كل ما في الأمر أنهما إفترقا …! أفجع ما في الأمر أنهما إفترقا..! ” بهذه البساطة الموجعة، التي تستنزف الروح وتدوس على ماتبقى من حطام القلب كدَوسَ المارة على أعقاب السجائر وأوراق الخريف.تركها ترحل، لم يكن في مقدوره مسكها بالغصب أو إرغامها على كتابة فصلٍ جديدٍ بعد الخاتمة، في الغالب تأتي النقطة آخر السطر لتنتهي الكلام، وهي فعلاً قد وضعت نقطة النهاية وأغلقت كتاب الحب ثم مضتْ لحال سبيلها محملّة بأوزار الألم والشوق والحنين.صدَّتْ بوجهها عن العلاقات العاطفية، وتمنَّعت عن تسليم قلبها مجددًا فغدت فتاة عملية تحيا لتشتغل .كان يراقبها بإستمرار ، يذهب كل أمسية بجوار بيتها، يتحسس حائط منزلها تحسس الأعمى للجدران، يغرس وردةً أمام بيتها، ينظف الهواء الذي يطوِّق شارعها بكلتا يديه، ويكتب من حين لآخر شعرًا بالفحم على واجهة منزلها والمنازل المجاورة لها..في أعياد الميلاد ، الأعياد الدينية، عيد الحب، ومتى ماحنَّ كان يمسك الفحم ويكتب لها الرسائل لدرجة أن الشارع غدا مملوءًا بكتاباته التي تصدح بالحب والشوق.الجيران جميعًا عرفوا قصة هذا العاشق الولهان، – روميو عصره- .لم يذهب إليها إطلاقًا ولم يضايقها بتدخلاته المفاجئة، إحترم قرار إبتعادها ولكنه لم يحترم وعده لقلبه ..خان العهد وعصر ماتبقى من رحيقٍ في ذلك الوردي الراقد يسار الصدر ، ثم قدَّمه لطيفها عربون إمتنان.أحبها حبين، شغفين، رنا إليها كطيرٍ وجد في دفئها عُشًا يعفيه من أوزار التحليق مع المهاجرين.بعد شهورٍ مرضتْ مرضًا عضال، تأسف لحالها كثيرًا وتألم، ربما لو كان أي أحد -مفترض- مكانه لتخلى عن فكرة مواصلة عشقها، خصوصا وقد صارت ككومة لحم ممدة على السرير تصارع الموت .لكن بالنسبة له فقد كان العكس ، هذه المآساة تمخَّض عنها عشق مضاعف بدل الهجر والنسيان..لم تكن كالكراكيب التي يجب التخلص منها عندما تغدو غير صالحة للإستعمال، بل كانت بالنسبة له كالحياة تؤخذ بحلوها ومرها، بأفراحها وأحزانها، بإبتسامتها ودموعها.لذلك فقد زاد جنونه وبلغ هيامه الهوس..!حين أصبحت غير قادرة على مغادرة غرفتها، أصبح يتسلق جدران أحد المنازل المهجورة والذي يجاور منزلها، فيلمح شيئا من ملامحها، ينظر إليها بإمعان ويكتب لها على زجاج النوافذ كلمات الغزل، فتنظر إليه بعجز ووهن ثم تبتسم أول الأمر وتبكي بعدها.إن الدموع التي تعقب الفرح ، هي إعتراف صارخٌ بمدى صدق تلك الفرحة التي دفعت صاحبها ليمطرِ زُلالا صافياً من مُقلتيهِ لشدة تأثره.لم يُشعرها مطلقا بالفرق، أحبها في قوتها وضعفها، وقت عنفوانها وزهوها، وحين ذبلت وتلاشت.ظل دائما مؤمنًا بأنها ستتحسن وستُشفى وتعود متوهجةً، مزهرة كما إعتاد رؤيتها، لكن للآسف حدث العكس..!ذابتْ رويدًا رويدًا كأنها تمثال من شمع وُضع بجوار النار ، يومًا تلو الآخر كان حالها يزداد سوءًا وبريقها يأفل. ثم في النهاية ماتت حبيبةُ القلب بعد صراع طويلٍ مع المرض ، كاد يجن جنونه حين علم بالخبر.لم يصدق ما حصل وتصلبت أجزاءه، لمح جثتها تُخرج من البيت وتُنقل إلى المستشفى، سمع البكاء الصاخب عن روح هذه الملاك التي توفيت في أوج شبابها.ماتت عصرًا وفي المساء حين بدأت تظهر أولى خيوط الليل البارد، الحالك السواد وجدوه في بيته منتحرًا ..لقد شنق نفسه ومات، تاركا خلفه رسالة يقول فيها : ” وإن أنت تركتني فلن أتركك، وأعدك أنني سأكون بجانبك..لن تكوني وحدك في غرفة الأموات وسط الغرباء، أنا قادم إليك يا حبيبتي ، لن أتركك للظلام وحدك، لن أتركك للموت وحدك ، معًا كنا نمني النفس أن نكون .. لكن شاءت الأقدار أن لانكون..!وختامًا أقول ما قال الأعربي للأصمعي : سمعنا أطعنا ثم متنا فبلِّغوا ….. سلامي إلى من كان بالوصل يمنعُهنيئًا لأرباب النعيم نعيمهمْ ….. وللعاشق المسكين ما يتجرعُ”لم تمضي إلا سويعات قليلة حتى نقلوه هو الآخر لغرفة الأموات، ووضعتْ جثته بجوار جثتها في تلك القاعة البارد المظلمة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.