أطلقت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، مؤخرا، الحوار الوطني حول التعمير والإسكان، وهو مبادرة تروم إرساء إطار مرجعي وطني من أجل تنمية حضرية شفافة، منصفة، مستدامة ومحفزة.
في هذا الحديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، تبرز وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، أهداف هذا الحوار والانتظارات المرجوة منه، وكذا أهمية الأنشطة والورشات التي سيتم تنظيمها بهذه المناسبة.
1 – ما هو السياق العام لتنظيم هذا الحوار الوطني حول التعمير والإسكان ؟
في البداية أود أن أعرب عن سعادتي، أن الحوار الوطني حول التعمير والإسكان حظي بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
وقد انطلقت فعاليات هذا الحوار الوطني يوم الجمعة 16 شتنبر 2022 برئاسة رئيس الحكومة، وبحضور الوزراء المعنيين، وكذا ممثلي العديد من المؤسسات الدستورية والهيئات والمؤسسات العمومية والمنظمات المهنية.
كما أن تنظيم هذا الحوار يأتي تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية التي تدعو إلى ضرورة إطلاق التفكير والنقاش العموميين بخصوص دعم التنسيق في إعداد السياسات العمومية، وتعزيز الالتقائية والانسجام بين مختلف التدخلات القطاعية، لتحقيق التنمية بأبعادها الشاملة والحد من الفوارق المجالية والاقتصادية والاجتماعية.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن تنظيم الحوار الوطني ينسجم كذلك مع فلسفة النموذج التنموي الجديد الذي أوصى بتفعيل مقاربة البناء المشترك، واعتماد تصور جديد للتعمير والإسكان يراعي التمازج الاجتماعي والوظيفي للمجالات واستمرار التدبير المستدام لها.
ويعتبر هذا الحوار، أيضا، تكريسا لمنهجية الحكومة في تنزيل برنامجها الذي يرتكز على ثلاثة محاور، تتمثل في تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية ومواكبة تحول الاقتصاد الوطني لتشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل وتعزيز الحكامة.
إن مبادرة الوزارة بإطلاق حوار وطني حول التعمير والإسكان، تأتي لإحداث قطيعة، ليس مع الاستراتيجيات والرؤى التي يحكمها التراكم والتثمين، ولكن على مستوى المقاربات التي أبانت عن محدوديتها، إن على مستوى الجودة المشهدية والمعمارية لفضاءاتنا أو على مستوى التدبير، لاسيما في ما يخص ثقل المساطر وطول الآجال وتعدد المتدخلين وتقادم النصوص القانونية.
2 – ما هي أهداف الحوار الوطني حول التعمير والإسكان ؟
حقق قطاع التعمير والإسكان قفزة نوعية خلال العشرينية الماضية ومكن من إنجاز مكتسبات كبرى، إلا أنه لا زال يواجه مفارقات عديدة، لذلك لا يجب أن ينظر إليه من زاوية تقنية فقط، ولكن كقطاع متعدد الأبعاد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، حيث يشكل قاطرة لتحفيز الاقتصاد وإنعاش الاستثمار وإحداث فرص الشغل، كما أنه يساهم في الارتقاء بإطار عيش المواطنات والمواطنين.
لهذا فإن الهدف الرئيسي من الحوار الوطني يكمن في بلورة خارطة طريق جديدة في ميداني التعمير والإسكان وذلك على ضوء التوصيات والمقترحات التي ستنبثق عن مختلف المحطات التشاورية الوطنية والجهوية. خارطة الطريق هذه تروم تفعيل النموذج التنموي الجديد وإرساء إطار مرجعي وطني من أجل تنمية حضرية عادلة، مستدامة وتحفيزية للاستثمار المنتج واقتراح عرض سكني يأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، وكذا إعداد برنامج متجدد للدعم بهدف تطوير مجالات حضرية-قروية دامجة وقادرة على التكيف ووضع مقاربة مندمجة تهدف إلى إنقاذ وتثمين التراث المبني.
3 – ما هي المقاربة المعتمدة لتنظيم هذا الحوار الوطني ؟
حرصا منا على إشراك جميع الفرقاء، وتنزيل النموذج التنموي الجديد والجهوية المتقدمة، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، قمنا باعتماد مقاربة تشاركية لتنظيم فعاليات هذا الحوار الوطني تنبني على التشاور مع كافة المتدخلين في ميدان التعمير والإسكان من قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية وهيئات منتخبة ومهنية وفعاليات المجتمع المدني وخبراء مختصين سواء على المستوى الوطني أو الجهوي، وذلك من خلال النقاش وتبادل الآراء حول الإشكاليات المرتبطة بالتخطيط الحضري والعمراني وتوفير السكن اللائق لمختلف شرائح المجتمع، قصد الخروج بتوصيات ومقترحات عملية قابلة للأجرأة.
لهذا تم إحداث لجنة وطنية تشكل إطارا مؤسساتيا يجمع مختلف الفاعلين المعنيين من قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية وهيئات منتخبة ومهنية وفعاليات المجتمع المدني وخبراء مختصين، وذلك من أجل اقتراح خارطة طريق على ضوء التوصيات التي ستنبثق من كافة المحطات التشاورية الوطنية والجهوية تتضمن الإجراءات والتدابير الكفيلة بتحقيق الأهداف المتوخاة من الحوار الوطني.
وللتذكير، فإن هذه المشاورات الجهوية ستنظم في نفس اليوم على مستوى جميع الجهات، وذلك يوم 21 شتنبر 2022 .
4 – ما هي المحاور الرئيسة التي سيتطرق لها هذا الحوار وماهي الانتظارات المرجوة منه ؟
سيتطرق الحوار الوطني للتعمير والإسكان إلى أربعة محاور رئيسية وهي كالتالي: التخطيط والحكامة، والعرض السكني، ودعم العالم القروي والحد من التفاوتات المجالية، وكذا تحسين المشهد العمراني والإطار المبني.
+ ورشة موضوعاتية بخصوص التخطيط والحكامة+:
كما تعلمون يرتكز قطاع التعمير وآليات التخطيط الترابي على مرجعيات قانونية متجاوزة، ورغم ذلك فإن منظومة التخطيط المعمول بها مكنت من تحقيق مجموعة من المكتسبات الهامة ومواكبة تنزيل البرامج القطاعية وإنجاز الأوراش المهيكلة للبلاد.
رغم كل هذه المكتسبات، فإن منظومة التخطيط الترابي وآليات الحكامة قد أبانت عن محدوديتها وأفرزت مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بآجال إعداد وثائق التعمير وبتعدد المتدخلين وبتفعيل مضامين وثائق التعمير وبالعدالة العقارية، علاوة على الحكامة والإشكالات المرتبطة بتراخيص التعمير.
لذا نريد اليوم الانخراط في بناء مشترك مع جميع المتدخلين والشركاء والمنتخبين والمهنيين والمجتمع المدني بهدف بلورة توصيات عملية من شأنها الإسهام في إعادة تموقع قطاع التعمير لتنزيل السياسات العمومية الكفيلة بتحسين إطار عيش الساكنة وتشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل وتقريب الإدارة من المواطنين.
+ ورشة تحسين المشهد العمراني والإطار المبني +
سيشكل عقد الورشة الموضوعاتية “تحسين المشهد العمراني والإطار المبني” فرصة لإثراء التفكير حول الإصلاحات إزاء الرؤية الجديدة للتدخلات الرئيسية المتعلقة بالإطار المبني : معالجة السكن غير اللائق (دور الصفيح والمباني الآيلة للسقوط)، سياسة المدينة كوعاء للإطار المبني، المحافظة على الإطار المبني التراثي وتثمينه بالإضافة إلى مناقشة رهانات الجودة والاستدامة.
ومن المرتقب أن تسفر مختلف النقاشات التي ستؤطرها هذه الورشة عن إجابات وافية في ما يتعلق بالتوجهات الجديدة والمقاربات الوقائية والتصحيحية المقترح اعتمادها في معالجة السكن غير اللائق، والسبيل لجعل سياسة المدينة محفزا حقيقيا للمشاريع الترابية وعمليات إعادة التأطير التي يمكن القيام بها لتعزيز تثمين التراث الوطني، وكذا السبل الكفيلة بجعل الجودة والاستدامة رافعتين لتحسين جاذبية وتنافسية المجالات الترابية وبالتالي تحسين ظروف عيش المواطنين.
+ ورشة العرض السكني + :
أما في ما يهم العرض السكني الذي يعرف سياقا جديدا مرتبطا بالانتهاء من التعاقد في ما يخص برامج السكن الاجتماعي، بالإضافة إلى ارتفاع ثمن مواد البناء والانتظارات المتجددة للأسر، … فمن الضروري ملاءمة العرض السكني مع الحاجيات المعبر عنها وتقريب ثمن البيع للقدرة الشرائية للأسر، ولهذا الغرض فقد قمنا بفتح النقاش حول إشكالية الولوج إلى السكن ونرجو أن يكون هذا الحوار محطة لرسم معالم برامج جديدة للسكن والتعبير عن الحاجيات الجهوية في هذا المجال. كما ستتم مناقشة التدابير والإجراءات منها المالية والعقارية، وإمكانيات تفعيلها على أرض الواقع.
+ ورشة دعم العالم القروي والحد من التفاوتات المجالية + :
المجالات الحضرية اليوم فضاءات عيش ما يقارب ثلثي الساكنة ب365 مدينة ومركزا حضريا. ومن المتوقع أن يبلغ هذا المعدل حوالي 75 في المئة بحلول سنة 2030، وتساهم في 75 في المئة من الناتج الداخلي الخام و70 في المئة من الاستثمارات وتشغل 43 في المئة من الساكنة النشيطة، في مساحة لا تتعدى 2 في المئة من مجموع البلاد.
وتسعى الدولة في هذا الإطار، إلى تدعيم المدن الوسيطة، التي تستقطب 5,7 مليون نسمة في حوالي 60 مدينة، لكسب رهان إعادة توزيع الأنظمة الاقتصادية التي شكلتها المدن الكبرى، وتخفيف العبء عليها. أما المدن الصغيرة التي لا يتجاوز عدد ساكنتها أقل من 50.000 نسمة، والتي تضم ما يقارب 4 ملايين نسمة، فيتم الرهان عليها كعنصر توازن للحد من الفوارق بين المجالين القروي والحضري وتوفير وضمان خدمة المجال القروي في ما يخص تأطير السكان.
هدفنا اليوم هو إيجاد حلول للحد من الفوارق المجالية ولتجاوز إكراهات التطور الهيكلي للمنظومة الحضرية، بما فيها امتداد التوسعات العمرانية على حساب المجالات القروية، وهذا إشكال حقيقي يجب تداركه.
5 – كيف يمكن لجميع المواطنين المشاركة الفعلية في هذا الحوار الوطني ؟
هدفنا هو إشراك جميع المواطنين والمواطنات في هذا الحوار الوطني حول التعمير والإسكان، ولهذا الغرض، أحدثت منصة رقمية مفتوحة في وجه عموم المواطنين والمواطنات، وذلك من أجل ضمان مشاركة واسعة في هذا الحوار الذي سيعرف تنظيم لقاءات تشاورية، يوم الأربعاء 21 شتنبر 2022، على مستوى كافة جهات المملكة.
وتهدف هذه المنصة الرقمية إلى فتح المجال أمام كافة المواطنات والمواطنين والقوى الحية ببلادنا، للمساهمة بآرائهم ومقترحاتهم من أجل إغناء هذا الحوار الوطني والخروج بتوصيات ومقترحات قابلة للتنفيذ، كفيلة بإعداد سياسة عمومية جديدة في مجال التعمير والإسكان.
وللمشاركة بآراء واقتراحات المواطنين يمكنهم الولوج إلى المنصة الرقمية عبر الرابط التالي:
وفي الأخير أريد التأكيد على أن الحوار الوطني حول التعمير والإسكان، هو فرصة لتموقع جديد من أجل بلورة خارطة الطريق لمغرب الغد تحت شعار، التجديد والتحفيز والقرب.