إزدانت المكتبة الأدبية المغربية، ولاسيما في رَفِّها المتعلق بالشعر، بأضْمُومة جديدة، للمبدع والناقد والأكاديمي د. يحيى عمارة، اختار لها من الأسامي عنوانا يحمل دلالة عميقة، هو “متاهة السحاب”، صدرت مؤخرا بفاس عن مؤسسة “مقاربات للنشر والصناعات الثقافية”، التي يديرها د. جمال بوطيب، بمناسبة “شهر الشعر”، الذي أعلنت عنه، من قبْلُ، خلال الفترة من 19 فبراير إلى 21 مارس 2021؛ وذلك في 80 صفحة من القِطْع المتوسط، تحتل صفحةَ وجه غلافه كلها تقريبا لوحةٌ جميلة أبدع في رسمها الفنان التشكيلي السوري محسن خانجي.
وقد أشار الشاعر، في أول مجموعته، إلى أن بعض نصوصها يعود تاريخُ كتابتها إلى أوائل التسعينيات، قبل ثلاثة عقود كاملة. وتَلفت نظر متصفّحِها مقولتان بليغتان، وردتا في مفتَتَحها، بمثابة إضاءتين يمكن أن تساعِدانا على تلمُّس بعض ظلال العنوان، وكذا مسوِّغ نعت نصوص العمل بـ”الكوكتيل الشعري”، فضلا عن توقع أهم جمالياتها وخواصّها الفنية. تقول أُولاهُما، مثلاً، وهي للشاعر الفرنسي الكبير ش. بودلير: “لماذا لا يكون الشاعر خلاّط عقاقير في موهبة الحلْواني، أو مُربّي ثعابين صالحة للعُروض والمعجزات؟!”.
وارتأى د. عمارة، في هندسة متن الأضمومة، أن يخرج عن المألوفِ؛ فأورد نصوصها وشذراتها مرقَّمَةً، على نحو تسلسُليّ، من 1 إلى 109، بدلَ عَنْوَنَتها، على أنّ بعضها أشبه، من الناحية البنائية، بقالب شعر الهايكو. وجاءت تلك النصوص واضحة التفاوت من حيث حجمُها؛ بحيث ترجّحت أسطرُها ما بين الاثنين والسبعة والعشرين كحدّ أقصى.
وجديرٌ بالذكر أن أديبَنا د. يحيى عمارة صدرت له، من ذي قبْلُ، جملةٌ من الأعمال الشعرية (مثل “لن أرقص مع الذئب”)، والدراسات النقدية (مثل “مرجعيات الشعر العربي المعاصر بالمغرب”)، فضلا عن العشرات من المقالات والقصائد التي نشرها داخل المغرب وخارجه، في عدة تآليف جماعية ومنابر صِحافية؛ كـ”الشارقة الثقافية”، و”العَلم الثقافي”.
ومن محتوى “متاهة السحاب”، نقتبس هذا النص الدالّ الجميل (ص59):
أحسُّ بذئبٍ
يَعْوي كالريحِ
في بيداءِ المدينةِ
يَتبعُني.. يتْبعُني..
يسافر معي كظِلّي
وأنا ما زلتُ أرْنو
مثلَ فَراشةٍ
تتلمّسُ خَطْوَ الرُّوحِ
في دربِ الضّياءْ.
بقلم: فريد أمعـضشو