ظل عائد يحفر ويحفر،لايكل ولايمل،ويؤكد لفرقة الإغاثة أن صوتا ملائكيا ينبعث من تحت الركام.لم يصدقه أحد.كلهم انسحبوا بفعل العياء ،والجوع ،والظلام، وأشياء أخرى…وبدؤوا يشككون في منطقه.
كان هناك نور ينبعث من تحت،ويتجه نحو فؤاده المكلوم.صوت يعرفه،يناديه باسمه،لكن لايسمعه أحد. تضاعفت رغبته القوية في اختراق كل الحجارة،والاسمنت،والثرى،وكل بقايا الأثاث الملقى هنا وهناك.ست ساعات دون توقف حتى وإن اضطره ذلك إلى حفر الركام بأظافره واقتلاعها.نسي الألم،والنصب،والجوع.ذلك الصوت القادم من بعيد يزيد من قوته وصلابته،فجأة انبعث ذلك النور على آدمي كأنه بعث من جديد،أو مولود قد ولد اللحظة،وتحول إلى فرس مجنح حمل عائدا على ظهره،وحلق به نحو المسجد الأقصى.نوره الساطع غشى المكان،وأعمى جنود العدو،ففروا كالجرذان.حط الرحال عند بوابة الأقصى،ونادى مؤذن أن هبوا لصلاة الشكر والثناء.
في الغد كانت القدس خلاء من الغزاة،والسماء تمطر.نظيفة،سعيدة،نضرة.سمعت أصوات الشهداء،والمعتقلين،وتحولت إلى أنوار بشرية لاتظهر سوءاتها،ولاترى ملامحها.كتب بالخط العريض:”حرمت عليكم هذه الأرض يابني صهيون للأبد”.
لأول مرة يشعر عائد أنه آدمي ينتمي إلى الملة،وإلى هذه التربة التي دنست منذ أكثر من سبعة عقود. فتح الكتاب الفلسطيني،وكتب:”الآن يبدأ التاريخ”.