تنتشر مقاطع فيديو على تيك توك تتهم دور أزياء عريقة بتصنيع منتجاتها سرا في الصين وبيعها بأسعار تفوق تكلفتها بأضعاف مضاعفة… لكن وراء هذه الفضائح المفترضة، ثمة عملية مدروسة يسعى مدبروها لبيع منتجات مقلدة، مستغلين حالة الغموض المحيطة بالرسوم الجمركية.
يدّعي صنّاع محتوى صينيون يقدمون أنفسهم على أنهم عمال أو مقاولون من الباطن في مجال السلع الفاخرة، أن سلطات بكين رفعت شروط السرية الملزمة للمقاولين من الباطن المحليين ردا على الزيادة الحادة في الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين.
هذا القرار الصيني المفترض الذي لم تعثر وكالة فرانس برس على أي أثر له، يتيح بحسب المروجين له، الكشف عن الآليات الخفية لتصنيع السلع الفاخرة في الصين. كما من شأنه تشجيع المستهلكين الغربيين على الشراء مباشرةً من مواقع إلكترونية تبيعها من دون أي شعار تجاري ولكن بالجودة والتصميم المُفترضين نفسيهما، بأسعار مُنخفضة للغاية، على سبيل المثال، بـ1400 دولار لحقيبة تحمل توقيع مصممين مشهورين بدلا من سعرها الأصلي البالغ 38 ألف دولار.
رفضت علامات تجارية مستهدفة بهذه الفيديوهات، بينها الماركات الفرنسية “إيرميس” و”شانيل” و”لوي فويتون” التي تصنع منتجاتها في أوروبا أو الولايات المتحدة وفقا لمواقعها الإلكترونية، الرد على أسئلة وكالة فرانس برس حول الادعاءات الواردة في هذه المقاطع المصورة المنتشرة على نطاق واسع.
لكن الرئيس المؤسس لـ”مركز الفخامة والإبداع” جاك كارلس يرى أن فكرة تصنيع دور الموضة الكبرى منتجاتها في الصين “سخيفة”. ويوضح لوكالة فرانس برس “سيكون ذلك بمثابة انتحار. لو وُجد دليل، وهو غير موجود، لكان ذلك ضربة قاضية. العلامات التجارية ليست مجنونة.”
بينما يُشدد مستخدمو تيك توك على خبرات العمال الصينيين الذين يُصوَّرون على أنهم أصحاب مهارات تستعين بهم العلامات التجارية الفاخرة الكبرى في الخفاء، ويوضح كارلس أن “ورش التزوير هذه لا تحترم مطلقا مختلف مراحل التصنيع”، مستشهدا بمثال حقيبة “بيركين” الشهيرة من “إيرميس” التي تتطلب “مئات الساعات من العمل”.
في الواقع، يسعى مستخدمو الإنترنت الذين ينشرون هذا المحتوى إلى “إثارة الشكوك” بهدف “استنفاد مخزوناتهم” من المنتجات غير القانونية، وفق كارلس الذي يتحدث عن “حملة واسعة الانتشار تعززت عبر وسائل التواصل الاجتماعي” و”يصعب التصدي لها”. أما العلامات التجارية، من جانبها، فتلزم الصمت و”تتعامل مع الأمر بازدراء”، وهو خطأ وفق كارلس.
ويرى أستاذ تسويق المنتجات الفاخرة في كلية إمليون الفرنسية للأعمال ميشال فان أن اتهام الصين بإنتاج منتجات فاخرة سرية يتم الترويج لها على أنها مصنوعة في أوروبا “لا أساس له من الصحة.”كذلك الأمر بالنسبة للرواية التي طُرحت على تيك توك وتفيد بأن ذلك يشكل ردا صينيا على الإجراءات الجمركية الأميركية. ويقول فان “هذا غير منطقي، لأن مهاجمة العلامات التجارية الأوروبية لا تضر الحكومة الأميركية بأي شكل من الأشكال.”
وأثارت مقاطع الفيديو هذه استياء لدى مستخدمين للإنترنت، إذ عّبر البعض ممّن اطلعوا على هذه الفضائح المفترضة عن “الغضب” لشرائهم منتجات فاخرة بأسعار باهظة.
سأل آخرون في التعليقات عن أسماء “موردي العلامات التجارية الفاخرة الكبرى” في الصين الذين يمكنهم شراء المنتجات منهم بأسعار مخفضة. في الوقت نفسه، يُنظّم تجار صينيون عمليات بيع مباشرة على تيك توك، عبر ربطها بمواقع إلكترونية.
وتحصد فترات البث الحي أو الرسائل المباشرة المئات من المشاهدات لكل منها. وتُعرض فيها نماذج للمنتجات الفاخرة وتُرقّم وتُرتّب على الرفوف. وفي إحدى هذه الرسائل، يقول صوت مولد بواسطة الذكاء الاصطناعي بالفرنسية “توصيل سريع ‘دي.إتش.أل’. منتجات مطابقة لتلك الموجودة في المتاجر. الفرق الوحيد: السعر.”
يدعو مستخدمو الإنترنت إلى مسح رمز الاستجابة السريعة أو النقر على رابط لإتمام عملية الشراء عبر واتساب أو “باي بال”. رصدت وكالة فرانس برس حوالي عشرين بثا مباشرا مشابها تُبثّ في آن واحد باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ما يشير إلى أن مستخدمي الإنترنت في أوروبا وأميركا الشمالية هم المستهدفون الرئيسيون.
وحذّرت وزارة التجارة الصينية في بيان من أنه “سيتم الإبلاغ فورا عن أي حالة لإعلان مُضلّل، أو انتهاك، أو إنتاج سلع مُقلّدة من مُقدّمي الخدمات الذين يُقدّمون أنفسهم على أنهم مقاولون من الباطن لعلامات تجارية كبرى” إلى السلطات للتحقيق فيها ومعاقبة المسؤولين عنها.
وتُعرف الصين بانتظام بأنها أكبر بؤرة لتقليد المنتجات في العالم. وبحسب بعض التقديرات، تُصنّع 70 إلى 80 في المئة من المنتجات المقلدة في البلد الآسيوي العملاق.
ويشكل شراء المنتجات المقلدة مخالفة قانونية في دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك في العديد من الدول الأجنبية الأخرى. وفي فرنسا، يُعاقَب على هذه الجريمة بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة قدرها 300 ألف يورو. كما يمكن للجمارك مصادرة المنتجات وفرض غرامة تعادل قيمتها.
وبحسب مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية (EUIPO)، يُكلّف التزوير الصناعة الأوروبية 16 مليار يورو سنويا. وأكثر القطاعات تضررا هي الملابس ومستحضرات التجميل ولعب الأطفال.