نظمت الكتابة الاقليمية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوم السبت فاتح فبراير 2020 لقاء تواصليا بقاعة دار الثقافة في جرسيف حول موضوع “الرؤية الاتحادية للنموذج التنموي الجديد”، في إطار احتفالها بالذكرى الستين لتأسيس الحزب، وأشرف على تأطيره سعيد بعزيز عضو المجلس الوطني والبرلماني عن إقليم جرسيف.
وأوضح المتدخل في بداية اللقاء أن المسؤولية الملقاة على عاتق الأحزاب السياسية تتجلى في التأطير والتكوين السياسي والمساهمة في تعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، ومن هذا المنطلق أصبح من الضروري في ظل النقاش الواسع حول النموذج التنموي أن يقبل الاتحاد الاشتراكي على هذه الخطوة لتقديم نظرة شاملة للحضور حول هذا المشروع الاستراتيجي الهام.
وانطلق في عرضه موضحا أن النموذج التنموي بمثابة أرضية تعاقدية تطلع فيها الحكومة بأدوار مركزية لتنزيل جيل من المخططات والاستراتيجيات الكبرى، تحدد من خلالها آليات إنتاج الثروة وطرق توزيعها، عبر تطوير وتقدم المنظومة الاقتصادية بطرق تؤثر بشكل مباشر وإيجابي عن المنظومة الاجتماعية، تخلص في النهاية إلى تحقيق تنمية شاملة اقتصادية واجتماعية عبر الرفع من الطاقة الانتاجية وزيادة الناتج الداخلي الخام والرفع من القيمة المضافة، على أن يترجم ذلك على مستوى السياسة الاجتماعية.
موضحا أن المغرب لم يسبق له أن عرف نموذجا تنمويا متكاملا بل شهد نموذج للتدبير العمومي للشأن العام، والذي انطلق سنة 2002، حيث تتدخل الدولة في التسيير والتدبير المباشر لبعض القطاعات الاستراتيجية الكبرى، غابت فيها العدالة المجالية والاجتماعية، وأن هذه التجربة شهد المغرب نموذجا مشابها لها من خلال المخطط الخماسي 1955 – 1960، مذكرا أن دستور المملكة يحمل العديد من النقط الايجابية التي يتعين استثمارها في بلورة نموذج تنموي حقيقي، خاصة وأن العديد من التقارير الدولية والوطنية تؤكد على ضرورة مراجعته، بشكل يسمح بتقوية وازدهار الطبقة المتوسطة من أجل ازدهار الديمقراطية ومواصلة مسار البناء الديمقراطي، مذكرا في نفس الوقت بالخطب الملكية ومضامين العديد من الرسائل الملكية السامية.
وأضاف أن الاتحاد الاشتراكي، منذ تأسيسه 1959 وعلى مر الزمن، كان يطالب بالحد من الفوارق المجتمعية والمجالية بهدف تحقيق تنمية متوازنة ومنصفة تجسد العدالة الاجتماعية وتضمن الكرامة الانسانية، مؤكدا أن النموذج التنموي بالنسبة للحزب هو تعاقد اقتصادي ذات أبعاد اجتماعية، وأنه منذ المؤتمر الثامن والحزب يؤكد على ضرورة الربط بين تقدم الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية، وأنه بادر إلى تنظيم أيام دراسية ودورة للمجلس الوطني وملتقيات عديدة للاشتغال على تصوره حول هذا النموذج التنموي، مبرزا أوجه الاختلاف بينه وبين نموذج النمو.
واعتبر تصور الاتحاد الاشتراكي حول النموذج التنموي الجديد رؤية سياسية لتجاوز الارهاق الذي أصاب النموذج القائم، ورؤية سياسية لطرح المحددات والمرتكزات الكبرى لإرسائه، ورؤية سياسية تترجم مبادئ الاشتراكية الديمقراطية، ورؤية سياسية تعتمد الدولة كإطار غير محايد يقوم بأدوار مهمة لفائدة الفئات الاجتماعية الهشة، ورؤية سياسية تنتصر لمبادئ وقيم الحرية والعدالة والمساواة والتضامن والكرامة، معتبرا النموذج التنموي مسألة استراتيجية تحتاج إلى الجرأة والإبداع والابتكار في الوسائل والتجديد في المقاربات المعتمدة، مضيفا أن رؤية الاتحاد الاشتراكي ترتكز على خمس مرتكزات أساسية وهي المرتكز المؤسساتي، الاقتصادي، الاجتماعي، المجتمعي والثقافي.
وفي المرتكز المؤسساتي تحدث عن أزمة المنظومة التمثيلية ومطالب تفعيل مقتضيات دستور 2011 واللاتمركز وتقاسم السلط بين المركز واللامركز، والتفعيل الجيد لاستقلال السلطة القضائية بشكل يجعلها في خدمة المتقاضين وليس القضاة، وتعبئة الطاقات والكفاءات والممارسة الفعلية للحرية والعدالة وصيانة التعدد الثقافي واللغوي، وفي المرتكز الاقتصادي توقف عند المخاطر الربعة التي رصدها المجلس الأعلى للحسابات والتي تهدد مالية المغرب، مؤكدا على ضرورة استرجاع المبادرة الوطنية في المجالين المالي والاقتصادي، والرفع من وثيرة النمو لتصل 6% في سنة 2025، وتقوية الاستثمار العمومي والحد من الاحتكار والريع والفساد والرقي بالمقاولة الوطنية خاصة الصغرى والمتوسطة والرفع من تنافسيتها، وإدماج القطاع غير المهيكل وإحداث نظام ضريبي منصف ومتوازن ومنظومة اقتصادية تدعم الآليات الاجتماعية، ثم المرتكز الاجتماعي الذي يرتكز على التعليم والتكوين والتشغيل والصحة والشباب، واعتبر الشغل والتعليم والصحة هاجس رئيسي، وأكد على ضرورة الاستعجال في إصلاح التعليم، وجعل مجانية التعليم حق والتزام وتعاقد، وإصلاح أنظمة الحماية الاجتماعية، ووضع تصور شمولي للتشغيل، ومعالجة اختلالات المنظومة الصحية، والمرتكز المجتمعي يقوم على الانصاف والمساواة والتضامن والكرامة، عبر الجندرة واعتماد مقاربة النوع في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتأويل المنفتح والحداثي للقوانين، وإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة والمسنين، والاهتمام بوضعية الطفل مغرب المستقبل، والشباب واعتماد سياسة بيئية، ثم ختم بالمرتكز الثقافي معتبرا إياه ليس شأنا ثقافيا بل آليات سياسية واقتصادية واجتماعية وإجراء تربوي عميق لجعل البلاد قادرة على التحديث والتقدم، والمحافظة على التعدد في إطار وحدة الهوية الوطنية وموجهة الاستيلاب الفكري والتفكير العدمي، وتعزيز الانفتاح والابداع والاختلاف والتعايش، وتعزيز الثقافية الاعتبارية للعربية والامازيغية، ليختم عرضه بكون المحافظة على الأمن والاستقرار والدفاع عن القضية الوطنية والمصالح العليا للبلاد تاج فوق رؤوس الجميع.