رسبريس – العرب اللندنية
بدأت الحكومة المغربية في تسريع خططها المتعلقة بالاقتصاد الأزرق ضمن مساعيها الدؤوبة لمواجهة مشكلة الأمن الغذائي بشكل مستدام، وهو مشروع تطمح من خلاله إلى تحقيق عوائد مالية في حال تحول البلد إلى وجهة للمستثمرين.
ودخل البلد مؤخرا في مرحلة جديدة نحو ترجمة تطلعاته الغذائية المتعلقة بقطاع الصيد البحري عبر أول اجتماعات اللجنة التقنية لتنمية الاقتصاد الأزرق، بما يشكل الانطلاقة الفعلية لبلورة إستراتيجية شاملة للقطاع.
وركزت المناقشات الأولية على مختلف الجوانب المتعلقة بالقطاع ومساهمته في دعم الناتج المحلي الإجمالي، مثل تحديد نطاق تدخل الاقتصاد الأزرق وأهمية التخطيط الجهوي وضرورة تطوير إطار مفاهيمي موحد.
وخصص الاجتماع الذي جمع ممثلين من مختلف الوزارات والوكالات والمكاتب الوطنية لدراسة وإقرار خطة عمل اللجنة ومذكرة التوجيه للإستراتيجية الوطنية لتنمية الاقتصاد الأزرق.
وستعمل الإستراتيجية بوصفها مشروعا طموحا يهدف إلى تحرير الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمناطق الساحلية، على تنمية التجمعات المطلة على البحر، بما من شأنه ضمان هذا التعاون بين القطاعات على المستويين المركزي والجهوي.
ويعد الاجتماع خطوة مهمة نحو تحويل البلاد إلى نموذج مرجعي في المستقبل في كيفية تطبيق أسس النمو المستدام للموارد البحرية، مما سيعطي دفعة للتنمية الاقتصادية مع الحفاظ على رأس مالها الطبيعي للأجيال المقبلة.
وأكد المنسق الرئيسي لبرنامج تنمية الاقتصاد الأزرق يوسف فرحات على أهمية المبادرة التي تتماشى مع التوجيهات الإستراتيجية الوطنية ورؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس الرامية إلى جعل المغرب مركزا بحريا رائدا، مرتبطا بأفريقيا وبقية العالم.
ونقلت وكالة الأنباء المغربية الرسمية عن فرحات، وهو نائب مدير الميزانية المكلف بتنسيق هياكل التمويل بوزارة الاقتصاد والمالية، قوله إن الضرورة تقتضي “تبني مقاربة تعاونية وتشاورية، تدمج جميع الأطراف المعنية لضمان نجاح هذه الإستراتيجية”.
ويرى مختصون في القطاع أن المغرب مؤهل لأن يصبح عاصمة بحرية بسبب الثروة البحرية الكبيرة، وما يوازيها من موارد هائلة قابلة للتجديد لاسيما وأن المنتجات البحرية تشكل نصف صادرات الصناعات الغذائية للبلاد.
وأكدوا أن دعم تطوير مجال استزراع الأسماك وتشجيع الاستثمار فيه وزيادة الالتزام بمنع الصيد العشوائي خلال فترات تكاثر الأسماك وتلبية الطلب المتزايد خلال الموسم السياحي، كلها عوامل ستساعد البلاد على تعزيز عوائدها.
وتتسلح السلطات المغربية بحزمة من المبادرات المتنوعة مع شركائها، ومن ضمن ذلك المنظمات الدولية المهتمة بهذا المجال من أجل الدخول بشكل أسرع في ثورة استزراع الأسماك، وبالتالي تنمية الاقتصاد الأزرق.
ورغم كل الجهود لا يزال القطاع يواجه تحديات أهمها التهديدات المناخية التي تتعرض لها مزارع الأسماك، الأمر الذي يتطلب دعما خاصا لتغطية المخاطر، إضافة إلى تعزيز التمويل وحوافز لتشجيع الاستثمار في هذا المجال المهم.
ويدعم البنك الدولي جهود الحكومة المغربية في تكريس خططها، حيث قدم العام الماضي نحو 5 ملايين دولار لتنفيذ مشروع تسريع تنمية الاقتصاد الأزرق من خلال صندوق بروبلو.
وسيقدم الصندوق الذي تم إنشاؤه لدعم الحكومة بالمساهمات والتقنيات وبناء القدرات لتطوير وتعزيز الظروف الملائمة لذلك، الدعم للمغرب للفترة بين 2023 و2025.
وسبق أن أكدت الحكومة أن المشروع له فائدة مهمة خاصة بعد اعتماد البلاد النموذج التنموي الجديد، بعد القيام بدراسة حول الآثار البيئية والاجتماعية، والتي أكدت أنها “غير مباشرة وطفيفة فقط” وأن أغلبها إيجابي.
وفي مايو 2022 قدم البنك الدولي، الذي يتعاون مع المغرب في العديد من المجالات، من بينها التكنولوجيا المالية، تمويلا بقيمة 350 مليون دولار لمساندة الحكومة في دعم برنامجها المتعلق بتطوير نشاط الصيد البحري والاستفادة بشكل أكبر من الثروة السمكية.
وذكر البنك في بيان حينها أن “البرنامج سيوفر فرص عمل جديدة، ويحدث نموا اقتصاديا، وتحقيق استدامة الموارد الطبيعية وقدرتها على الصمود، والأمن الغذائي، الأمر الذي ازدادت أهميته مع تداعيات الحرب في أوكرانيا”.
وكانت الرباط قد أطلقت إلى جانب عدد من الشركاء، مبادرة مناخية أطلقت عليها اسم “الحزام الأزرق” تهدف إلى الاستجابة بشكل ملموس للرهانات والتحديات ذات الصلة باستدامة الصيد البحري وتربية الأحياء المائية بأفريقيا وحوض المتوسط. ويسهم الاقتصاد الأزرق حاليا بما يقارب اثنين في المئة في الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، وهي نسبة قليلة، بحسب الخبراء، بالنظر إلى طول السواحل المغربية.
ووفق الإحصائيات المنشورة على المنصة الإلكترونية لوزارة الفلاحة، فإن سواحل البلاد البالغ طولها نحو 3500 كيلومتر، تضم أكثر من 500 نوع من الأسماك، وتتركز بشكل أساسي في وسط وجنوب المحيط الأطلسي.
وتشير البيانات أيضا إلى أن الأسماك السطحية الصغيرة تشكل أساس هذه الموارد بواقع 80 في المئة من حيث الكمية في المصائد التي يتم استغلالها. ويُنتج المغرب قرابة 1.4 مليون طن من المنتجات البحرية سنويا، ويُعتبر سمك البلشار الأوروبي نوعا مهما بشكل خاص للمصائد، إذ يمثل 62 في المئة من الإنتاج الطبيعي.
وتحتل البلاد المركز الأول في قارة أفريقيا والمرتبة الـ18 في العالم كأكبر مصدر للمنتجات البحرية، وتتكون الصادرات بشكل أساسي من المنتجات المجمدة والمعلبة، والتي تمثل نحو 78 في المئة من قيمة الصادرات.
وتسعى الحكومة لزيادة عائدات التصدير لتبلغ نحو 3 مليارات دولار، في الوقت الذي تتوقع فيه منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ارتفاع إنتاج البلاد بنحو 18.2 في المئة بحلول 2030 ليصل إلى 1.7 مليون طن من الأسماك سنويا.
وكانت الرباط قد أطلقت في العام 2009 إستراتيجية “أليوتيس”، كما أنشأت الوكالة الوطنية لتنمية وتربية الأحياء المائية في العام 2011، بهدف تطوير قطاع الصيد البحري ودارسة أبرز التحديات التي تواجهه.
وتسهم أنشطة الصيد البحري بشكل كبير في ضمان الأمن الغذائي للبلاد باعتبارها تعد من أكثر القطاعات الاقتصادية توفيرا لفرص العمل وأسرعها نموا. وبحسب بيانات الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية، يشغل القطاع 97 ألف شخص، وهو ما يمثل 84 في المئة من الأهداف التي تخطط الدولة لتحقيقها في إطار مخطط أليوتيس، فضلا عن 108 آلاف صياد.