وكالات
خلّف فرض السلطات المغربية “جواز التلقيح” جدلا واسعا في البلاد، ذهبت إثره آراء كثيرة إلى اعتبار القرار إجباراً على تلقي اللقاح بعدما أكدت السلطات اختيارية الحصول عليه في وقت سابق.
ومع بدء تنفيذ السلطات قرار “جواز التلقيح”، تعالت أصوات حقوقية وشعبية رافضة للإجراء، داعية إلى ضرورة تراجع السلطات عنه، بحجة المساس بالحقوق الأساسية للمواطنين.
وأعلن حزبا العدالة والتنمية، والاشتراكي الموحد، ونقابة المحامين، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في بيانات متفرقة، رفض القرار، معتبرين إياه “مخالفاً للدستور، ومقيداً للحريات”.
وكان أكثر من 30 ألفا من الحقوقيين والسياسيين في المغرب وقعوا، عقب القرار، على عريضة إلكترونية تطالب بإلغائه.
وتظاهر مئات الأشخاص في مدن مختلفة، منددين بفرض “جواز التلقيح”، وسط انتشار أمني مكثف، فيما تم منع عدد من الوقفات بمدن أخرى.
وعقب هذا الجدل دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الحكومة إلى “استبدال جواز التلقيح “بالجواز الصحي”، الذي يمكن أن يشهد بالتحصين عبر شهادة الكشف السلبي، أو شهادة طبية تثبت الشفاء من كورونا، أو شهادة طبية تثبت عدم إمكانية أخذ التلقيح”.
كما دعا المجلس إلى العمل على ضمان دخول الأماكن العامة، وخصوصا المصالح العمومية، والذي لا يمكن بحسب البيان “تقييده من دون قرار ودون اتخاذ الإجراءات الانتقالية الضرورية، بما لا يمس حقوق الأفراد والجماعات في التمتع بالخدمات العمومية”.
وفي تعليقه على القرار، قال خالد آيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، إن جواز التلقيح لا يُعَد تقييدا، وإنما جاء من أجل تسهيل رجوع متلقي اللقاح إلى الحياة العامة.
ورأى آيت الطالب، في تصريح إلى وسائل الإعلام بمقر البرلمان الاثنين الماضي، أن “جواز التلقيح مهم من أجل الحفاظ على استقرار الحالة الوبائية، وإنعاش الاقتصاد، ومنع ظهور بؤر وبائية جديدة”.
وكان سعيد عفيف، عضو لجنة التلقيح الحكومية، قال في تصريحات إعلامية” إن “فرض جواز التلقيح ساهم في تسريع العملية، من خلال الإقبال اللافت على مراكز التلقيح منذ بدء العمل بالقرار”.
واعتبر أن “الاستمرار بهذه الوتيرة سيمكن المغرب من الوصول إلى المناعة الجماعية في بداية دجنبر المقبل”.
وفي هذا الصدد، قال يونس مسكين، باحث وإعلامي قال، إن هذا القرار “جاء ليبيّن أن ما كان مجرد مؤشرات وبوادر لتراجع حقوقي وديمقراطي، بات أمرا واقعا وسياسة مقصودة من جانب الحكومة الجديدة”.
ورأى مسكين أن القرار “لا يملك أي أساس من المشروعية أو المنطقية، ويحول دون تمتع جزء من المغاربة بحقوق أساسية تكفلها المواثيق الدولية وروح ونص الدستور”.
وأضاف أن “الحكومة لم تتحمل عناء إصدار وثيقة تتضمن هذا القرار مع مرجعية قانونية أو تأسيس شرعي، بل جاء على شكل بلاغات تم بثها عبر بعض وسائل الإعلام منسوبة إلى جهات حكومية”.
واعتبر الإعلامي المغربي أن حكومة بلاده قررت “من دون سابق إنذار، تحويل التطعيم ضد فيروس كورونا الذي يعد حتى الآن اختياريا، إلى أمر إجباري يؤدي عدم القيام به إلى التجريد من جل الحقوق الأساسية للمواطنين”.
ولفت إلى أنه “كان بإمكان الحكومة اتخاذ قرار جعل التطعيم إجباريا، ووضع آجال معقولة وإجراءات قانونية لتطبيقه وإنزال عقوبات معينة على المخالفين، لكنها اختارت سلوكا غريبا يجعلها تتصرف خارج مقتضيات الدستور والقوانين”.
وأردف: “لا شك في أن هذه القرارات ستدخل المغرب نفقا حقوقيا مظلما، خصوصا بعدما وصل الأمر درجة منع أعضاء البرلمان من دخول مقر المؤسسة بسبب رفضهم تقديم جواز التلقيح لعناصر الأمن التابعين للسلطة التنفيذية والمكلفين بحراسة مبنى المجلس”.
ورأى مسكين أن هكذا إجراء مقصود به “ضرب ما تبقى من قيمة معنوية للمؤسسات الرسمية والقوانين، والمغاربة باتوا يخضعون لما يشبه الأحكام العرفية المجردة من أي قيد قانوني، وأن السلطة التنفيذية عازمة على تحطيم كل ما حققه المغاربة من مكاسب حقوقية في العقود الماضية”.
من جهته، اعتبر محمد الغالي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاضي عياض أن فرض الحكومة “جواز التلقيح” لا يتعارض مع الدستور المغربي. وقال غالي إن هذا القرار يدخل ضمن الإجراءات التي اتخذتها الدولة من أجل الحفاظ على الحق في الحياة، المنصوص عليه في الفصل 20 من دستور البلاد.
وأشار إلى أن “الحق في الحياة يدخل ضمن قواعد النظام العام، وبالتالي يحق للدولة اتخاذ أي إجراء يكفل حمايته ويمنع من المساس به”.
واعتبر غالي أن القانون ومقاصده يقضيان بأن “الرافض لأخذ جرعات التلقيح يعرض حياة غيره للخطر، من خلال إمكانية نشره المرض، وبالتالي يجب مساءلته قانونيا”. مضيفا أن الحق في عدم تلقي التلقيح وإن “كان مكفولا قانونيا، إلا أنه يصطدم مع الحق في حماية حياة الآخرين الذي يُعَد أسمى وأقوى من حق رفض التلقيح، ويبرر للدولة التدخل من أجل حماية هذا الحق”.