قال خبير أمني إسرائيلي؛ إن “منفذي اغتيال العالم الإيراني محسن فخري
زادة ظهروا من العدم، واختفوا بأي مكان، لكن طهران تعرف جيدا أنه كان على لائحة
الاستهداف الإسرائيلي، فلا توجد مهمة سهلة أمام الفرق الأمنية التي تم تعيينها
للتحقيق في هذا الاغتيال، لأن القتلة تركوا وراءهم القليل من المؤشرات التي يمكن
ملاحظتها، باستثناء أمر واحد لم يتبق في الميدان، لكنه واضح للجميع وهو أن المؤسسة
الإسرائيلية مسؤولة عن الاغتيال”.
وأضاف يوآف ليمور بتقريره بصحيفة “إسرائيل اليوم”، “الروايات
المختلفة في طهران كانت عبارة عن حواجز دخان متعمدة متناثرة، في محاولة لتحفيزها
على الرد، رغم أن القتلة لم يكن لديهم أسلحة آلية تعمل بمفردها من مدى بعيد، كما
تدعي بعض المنشورات، فهذه الوسائل مفيدة للسينما، أو كلعبة في ساحة معارك
المستقبل، لكن التجارب السابقة تظهر أن واقع الاغتيالات أبسط وأكثر
دراماتيكية”.
وأشار إلى أن “فخري زادة، على ما يبدو، تم القضاء عليه بالطريقة الكلاسيكية
من خلال رصاصة في الرأس، لكن هذا كان مجرد تصعيد لعملية معقدة وخلاقة وجريئة، ربما
بدأت قبل عدة أشهر من الاغتيال، وربما سنوات عديدة، لأن القتيل، قائد الجانب
العسكري للمشروع النووي الإيراني، كان على الهدف الإسرائيلي لفترة طويلة، قبل وقت
طويل من اتخاذ أي قرار بإلحاق الأذى به”.
المعلومات الأمنية
وأكد أن “منظمات الاستخبارات تعمل بشكل منهجي، فهي تجمع خططها حسب الموضوعات
المحددة، على مدار سنوات عديدة، ولا تتوقف أبدا، ويتم فهرسة أي عنصر جديد من
المعلومات المجموعة من المعلومات العلنية أو السرية، وأرشفتها، في حالة الحاجة
إليها يوما ما، ويتضمن ذلك التفاصيل التي تبدو تافهة مثل عناوين السكن والعمل
وأسماء أفراد الأسرة وزملاء الدراسة”.
وأوضح أن “اغتيالات الماضي بدت معقدة للغاية، وتطلبت وجودا ماديا على الأرض
لتنفيذ الجزء الأكبر منها، أو تنشيط العملاء المرسلين لجلب معلومات محددة، لكن
التكنولوجيا اليوم جعلت الاغتيالات أسهل بكثير، حيث يحتفظ معظم المستهدفين بحياتهم
على الهاتف والكمبيوتر وشبكات التواصل”.
وأشار إلى أنه “بات بالإمكان اقتحام كل هذه المعلومات، للحصول على صورة جيدة
للهدف المطلوب، ولذلك قد تساعد ثروة البيانات التي تم الحصول عليها من الأطراف
المعادية في بناء صورة استخباراتية للأهداف المستقبلية، ومنهم فخري زادة”.
وأكد أنه “بمجرد تحديد البرنامج النووي الإيراني كهدف أمام إسرائيل، سعت بجمع
المعلومات عنه، المرافق والبرامج والمشاركون، وهذه هي ممارسة كل جهاز استخبارات،
في كل قضية، وهكذا تتصرف المخابرات الإسرائيلية في كل قضية: جمع كل التفاصيل عن
الجيش السوري وحزب الله والمنظمات الفلسطينية في قطاع غزة والسلطة الفلسطينية
بالضفة الغربية، وكل ما قد يتطلب معلومات استخباراتية أو عملياتية أو
سياسية”.
وأضاف أنه “بالنظر لدوره البارز في المشروع النووي الإيراني، فقد كان لفخري
زاد ملف في الموساد، وربما في جهاز الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلي، في
هذه الحقيبة تم جمع كل المعلومات عنه: مهنية، عائلية، شخصية، السيارة التي يسافر
بها، والأشخاص الذين يوصلونه إلى مكتبه، ويعملون معه، صديقات زوجته، من أين يشتري
الملابس، المطاعم التي يحب تناول الطعام فيها، وما هواياته”.
وأكد أنه “لا يُعرف أبدا أيٌّ من هؤلاء سيتحول للحلقة الضعيفة التي يمكن
استخدامها للأغراض الاستخبارية، هنا أيضا تعدّ التكنولوجيا لاعبا رئيسيا: يكفي أن
تقرأ عن برنامج الهجوم السيبراني الذي تبيعه الشركات الإسرائيلية حول العالم،
لنفترض القدرات التي تمتلكها المخابرات الإسرائيلية، وما تسمح لها بالقيام به،
ويمكن أن تكمن المعلومات في الملفات لسنوات طويلة، وفي معظم الحالات، لا يتم
استخدامها أبدا”.
خطأ الاستهداف
وأوضح أنه “في الماضي كان من المعتاد أن تكون الجهة التي تتخذ القرار هي
لجنة رؤساء الخدمة السرية (WARS)، وتتكون من رؤساء الموساد
والشاباك والجيش، بحضور السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، وتقليديا، يرأس رئيس
الموساد اللجنة، ويستضيف اجتماعاتها، ويجتمع رؤساؤها بتواتر متفاوت، سواء اجتماعات
دورية، أو حسب الحاجة”.
وكشف النقاب أن “إحدى السيارات التي استخدمها قتلة فخري زادة تم شراؤها منذ
فترة طويلة، وأن المشتري الأصلي غادر إيران منذ أكثر من عام، ومن الواضح أن
الموساد لديه بنية تحتية نادرة الجودة في إيران، بدليل طلب الولايات المتحدة غير
العادية من إسرائيل للقضاء على نائب زعيم القاعدة المختبئ في طهران أبو محمد
المصري”.
وأوضح أن “اغتيال فخري زادة يعيد للأذهان قتل الموساد لأحمد بوشيكي ببلدة
ليلهامر النرويجية في السبعينيات بديلا عن المطلوب الحقيقي علي حسن سلامة، أحد
قادة منظمة أيلول الأسود، منفذ عملية ميونيخ، وفي عمان 1997 وقعت المحاولة الفاشلة
لاغتيال زعيم حماس خالد مشعل، وخلفت وراءها ثلاث أزمات: نجاة مشعل، القبض على
المنفذين، دفع إسرائيل ثمنا باهظا بإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من السجن”.
وأشار إلى أن الأمر تكرر “باغتيال قائد حماس العسكري محمود المبحوح في دبي
2010، ورغم فرار المنفذين من الإمارات، لكن تم كشف هوياتهم، وتعرض الموساد لأضرار
عملياتية بصورة واسعة النطاق، مما دفعه للتحول لأسلوب آخر، وهو الاغتيال عبر
المبعوثين، الجهاز يقف وراء المعلومات، اختيار الأهداف، إدخال الأسلحة، تفعيل
المساعدين، تجنيد القتلة، وإرسالهم للهدف، لكن اليد الضاغطة على الزناد ليست
إسرائيلية”.
حماس وحزب الله
وأكد أنه “لا ينبغي الاستخفاف بطريقة الموساد الجديدة، فرغم جميع الاحتياطات والضوابط، فإن عتبة المخاطر في مثل هذه العمليات مرتفعة للغاية، لأنه قد تقع حوادث غير متوقعة دائما، وتفشل العملية، والقبض على مرتكبيها، وإذا حدث هذا، فمن الأفضل دائما أن من يجد نفسه بغرفة الاستجواب أو المشنقة، ليس إسرائيليا، بل مرتزقا”.
وأشار إلى أن “الطريقة التي نجحت في الماضي تمثلت بالقضاء على العلماء
الأربعة بداية العقد الماضي في إيران، هي راكبو الدراجات النارية، وهم ذاتهم الذين
قضوا على مهندس حماس فادي البطش في ماليزيا عام 2018، ومن المشكوك فيه ما إذا
كانوا يعرفون لمن يعملون، أو من كان هدفهم، والدليل أن هناك عددا غير قليل من
المرتزقة الذين يشعرون بالملل في جميع أنحاء العالم اليوم، ويبحثون عن العمل
والدفع، وتعدّهم المنظمات الاستخباراتية عملاء جيدين لهم”.
وأوضح أن “طريق الموساد لإعدام خصومه بعيد كل البعد عن السهولة، لأنه في بعض
الأحيان، يلزم إجراء عملية احتيال معقدة، كالتي استهدف من خلالها خبير الطائرات
بدون طيار في حماس محمد الزواري، عبر مقابلة مع صحفية أجنبية أدت إلى اغتياله، وفي
بعض الأحيان يلزم إعداد مطول، بما في ذلك التدريب والعمليات التحضيرية لضمان
النجاح”.
وأكد أن “اغتيال طهران استغرق وقتا طويلا: عدد كبير من المهاجمين، ثلاث
سيارات، عبوة ناسفة، عدة أسلحة، وفي النهاية، رصاصة في رأس فخري زادة، رغم أن
الأمر تطلب دراسة متأنية للتضاريس، والاعتراف الدقيق بأفعال الهدف، والتخطيط
الفردي لكل مرحلة، من المتابعة الأولية التي حدثت، والهروب دون ترك شيء قد يكشف
الجناة، أو مرسليهم”.
وأوضح أن “إسرائيل نفذت عددا غير قليل من اغتيالات الماضي، بعضها جاء مفيدا،
مثل عماد مغنية، قائد حزب الله العسكري، فرغم مرور 12 عاما على اغتياله، لكن لم
يتوفر له بعد وريث حتى الآن، وبعض الاغتيالات جاءت أقل فائدة مما كان متوقعا، مثل
عبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة أو أحمد الجعبري، هؤلاء قادة حماس في غزة الذين
ملأ ورثتهم أمكنتهم بسرعة، وبعض الاغتيالات جاءت سلبية، فعباس موسوي، زعيم حزب
الله الذي اغتيل في 1992، خير مثال على ذلك، لأن إسرائيل تلقت حسن نصر الله بدلا
منه”.
المصدر: عربي 21