شرع المغرب في تطبيق الخطبة الموحدة في مساجد المملكة ضمن خطة “تسديد التبليغ” التي أعدها المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد جدل بشأن سلبيات القرار وإيجابياته. وتهدف الخطبة الموحدة إلى وضع تدابير وقائية لحماية مقاصد كمال التبليغ، منها إصلاح أحوال الناس والعمل على الإسهام في تخليق الحياة العامة، وانخراط كل القيمين الدينيين في أوجه من البر والإحسان والصلاح والمعروف الذي يعود بالنفع على البلاد والعباد.
وقالت وزارة الأوقاف المغربية أن أمر تعميم الخطب مؤقت وليس دائما، وأن الخطباء والوعاظ كانوا ولا يزالون يتمتعون بحرية تصحبها مسؤولية في إلقاء خطبهم ومواعظهم، باعتبارهم محل ثقة وكفاءة في ذلك، عدا بعض “الحالات القليلة جدا التي تشذ أحيانا عن هذا الإطار”.
وهناك من رأى في هذه الخطوة مناسبة لضبط المجال الذي تخوض فيه الخطبة بما يحقق الغاية منها وهي التنوير والحث على مكارم الأخلاق، ومن وجد أنه من غير المناسب تعميم خطبة واحدة على كل منابر المملكة ما يفقدها تلك الخصوصية المرتبطة بشخصية الخطيب وتكوينه والقضايا المحلية التي يجب الخوض فيها.
وأكد الصادق العثماني باحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني، لـ”العرب”، أن الكثير من الدعاة والمشايخ وأئمة المساجد وبعض الكتاب والباحثين في المملكة المغربية أغفلوا عمدا الأسباب والمسببات التي دفعت بالمجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية اتخاذ هذا القرار الصائب الذي ينضوي تحت خطة تسديد التبليغ، وهو مشروع تسعى من خلاله مؤسسة العلماء، برعاية مؤسسة إمارة المؤمنين في المغرب، إلى النهوض بأمانات العلماء في واجب تبليغ الدين من أجل تحقيق مقومات الحياة الطيبة في المعيش اليومي للناس؛ بحيث تكون لإيمانهم وعباداتهم ثمرات تنعكس على نفوسهم بالتزكية وصلاح الباطن، وعلى سلوكهم بالاستقامة وصلاح الظاهر.
ومن جهته اعتبر رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، في تصريح لـ”العرب”، أن تطوير خطبة الجمعة ومهام الخطيب ضرورة حيوية بما يتناسب ومشاكل العصر وأيضا بما يحافظ على الوحدة المذهبية بالمملكة، لكن هذا لا ينفي إعطاء هامش من الابتكار والخصوصية للخطيب حتى لا تكون خطبة الجمعة تكرارا يحد من التنوع في الخطاب الديني، الذي يعالج المشكلات والتحديات التي تواجهها المناطق واحتياجاتها.
وتفاديا للجدل بين من يرون توحيد الخطبة والذين يدافعون عن حرية الخطيب في اختيار مواضيعه، قالت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إن أمر تعميم الخطب مؤقت وليس دائما، يروم حسب قولها التحسيس العام بهذا المشروع وبناء الاستجابة له والتفاعل الإيجابي معه ودراسة مواضيع بعينها في دروس وعظ منتظمة في خطة المؤسسة.
ويتوزع الأئمة المرشدون على جميع عمالات وأقاليم المملكة، ويتم تعيينهم في دوائر تأطير بجزء من مجال حضري أو بجماعة قروية في الغالب، والمهام المسندة للأئمة المرشدين محددة بعقد نموذجي يلزم المتعاقد بتفقد المساجد والتواصل العلمي والمهني مع الأئمة والإسهام في مضمون خطة التأطير وفق البرامج الصادرة عن المجالس العلمية والإسهام في تقويم الالتزام بالنظام الجاري به العمل في المساجد والمشاركة في توسيع برنامج محو الأمية وتحسينه.
وشدد رشيد لزرق في تصريح لـ”العرب”، على توحيد الخطبة على مستوى الرؤية العامة، دون إغلاق المجال أمام خطباء الجمعة للتفاعل في خطبهم مع احتياجات جمهور المسلمين مع ما يتناسب مع سياقاتهم وظروفهم، خصوصا وأن الخطيب يخضع لضوابط رسمها المجلس الأعلى العلمي، بعدم الخوض في المواضيع التي تخلق الفتنة.
وقام المغرب برسم تدابير وقائية ترتكز حول تفعيل عقيدة علماء المغرب في القيام بالتزاماتهم الدينية والتاريخية والعمل داخل المساجد وفي الأماكن العمومية بالثوابت الدينية خطابا وسلوكا والحياد التام للمساجد بالنسبة للتيارات السياسية، كون عقيدة علماء المغرب ترتكز على العقيدة الأشعرية التي لا تقبل التكفير والمذهب المالكي الذي استوعب كثيرا من عمل أهل المغرب والسلوك الروحي الداعي إلى محاسبة النفس والتربية على المسؤولية.
ونفى رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات – تمارة، لحسن سكنفل، أي دوافع سياسية وراء خطة توحيد الخطب، مؤكداً أن “مواضيع الخطب الموحدة تخدم مصلحة الناس وتُلامس احتياجاتهم وتُجسّد جوهر الدين الإسلامي، وتسعى إلى تجديد خطاب التبليغ ليُصبح أكثر تأثيرا في السلوك.
ويرى الصادق العثماني، أن خطبة الجمعة في عالمنا الإسلامي تحتاج إلى تطوير وتجديد وعصرنة من أجل مسايرة الواقع المعاصر ومستجداته، يحتاج المسلم إلى مخاطبته بلغة جديدة، وبأسلوب جديد، وبمواضيع جديدة تركز على العقل والنقل والتاريخ والجغرافيا والقانون والحقائق العلمية التي توصل إليها العلم الحديث، وهذا ما تود تحقيقه خطة تسديد التبليغ وخطبة الجمعة الموحدة في المملكة المغربية.
وتسهر الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على التعبئة العامة لكل الفاعلين في الشأن الديني؛ من أعضاء المجالس العلمية والأئمة المرشدين والمرشدات، والقيمين الدينيين، بكل فئاتهم من الأئمة والخطباء والوعاظ، من أجل إنجاح المرحلة الجديدة؛ التي تعتبر نقلة نوعية في تقريب الدين من التدين، وتسديد التدين بالرقي بالتأطير الديني.
ويتم توظيف مختلف الوسائل التواصلية المعتادة والرقمية التي بدأت تشق طريقها، من أجل تحقيق أعلى نسب الشعور بالتحرر من النفس الأمارة بالسوء، وطغيان المادة؛ مما يمكن العبد من الانقياد لله وحده؛ شاعرا بالسعادة الحقيقية النابعة من القلب الصافي من كدرات الشهوات، وملذات الدنيا؛ متنعما في حياة طيبة كريمة؛ مؤمنا صادقا، ومواطنا صالحا ومصلحا لأسرته، ومجتمعه.
واعتبر العثماني أن الخطة التجديدية في الحقل الديني المغربي سترفع لا محالة منسوب القيم الأخلاقية في المجتمع، كما سترفع من وعي المصلين والمواطنين وتوجيههم نحو طريق الخير والصلاح والفلاح، في ظل المتغيرات الدولية والحياة المعاصرة المعقدة، مع بروز ظواهر اجتماعية خطيرة على الساحات الوطنية والدولية التي أصبحت تؤثر في حياة وسلوك الناس، مبرزا أن التربية الأخلاقية صارت ضرورة ملحة وواجبا شرعيا ودينيا في عنق كل مسلم ومسلمة، ولعل التحدي هنا ألا يقتصر دور الأخلاق في المنهاج الدراسي وحدود أسوار المدارس فحسب، وإنما يمتد إلى مناحي حياتنا كافة
المصدر: العرب اللندنية