حياة جبروني
بحضور مميز ووازن لنقاد وأساتذة وطلبة باحثين من مختلف الشعب والتخصصات، بالإضافة إلى مشاركة فعلية لعدد معتبر من المهتمين والمختصين في المجال الثقافي، أقامت شعبة اللغة العربية وآدابها، بكلية الاداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة في إطار سلسلة لقاءات ومحاضرات “أربعاء الأدب واللغة”، أمسية ثقافية مع الباحث الأستاذ العياشي ادراوي أول أمس الأربعاء 11 مارس 2020 تناول محاضرة موسومة بـ”الدراسات الثقافية وتضافر التخصصات”.
افتتح الأمسية رئيس الجلسة والمشرف عليها الدكتور مصطفى سلاوي، بكلمة عبر من خلالها عن تقديره للباحث الأستاذ ادراوي مشيدا بمسيرته العلمية والثقافية الحافلة بالعطاء كذلك نوه بدراسته القيمة التي أثارت مجموعة من التساؤلات والإشكالات والقضايا الثقافية سعى من خلالها صاحب البحث معالجتها وفق ما تقتضيه فلسفة الدراسات الثقافية.
خص الأستاذ المحاضر هذا البحث المعرفي والثقافي بنكهة الفلسفة، مركزا على جذب مجموعة من الأفكار ومجموعة من التساؤلات ومجموعة من القضايا الثقافية الجادة أغنت النقاش وألهبت الحوار لما خلقته من استفزازات معرفية لدى الحضور.
اعتمد الناقد الأستاذ العياشي في نشاطه الثقافي على مجموعة من المحاور مرتبطة بالدراسات الثقافية تهم السياق وبعض الزوايا التي تمكن من الدراسة، كذلك، الدراسات الثقافية ما بعد الحداثة والتركيز على بعض القضايا ذات صلة بالفكر الاختلافي وفلسفة التأويل باعتبارهما منطلقين ورافدين تشتغل على ضوئهما الدراسات الثقافية والتي شكلت مسارا مختلفا في قراءة الثقافة بشكل موسع ومنفتح على مساحات ظلت مهمشة ومُبعدة حتى ظهرت الدراسات الثقافية المعاصرة مؤطرة بفكر فلسفي متمرد على كل ما هو مركزي وثابت ومتعالي أدى إلى تحطيم النزعة المعيارية التي تنتصر إلى كل ما هو ثابت ورسمي ومركزي. ويمكن أن نلخص أهم مبادئ هذه الثورة الثقافية الحديثة والمتمثلة في إعادة قراءة مفهوم الثقافة وتعريف النص وإعادة النظر في المنهاج وخلق نماذج بديلة ومغايرة أساسها القفز على كل أساليب وأشكال التسلط والهيمنة وتصحيح الوضع الابستمولوجي السائد وتعويضه بالتأويلي وفي هذا الصدد تم استحضار ثلة من الفلاسفة ساهموا في إثراء الدراسات الثقافية أمثال ريتشارد روتي صاحب مذهب البرغماتية الخلافية الجديدة ونيتشه أول من رفع شعار معول النقد العقل الغربي ليتبناه فيما بعده ميشيل فوكو دون أن ننسى الأفكار الفلسفية لدريدا. كل هؤلاء وغيرهم سعوا إلى تقويض الميتافزيقا الغربية وعالجوا مجموعة من القضايا والمشاكل السائدة في التقاليد الفلسفية والثقافية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية… وعلاقة بالموضوع تم التطرق إلى كتاب “النقد الثقافي” لعبد الله الغذامي، هذا الكتاب، قرأ الأنساق الثقافية العربية قراءة مختلفة تؤكد على رجعية الثقافة النخبوية..
انطلاقا من هذا المفهوم المطلق للثقافة، توسعت وتنوعت وتعددت موضوعات الدراسات الثقافية استدعت في إطاره النظري الموسع تضافر عدة خصائص أهمها: ماهية الدراسة ومفهومها وتأسيسها، فالدراسات الثقافية تنكر أي فصل أو تمييز بين ثقافة عليا وثقافة دنيا وثقافة نخبوية وثقافة شعبية…، الاهتمام بالقضايا والأفكار والنصوص والنظريات على ضوء تلك النماذج الجاهزة الرسمية، والخاصية الثانية: تجاوز الدراسات الثقافية حدود حقل معرفي معين تتضمن تحليل النص تحليلا سميائيا تفكيكيا وتحليليا، وهنا يمكن فهم النص من عدة زوايا ورؤى وليس من زاوية القراءة الأحادية، وعلاقة الثقافة بالخطاب الإعلامي الذي يدخل في صناعة اللياقة وما تعنيه من مرح ومتعة وتسلية بمعنى أن الثقافة تشمل كل ما يتعلق بالإنسان… وخاصية أخرى تتعلق برفض القيم المطلقة وكل ما هو ثابت وجاهز والانفتاح على كل ما هو متغير ومتجدد… والاستناد إلى المعيارية العقلانية والموضوعية والفهم الجيد وتجاوز الوعي الابستمولوجي وكل أشكل التقليد… وتحرر الدراسات الثقافية من النزعات المذهبية والمضادة لكل الميولات الدغمائية التي تؤسس للحقائق الموضوعية الثابتة استنادا إلى منطق الأصل والضبط والتقييم والتقنين.
فهذه الخصائص كلها، تجسد فلسفة ما بعد الحداثة. فكل ما بنته الحداثة من قيم ونماذج وأشكال… حاولت ما بعد الحداثة أن تنسفه خاصة على مستوى الاحتفاء بالتعدد المنهجي والقيمي وتعدد الثقافات والهويات وتعدد النماذج والمقاربات كما أكده الباحث المحاضر، لذلك فلا ريب أن نقول بأن ما بعد الحداثة كانت مهووسة بتحطيم وَهْم الموضوعية وفضح أنظمة الثقافة المركزية.
تجدر الإشارة أن الدكتور العياشي الدراوي صاحب هذه المحاضرة القيمة أستاذ التعليم العالي مؤهل بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير (ENCG )، جامعة محمد الأول وجدة
– حاصل على شهادة الدكتوراه تخصص “لسانيات” جامعة مولاي اسماعيل مكناس 2009
– حاصل على شهادة التبريز من المدرسة العليا للأساتذة “العرفان” الرباط 2010.
*بعض مؤلفاته:
-الاستلزام الحواري في التداول اللساني: من الوعي بالخصوصيات النوعية للظاهرة إلى وضع القوانين الضابطة لها منشورات الاختلاف ودار الأمان –الرباط 2011
-الحوار الاختلافي أو مسلك التناظر الكلامي: مساهمة في إعادة بناء أصول التخاطب افريقيا الشرق 2012
-سؤال التجديد بين الفلسفة واللغة. افريقيا الشرق 2013
– في التواصل التكاملي: فصول من التناظر بين الفكر العربي والفكر الغربي. منشورات ضفاف ودار الأمان2014
-نحو فكر اختلافي من منطق المطابقة إلى منطق التحويل. مؤسسة الرحاب الحديثة بيروت. لبنان 2019. ناهيك عن 9 كتب منجزة بشكل جماعي ومجموعة من المقالات والدراسات منشورة في مجلات ودوريات وطنية ودولية ومشاركته في العديد من الندوات والمؤتمرات داخل المغرب وخارجه.
ودارت في ختام العرض مداخلات وتساؤلات قيمة طُرحت فيها قضايا ثقافية عديدة اتسعت على إثرها مساحة مهمة من النقاش تداولها الحاضرون بكل موضوعية وجدية…