أ ف ب
يطمح المغرب ليكون رائداً في مجال صناعة الهيدروجين الأخضر في المنطقة المغاربية، بهدف تصديره إلى أوروبا فضلاً عن استعماله لإنتاج الأسمدة. لكن هذا الطموح يواجه تحديات، أبرزها تقديم عرض تنافسي بأقل كلفة ممكنة.
ففي تموز/يوليو الماضي أكد الملك محمد السادس هذا الطموح معلناً أن الحكومة “أعدت مشروع +عرض المغرب+، في مجال الهيدروجين الأخضر”.
ودعا في خطابه السنوي بمناسبة ذكرى توليه العرش إلى “الإسراع بتنزيل (العرض)، بالجودة اللازمة، وبما يضمن تثمين المؤهلات التي تزخر بها بلادنا، والاستجابة لمشاريع المستثمرين العالميين، في هذا المجال الواعد”.
ويعدّ وقود الهيدروجين الذي يمكن إنتاجه من الغاز الطبيعي أو الكتلة الحيوية “أخضر” عندما تنفصل جزيئات الهيدروجين عن الماء باستخدام كهرباء مستمدة من مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي لا تنتج انبعاثات كربونية.
ويمكن أن يستعمل كوقود للنقل أو في عدة صناعات مثل الصلب والإسمنت والكيميائيات.
“لكنه لا يزال حالياً قطاعاً جنينياً، والمشاريع الكبرى على الصعيد العالمي لن ترى النور إلا في أفق 3 إلى 5 أعوام”، على ما يوضح مدير معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة الحكومي سمير رشيدي.
في انتظار الإعلان عن تفاصيل “العرض” الذي يقترحه المغرب لاستقطاب مسثتمرين دوليين، كشف تقرير لوزارة الاقتصاد في منتصف آب/أغسطس أنها تحجز منذ العام 2022 حوالي 1.5 مليون هكتار من الأراضي المملوكة للدولة لاحتضان “ثمانية من مشاريع الهيدروجين والأمونيا الخضراء”.
كذلك تحدثت وسائل إعلام محلية عن اهتمام مستثمرين من الهند وفرنسا وبريطانيا بإقامة مشاريع في المملكة. لكن لم يعلن حتى الآن بشكل رسمي عن أي منها. وفضلا عن الجاذبية التي بات يحظى بها الهيدروجين الأخضر في سياق أزمة المناخ، يراهن المغرب أيضاً على رصيده في توليد الكهرباء من الطاقات النظيفة.
فقد أطلق منذ العام 2009 إستراتيجية لتنمية هذه الطاقات توفر حالياً نحو 39 في المئة من إنتاجه من الكهرباء، ويسعى إلى رفع هذا المعدل إلى 52 في المئة في أفق العام 2030.
غير أن نسبة الطاقات النظيفة في مجموع الطاقة المستهلكة في البلاد ما تزال في حدود حوالي 10 في المئة فقط حالياً.
وفضلا عن الحاجة إلى زيادة نسبة الطاقات النظيفة يواجه المغرب خصوصاً تحدي تقديم عرض تنافسي بأقل كلفة ممكنة، مقارنة مع منافسيه المحتملين مثل موريتانيا أو مصر.
ويضع هدفاً بأن ألا تتعدى كلفة الكيلوغرام الواحد من الهيدروجين الأخضر “دولارين أو حتى دولار واحد”، بينما تقارب حالياً 4 إلى 5 دولارات، كما أوضح رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي أحمد رضا الشامي لمجلة “لافي إيكو” في تموز/يوليو.
كذلك تواجه المملكة تحدي إنشاء “منظومة لسلسلة قيم صناعية تبدأ بمحطات تحلية مياه البحر، وبُنيات تخزين الكهرباء، وصولا إلى إيجاد حلول لإشكالية نقل وتسويق الهيدروجين”، على ما يضيف رشيدي.
ويراهن المغرب عموما على تحلية مياه البحر لمواجهة إجهاد مائي متزايد في الأعوام الأخيرة.
في مقابل هذه التحديات، يمثل الهيدروجين الأخضر فرصة سانحة للمغرب لتعزيز مكانته في صناعة الأسمدة التي يعد من روادها عالمياً بفضل احتياطياته الضخمة من الفوسفات.
لكنه يظل مرتهنا يتقلبات أسعار مادة الأمونيا الضرورية لهذه الصناعة حيث يعد أول مستورد لها في العالم.
ويوفر الهيدروجين الأخضر إمكانية التخلص من هذا العبء حيث يمكن استعماله لإنتاج أمونيا خضراء بإضافة الآزوت.
وقد أعلن عملاق الفوسفات المغربي “المكتب الشريف للفوسفات” نهاية العام الماضي عن مشروع لإنتاج مليون طن من الأمونيا الخضراء في أفق العام 2027، و3.2 ملايين طن في 2032.
وهو ما من شأنه رفع إنتاجه من الأسمدة من 12 مليون طن سنوياً حالياً إلى 20 مليونا.
بدورها تسعى الجزائر المجاورة إلى أن “تصبح لاعباً رئيسيا في إنتاج الهيدروجين المتجدد والنظيف وتعزيز مكانتها كمورد موثوق وآمن للطاقة لشركائها، وخاصة الأوروبيين”، كما يؤكد مدير الهيدروجين والطاقات البديلة في مفوضية الطاقة المتجددة الجزائرية رباح سلامي لوكالة فرانس برس.
وتراهن في ذلك على إمكانياتها من الموارد الشمسية والريحية “التي تعد من بين الأهم في العالم”. لكن أيضاً على “الاستفادة من بنيتها التحتية للنقل”، مع امتلاكها خطوط أنابيب تصدر الغاز لأوروبا.
ووضعت الجزائر خارطة طريق لإنتاج تدريجي ابتداء من العام 2030 “للوصول إلى طاقة إنتاج سنوية تبلغ مليون طن من الهيدروجين الأخضر في عام 2040 للتصدير إلى السوق الأوروبية”، بحسب سلامي.
كذلك، يرتقب إنتاج 250 ألف طن للاستهلاك المحلي في صناعات البتروكيماويات والأمونيا والميثانول والأسمنت والصلب.
أما تونس فهي “بصدد التخطيط لإنشاء شبكة لنقل الهيدروجين الأخضر” إلى أوروبا، وفق ما أوضح مدير الكهرباء والانتقال الطاقي في وزارة الصناعة بلحسن شيبوب في أيار/مايو. ونقل الموقع المحلي “ويب مانِجَر سنتر” عن شيبوب قوله أن “تونس قادرة على تصدير بين 5.5 إلى 6 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر نحو أوروبا في أفق العام 2050”.